<<<مادة من صفحة أرشيف صحفي>>>
تتحرك الساحة السياسية الموريتانية بسرعة حبات الرمل في هذ البلد الصحراوي ، ومثلما يبتلع الرمل المساحات الزراعية والقري، تبتلع ألأحزاب بعضها البعض.... وبسرعة محو الرياح آثار أقدام البدو علي الكثبان ، تنمحي أحزاب ولدت للتو،، وتطل أخري كانت مطمورة ...
سياسيون رحل أو بداوة سياسية موروثة - ربما - عن أسلوب بدوي في مكافحة الرمال الزاحفة بالرحيل الدائم.
ويعلل السياسي اليساري المصطفي ولد بدر الدين الطبيعة العابرة للسياسة في موريتانيا بكون الموريتانيين مسكونين بالرحيل. ويقول لـ بي بي سي إن الظاهرة تأخذ جذورها " من الطبيعة البدوية الموريتانية فالموريتانيون إلي عهد قريب بدو رحل وهم يتضايقون من الثبات مثلما كان أجدادهم يتضايقون من البقاء في داراتهم أكثر من شهر".
ويقول الكاتب القومي ناجي محمد الإمام ل بي بي سي إن الرحيل عادة عربية أتقنها الموريتانيون منذ زمن بعيد " ومنه رحلة بني هلال التي فينا بعض بقاياها وأشلائها". ويضيف أنه " لم تبدع أمة في تعداد أماكن نجعتها أو ظعنها كما أبدع العرب". ولذا " كان للعرب داراتهم التي يفخرالفيروزبادي أنه جمعها وربت علي المائة". غير أن ناجي يرفض الربط بين الرحيلين، فهذا الرحيل السياسي - في رأيه - لا رابطة بينه وبين الرحيل الأصلي، "فهو رحيل رجال لم يبق من مبادئهم إلا سالف ذكر، وذلك رحيل قوم كانوا يرحلون لسبب،، وينتجعون لسبب،، ويقطنون لسبب ،،وهم يرحلون من أجل أهداف ومبادئ " . في موريتانيا الآن أقل بقليل من ستين حزبا سياسيا كان آخرها في الظهور حزب الرئيس الحالي سيدي ولد الشيخ عبد الله " العهد الوطني للديمقراطية والتنمية. وهناك مشاريع اندماجات بين عدد من هذه الأحزاب، ومشاريع قيام أحزاب جديدة.
وقدظلت الأحزاب الحاكمة في موريتانيا قبلة للسياسيين الرحل... ويفسر بدر الدين ذلك بأن " الدولة الموريتانية منذ نشأتها ظلت بقرة حلوبا للسياسيين الذين يعيشون من السياسة" ... فمثلا هيمن حزب الرئيس السابق معاوية ولد الطايع علي الساحة السياسية خلال أربعة عشر عاما أمضاها في السلطة ليأتي عليه الدور الآن فينسحب أكثر من تسعين في المائة من سياسييه الرحل، وينضموا لحزب السلطة الحالية الذي تشكل أخيرا.
وخلال التسعينات من القرن الماضي استطاع زعيم المعارضة أحمد ولد داداه أن يحشد حوله كل معارضي الرئيس السابق معاوية ولد الطايع في حزب عملاق غير أن راديكالية ولد داده ، وغضب كثيرين من سوء الأوضاع لم تستطع الوقوف في وجه قوافل الراحلين حيث لم يبق في الحزب إلا قلة من حواريي الزعيم المعارض... ففي العام 1992 رحلت جماعة بقيادة وزير الخارجية الراحل حمدي ولد مكناس وشكلت حزبا خاصا بها. وفي 1993 رحلت جماعة "الحر" بقيادة مسعود ولد بلخير، وشكلت حزب "العمل من أجل التغيير" الذي رحلت منه اضطراريا بسبب حظره وانتهي بها المقام في حزب التحالف الشعبي التقدمي ( الناصري الأصل ) ، وفي 1994 رحلت جماعة السود بقيادة صار إبراهيما لتلتحق بحزب العمل من أجل التغيير وترحل عنه مشكلة عام 2007 حزبا سياسيا جديدا.، وفي سنة 1996 رحلت جماعة "الكادحين" أو "الحركة الوطنية الديمقراطية ".
وقد شكل حزب ولد داداه " تكتل القوي الديمقراطية" " مرعي خصيبا" للمنتجعين السياسيين خلال الشهور الألي التي أعقبت انقلاب 2005 الذي قاده العقيد علي ولد محمد فال ، لكنهم "رحلوا" سريعا ليستقر بهم المقام "موقتا" في "سهوب" أخري.
ويعتقد بدر الدين أن الطبيعة العابرة للسياسة هنا، مصحوبة أيضا بأخري عابرة في الأنشطة الإقتصادية، فالموريتانيون " رغم استقرارهم بنسبة ثمانين في المائة علي مدي الخمسين عاما الأخيرة ،رافقتهم طبيعة الترحال إلي مدنهم وقراهم الجديدة" ويضيف : " يبدأ الواحد منهم نشاطا في تنمية الماشية، ويتحول عنه إلي التجارة ، ومن التجارة إلي الصناعة" . وفي مجال السياسية " تجد أحدهم اليوم في حزب سياسي ، وتلقاه غدا في حزب آخر".
لم تسلم الحركات الإيديولوجية من الرحيل أيام الأحلام الوردية والطموحات الكبري للإشتراكية والأممية والوحدة العربية:. وكان بدر الدين نفسه من البدو السياسيين الأول:.
ويقول بدر الدين إنه مارس الترحال السياسي مرة واحدة حينما انفصل عن حركة القوميين العرب في الستينات وشكل مع زملاء سياسيين موريتانيين حزب " الكادحين" أو " الحركة الوطنية الديمقراطية" وهي في رأيه " حركة يسارية لا ماركسية تناصر قضايا التحرر في العالم وتدعو في موريتانيا إلي وحدة مكونات الشعب الموريتاني علي أساس برنامج وطني قائم علي تعدد الثقافات والأعراق في البلد". لكن القومي ناجي محمد الإمام يعتقد أن ما يصفه ب " ارتداد مدرسة الكادحين الماركسية وتصالحها مع حكم الرئيس الأسبق المختار ولد داداه كان أول نجعة سياسية ومنذ ذاك بدأ الرحيل بمفهومه السياسي من حيث هو تبديل مواقع ومواقف".
لكن بدر الدين يعتقد أن رحلةالإنتجاع السياسي بدأت مع فجر الإستقلال، وقبل ميلاد حركة الكادحين. ويقول: "إنه أيام الإستقلال عام 1960 كانت في البلد أربعة أحزاب اندمجت كلها في حزب السلطة وشكلت معه حزب الشعب الموريتاني" . لكن بدر الدين يقر أن حركته عرفت البداوة السياسية في عهد الرئيس الأسبق المختار ولد داداه: حينما انقسمت بعد إصلاحات أدخلها الرئيس الأسبق ومنها مراجعة الإتفاقيات العسكرية والثقافية مع فرنسا والتي كانت نوعا من النيوكولونيالية،ومنها تأميم شركة حديد موريتانيا، وإنشاء عملة وطنية. ويقول بدر الدين إن غالبية قادة الكادحين رأت أن مطالب الحركة تحققت، ولذا اندمجت في " حزب الشعب الموريتاني" الذي يقوده المحتار ولد داداه. لكنه هو وبعض زملائه رفضوا الإندماج أي الترحال وتمسكوا بخطهم.