نادية عصام حرحش
لا يمكن التغاضي عن حدثين وقعا في نفس التوقيت. اغتيال الكاتب العراقي علاء المشذوب بعد تصريحات أدلى بها ضد الامام الخميني والشيعة، حيث أقدم مجرمون على قتله بوابل من الرصاص اخترق جسده عند عودته الى منزله مساء السبت الماضي.
في فلسطين، وغداة مؤتمر تطبيعي حصل في تل أبيب، وتم تغطية تفاصيله من قبل الصحافية الفلسطينية نائلة خليل، تم تهديد الصحافية وشتمها لما نشرته.
لا أعرف ان كانت حملات المناصرة للصحافية الفلسطينية قد توازى مع فجيعة قتل الكاتب العراقي، مما جعل من الامر أكثر تعقيدا. فبالمحصلة، قتل الرجل من اجل رأي. وان كانت الحرب الطائفية ضد كل شيء في العراق تأخذ مشهدا دمويا شبه يومي، فإن الحرب في فلسطين المنقسمة تأخذ شكلا قد يبدو أقل دموية، فمن يتحكم بالسلاح في الحال الفلسطيني هو إسرائيل، فلم نصل بعد الى تكريس الجريمة المسلحة كعمل ممنهج. ولكن في وضع انقسامنا بين فتح وحماس، وبين فتح الرئيس وفتح دحلان، وبين فتح التطبيع وفتح مقاومة ازرع ليمون ازرع تفاح، وبين فتح العموم وبين كل من يختلف معها، يكفي ان يشعر الانسان الفلسطيني الذي لا ينتمي الى أي من الفتح او من فتح مغضوب عليها بالتهديد الحقيقي، ان لم يكن بالقتل كما حصل في حالة الكاتب العراقي، فهناك من تطال يده لزج المعارض الى غيابات السجون والمعتقلات السلطوية، التي صارت على ما يبدو من تسريب من نجى منها كوصف عبد الرحمن منيف لمدن الملح.
المصيبة الأكبر بما جرى مع الصحافية الفلسطينية تدعو الى اللطم إذا ما تأملناها ولو قليلا. تخيل اننا وصلنا الى مرحلة يتم فيها شتمنا وتهديدنا إذاما تكلمنا عن ظاهرة التطبيع بعين نقدية. على الرغم من ان المقال لم ينتقد ولم ينقض، ولكن صاحبة المقال سردت وقائع الحدث كما سمعت وبلغت. ولا يوجد داعي للتنقيب كثيرا، فأصحاب الحدث اذاعوه ونشروه بالصوت والصورة على صفحتهم. سواء كان الموضوع حل للنزاع او إدارة للنزاع كما عبرت عنه احدى المشاركات الفلسطينيات، التي يبدو انها شعرت بفخ وجودها بهكذا دائرة نقاشية، حيث كانت تأمل بسماع ما هو حل للنزاع.
للحق، فإن أحد المشاركين الإسرائيليين قد فكر في غزة وعبر عن عدم رفضه لمعبر او نفق بين الضفة وغزة بلا تواجد إسرائيلي. يبدو ان الفكرة كانت ريادية فنالت استحسان الحاضرين وتم التصفيق للرجل بحفاوة.
احدى المشاركات الفلسطينيات، وهي شخصية مركزية بالحوار طالبت بعدم دخول الجنود الإسرائيليين الى مناطق الضفة بطرق غير قانونية، ولقد عبر الحاضرون عن هذا المطلب بكلمة ” همجية” لدخول الجنود الإسرائيليون للبيوت الفلسطينية.
ومن مطالب السيدة الفلسطينية كان ضرورة تعليم اللغة العبرية كما العربية من عمر ثلاث سنوات. لأنها على حسب تعبيرها تعاني من عدم معرفتها للغةالعبرية. في حين كان مطلب الإسرائيلي تعليم الأساسيات
للغة العربية للتعامل على الحواجز.
الحقيقة كان من الصعب على ان أكمل في مشاهدة الفيديو الذي نشرته الجمعية (أفكار للسلام) القائمة على هذا الحدث، وهي على ما يبدو ليست جمعية جديدة، وهذا اللقاء لم يكن اللقاء الأول.
شعرت بالحزن على بعض المشاركين الذين تم اقتيادهم لهكذا حدث، وشعرت بالاسى على واقعنا المرير. ففي صفحة مشاركة إسرائيلية عبرت عن بهجتها وارتفاع نسبة الادرينالين لديها بسبب التجمع الذي سيحتضن ثلاثين فلسطينيا وثلاثين إسرائيليا، تقوم تلك الشابة بحملة ممنهجة على صفحتها ومن خلال فيديو هاتها ضد حملة المقاطعة وتصور مباهج الاحتلال وعرابيه من جولدا مئير لجندي على أحد الحواجز يقتل بدون ان ترف عينه.
في المقابل، اختلست العبور الى صفحات منسق (ربما) هذه المجموعة،فعرابي هذه الجمعيات لم يعد هناك داعي للتنبيه عنهم، فهم معروفون ولقد حرقت اوراقهم منذ زمن، فلا يوجد من يعبأ لهم، فيكفي ان يكون اسمهم في مكان ما ليعرف الانسان العاقل فحوى الحدث القائم. ولكن المصيبة في تسييس هكذا اطر، فلم نعد نعرف ان كان الدور الفتحاوي هو دور وطني سياسي. نعرف ان هناك لجنة التواصل التي شكلها رئيس السلطة، ولكن على ما يبدو ان هذه المجموعة تعدت مراحل التواصل الرئاسي، فعن أي لقاء سياسي نتحدث هنا؟ هل هناك فرق باللقاء إذا ما كان سياسي او اجتماعي عندما يقع عبء التعريف عليه بالتطبيعي؟
من جهة، هناك حاجة ماسة للعمل ربما مع المجتمع الإسرائيلي، ربما بالفعل ان من يغير القرار في إسرائيل هو الناخب الإسرائيلي. ولكن عن أي ناخب نتكلم وعن أي اقناع ندلي بوعاء الاخر؟
اللقاءات السياسية معرفة بمن يقوم بها، ولجنة المفاوضات تعيد تكرار إعلانها بفشل المفاوضات. ولجنة التواصل مع تحفظي على مبدئيتها، الا انها تغطى بالفعل بإطار سياسي رسمي. ولكن تحويل هذه اللقاءات لمسمى السياسة بدل التطبيع لن ينطلي على عقل بلغ للتو.
وبما انني ادافع عن حرية الفكر والرأي، فهؤلاء احرار بتوجهاتهم نحو التطبيع او التطقيع. وليدافعوا عما يقوموا به تحت اسمه: انه تطبيع وتطبيع كارثي! ولكن اتحفظ بالقول انه لا يزال من الصعب على ان افهم كيف يدعو فلسطيني عبر صفحته او صفحتها الى قدس عربية محررة وفي نفس الوقت يجلس ليستجدي الاحتلال بعض المزايا امام علم إسرائيلي وسمي أنفسنا وطنيين.
وما من شك ان هؤلاء يدمرون العمل الحقيقي الذي يمكن ان يكون مع الإسرائيليين الذين يبغون بالفعل حلولا عادلة للفلسطينيين. ولكن أولئك لا يتمكنون من تجنيد موارد ومحاربون من قبل الدولة الصهيونية واللوبيهات الصهيونية. لا علاقة لهم من قريب او بعيد بعرابي هكذا منظمات.
افهم رغبة الإسرائيلي بالاغتناء من الصراع والتغني بشعارات يعرف انها لن ترجع ارض ولن تعطي حق. ولكني، وبإقرار ساذج، لا أستطيع ان افهم كيف لفلسطيني يذوق مرارة الاحتلال مع كل نفس ان يقبل ان يعتش على بعثرة القضية وحصرها فيما ينفع الاحتلال ويستمر بإعطائه الشرعية.
كاتبة من القدس