محسن ابو رمضان
يواجه الاقتصاد الفلسطيني العديد من التحديات الناتجة عن استمرار سياسة الاحتلال والاستيطان وتهويد القدس والسيطرة على الحدود والموارد من خلال الاستحواذ على الاراضي ومنابع المياه بالضفة الغربية والناتجة عن سياسة الحصار والعدوان على قطاع غزة.
تسيطر اسرائيل على المنطقة المسماة “ج” بالضفة الغربية والتي تشمل منطقة الاغوار والمناطق التي تقع خلف الجدار والتي تبلغ مساحتهما حوالي 60% من مساحة الضفة الغربية إلى جانب السيطرة على احواض المياه والاجراءات البيروقراطية والادارية المعقدة التي يتم بها عرقلة عملية التبادل التجاري وذلك بهدف الابقاء على تبعية الاقتصاد الفلسطيني للإسرائيلي من خلال استغلال بروتوكول باريس الاقتصادي والمبنى على قاعدة الغلاف الجمركي الموحد رغم الهوة الواسعة بين الناتج القومي ونصيب الفرد السنوي الاسرائيلي مع نظيره الفلسطيني علماً بأن السلعة الواحدة يتم شرائها بنفس السعر، وذلك بالوقت الذي ترفض به اسرائيل افتتاح النقاش بخصوص بروتوكول باريس وفق بنودة التي تسمح بإعادة نقاشه مرة كل ستة اشهر .
تحاول اسرائيل تعزيز سياسة التعاقد من الباطن ومنع اية ترتيبات لبلورة عمليات تنموية وانتاجية مستقلة بالضفة الغربية، كما تستغل الأيدي العاملة عبر تشغيلها بالمستوطنات الاسرائيلية بالضفة وكذلك داخل اسرائيل، بما يشكل خرقاً للقانون الدولي الانساني وتعزيزاً لعمليات السيطرة الاستعمارية والكولونيالية على حساب الارض والموارد الفلسطينية.
وبالوقت الذي تتعرض به الضفة الغربية لآليات من السيطرة على الثروات الاقتصادية عبر تعزيز عمليات الاستلاب والتعبية وإعاقة نهوض اقتصاد فلسطيني مستقل نسبياً او يعتمد على ذاته وموارده المادية والبشرية ، فإن قطاع غزة يتعرض هو الآخر إلى هجمة شرسة من خلال استمرار الحصار المديد والطويل لأكثر من 11 عاماً مصحوباً بثلاثة عمليات عسكرية عدوانية واسعة تم تدمير بها البنية التحتية والمرافق الانتاجية وكذلك فإن عملية اعادة الاعمار ما زالت معقدة بسبب آلية الرقابة التي تحظر بها اسرائيل دخول العديد من السلع والمواد بحجة انها ” مزدوجة الاستخدام ” الأمر الذي ادى إلى تعطل عمليات الانتاج والتنمية وتم تحويل قطاع غزة إلى سوقاً استهلاكية للبضائع الاسرائيلية ويعتمد بسنة كبيرة من سكانه بما لا يقل عن 80% على المساعدات الانسانية والغذائية المقدمة من الأونروا وغيرها من وكالات الاغاثة الدولية والمحلية.
رغم الاجراءات والمضايقات بالضفة الغربية إلا أن عام 2018 شهد نمواً اقتصادياً بمعدل 2.3 % وذلك بسبب اجندة السياسات التنموية المتبعة ” 2016 – 2022 ” ومحاولة ترشيد النفقات وزيادة الجباية وتشجيع عمل القطاع الخاص من خلال قانون الاستثمار، علماً بأن الاوضاع المأساوية التي يعيشها القطاع بسبب الحصار والعدوان وتداعيات الانقسام ادت إلى تراجع معدلات النمو في عام 2018 لتصل إلى -8% ، كما ارتفعت نسبة البطالة لتصل إلى 52% من حجم القوى العاملة بالوقت الذي وصلت بالضفة الغربية إلى 24% ، كما وصلت نسبة الفقر بالقطاع إلى 65% بالوقت الذي لم تتجاوز بالضفة اكثر من 31% .[1]
يتضح مما تقدم تباين المؤشرات الاقتصادية لدى كل من الضفة والقطاع بالوقت الذي تبرز به عمليات تراجع معدلات التنمية والناتجة عن الاحتلال والاستيطان والحصار والعدوان والانقسام.
حيث لم تبلغ معدلات الفقر في عام 2018 اكثر من 0.7% مقارنة بالعام 2017 والتي وصلت بها نسبة النمو إلى 3% .[2]
يرتبط نمو الوضع الاقتصادي الفلسطيني بصورة جدلية بمتغيرات الاوضاع السياسية وعليه فإن السيناريو المتوقع للعام 2019، وفق المعطيات السياسية تشير إلى احتمالية الاستمرار بحالة التراجع في معدلات النمو الاقتصادي إلى جانب ممارسات وسياسات الاحتلال على الارض فإن الاقتطاع من نسبة المقاصة يهدف للضغط على السلطة الفلسطينية سياسياً لقبول بما يسمى بصفقة ترامب التي تهدف إلى تصفية القضية الوطنية لشعبنا وابقاء دور السلطة في ادارة شؤون السكان دون تمكينها بالتحول إلى دولة ذات سياسة علماً بأن توقف المساهمات المالية الامريكية لكل من الاونروا والتي تبلغ سنوياً 365 مليون $ وكذلك للشعب الفلسطيني والتي بلغت حوالي 845 مليون $ ستؤثر بالضرورة على اداء الاقتصاد وستؤدي إلى بروز مؤشرات من التراجع في معدلات النمو، خاصة إذا ادركنا استمرارية الضغوطات الامريكية على بعض الدول بهدف وقف تمويل السلطة الأمر الذي سيلعب دوراً ايضاً في اضعاف أداء السلطة الاداري والتنموي والاقتصادي بصورة عامة.
وعليه فإن ممارسات الاحتلال بما يشمل اقتطاع نسبة من المقاصة وتراجع التمويل الدولي بصورة واضحة مع استمرار حالة الانقسام وعدم تحقيق نمو بارز في تحصيل الجباية الداخلية سيؤثر هو الآخر في مؤشرات الأداء للعام 2019.
لقد بات من الضروري بلورة خطة بديلة بعد ان انهت دولة الاحتلال احد المرتكزات الاساسية لاتفاق اوسلو والمجسد بوقف العمل ببرتوكول باريس الاقتصادي من خلال السطو على اموال الشعب الفلسطيني التي يدفعها من قوت ابنائه بعملية قرصنة تشكل خرقاً واضحاً للقانون الدولي وتشكل واحدة من جرائم الحرب الكبرى والتي تتطلب اثارة هذا الملف في محكمة الجنايات الدولية إلى جانب ملفات الاستيطان وحصار وعدوان قطاع غزة وتهويد القدس والاسرى، بهدف تحقيق الاشتباك القانوني في مواجهة دولة الاحتلال والعمل على تعريتها امام المجتمع الدولي بالإضافة إلى بلورة آليات اقتصادية وتنموية تعتمد على الموارد الذاتية المادية والبشرية من خلال الاستثمار بالأرض والانسان وزيادة حجم القطاعات الانتاجية من عمليات التنمية ” الزراعية ، الصناعة ، الانشاءات ” بدلاً من حجم الخدمات الضخمة والتي تصل إلى نسبة 62% من بنية الاقتصاد المحلي بالوقت الذي لم يبلغ به مساهمة الزراعة اكثر من 2.8 % والصناعة 11.5% والانشاءات 6.50 % بما يعنى اهمية اعادة هيكلة وتنظيم الاقتصاد المحلي ليقدم الابعاد الانتاجية والتنموية على الابعاد الخدماتية والاستهلاكية .
إن العلاقة مع البلدان التي تدعم حقوق شعبنا تشكل رداً ايضاً على محاولات اميركا واسرائيل لاستخدام عمليات الابتزاز المالي لتحقيق تنازلات سياسية، الأمر الذي يفترض به التوجه لتطوير العلاقة مع كل من روسيا والصين ومجموعة 77 والائتلافات الاقتصادية العالمية البديلة للهيمنة الأمريكية بالعالم من خلال تجمع بلدان “بريكس” وغيره من التجمعات التي تنشأ بهدف اعادة صيانة النظام العالمي على قاعدة جديدة تضمن العدالة للشعوب المستضعفة بما يشمل حقها بالتنمية والانتاج كجزء من حقها في تقرير المصير.
محلل اقتصادي فلسطيني