الملف الكردي بين واشنطن وأنقرة

خميس, 01/31/2019 - 14:53

عبد الحسين شعبان

رغم الوعود التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لنظيره التركي رجب طيب أردوغان قبل أسابيع، بمنحه ضوءًا أخضر لتوسيع دور تركيا في سوريا بعد انسحاب الولايات المتحدة منها، إلّا أن المسألة أكثر تعقيداً واشتباكاً كما يبدو، فجون بولتون مستشار الأمن القومي أدلى بتصريحات مناقضة لتوجّهات رئيسه، حيث وضع شروطاً على أنقرة لتطبيقها بعد الانسحاب الأمريكي، الأمر الذي أثار حفيظة الإدارة التركية، التي تصرفت بطريقة غير دبلوماسية، كما تم وصفها، فألغت لقاءً كان من المزمع عقده بين أردوغان وبولتون، وشنّت الأجهزة الرسمية والإعلامية التركية هجوماً عنيفاً ضد هذا الأخير. فهل سيعطّل الملف الكردي التفاهمات بين واشنطن وأنقرة؟ وهل سيكون الأكراد ضحايا استغفال ومساومة دولية جديدة؟

ويبدو أن الأكراد شعروا بمرارة من تصرف الدبلوماسية الأمريكية المتناقضة، ليس بعيداً عنها استحضار الدور الماكر الذي لعبه هنري كيسنجر مع أكراد العراق في العام 1975، فسرعان ما تم التخلّي عنهم بعد استنفاذ دورهم، وتبدّدت جميع الوعود التي أُعطيت لهم، سواءً من جانب واشنطن أم من جانب طهران الشاه حينها، وهو الأمر الذي يجعلهم في قلق وحيرة، إزاء التباس الموقف الأمريكي وضبابية الأفق بشأن حقوقهم ومصيرهم.

 ولعلّ هذه الأسئلة المشروعة تولد أسئلة أخرى أكثر حيرة تضع الجميع في دوامة الشك إزاء المستقبل، منها: هل سيكون أكراد سوريا هذه المرّة عرضة للخداع والاستغلال وضحايا جدداً؟ رغم عدالة ومشروعية قضيتهم؟ وهل نكثت واشنطن وعودها؟ وكيف سيتم التعاطي مع الوقائع الجديدة على الأرض؟ وما هي المدّة التي سيستغرقها الانسحاب الأمريكي؟ ومن سيملأ الفراغ ؟ وكيف سيحسم الملف الكردي الشائك تركيّاً وأمريكياً وروسيّاً، وبالدرجة الأولى سوريّاً بما فيه كرديّ؟ ثم ماذا عن المنطقة العازلة (الآمنة) التي بادرت تركيا لإعلان الاستعداد بإنشائها بالتعاون مع واشنطن، علماً بأن لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان  في موسكو لم يسفر عن تفاهم بشأن “المنطقة الآمنة”، ووردت إشارات غامضة بشأن اتفاقية أضنة الموقعة بين سوريا وتركيا العام 1998 والتي سمحت حينها للقوات التركية التوغل لمسافة 5 كيلومتر لملاحقة المجموعات المسلحة التي تقول أنها تهدّد أمنها الوطني.

لقد كان رد الفعل التركي شديداً إزاء التصريحات الأمريكية التي أعقبت وعد ترامب، وقال أردوغان إن الأتراك لن ينتظروا إذناً لتنفيذ أي عملية عسكرية في سورية، وأشار إلى أن تركيا لن تقدّم تنازلات في مجال مكافحة الإرهاب، معلناً أن بلاده ستبدأ قريباً جداً حملة ضد التنظيمات الإرهابية في الأراضي السورية، وإن التحضيرات توشك على الانتهاء شرق الفرات، مشيراً إلى أن تركيا لا تقبل الرسالة التي بعثها بولتون، مشدّداً على أن ادعاءات استهداف الأكراد إنما هي ” افتراء دنيء” على حد تعبيره، ملفتاً النظر إلى أن تركيا تحارب الإرهاب بغض النظر عن الانتماءات العرقية، وانتقد أردوغان السياسة الأمريكية في منبج “التي تحاول صرف نظرنا عمّا يجري هناك” حسب تعبيره.

ومن المشاكل العويصة التي تواجه علاقة أنقرة – واشنطن هي مشكلة الأسلحة التي بحوزة المسلّحين الأكراد ، وكذلك مصير القواعد العسكرية الأمريكية في سوريا، وهاتان المشكلتان ستؤججان الخلاف التركي – الأمريكي، فضلاً عن أنهما مشكلتان سوريّتان بامتياز، حيث أعلنت دمشق رفضها لقيام المنطقة العازلة واستعدادها للعمل على كل ما من شأنه لاستعادة السيادة على جميع الأراضي السورية، كما أن الجماعات الكردية هي الأخرى رفضت إقامة المنطقة العازلة باتفاق أمريكي- تركي، لأن تركيا ليست محايدة، بل هي طرف في الصراع كما تقول.

وتصرّ تركيا على استرداد الأسلحة من الجماعات الكردية المسلّحة مثلما تريد إخلاء القواعد العسكرية الأمريكية أو تدميرها ، وكانت صحيفة “حرييت” قد كتبت مقالة بعنوان ” سلّموها أو دمّروها”، والخلاف الآخر حول منبج، فالأتراك يريدون انسحاب المقاتلين الأكراد بشكل كامل وتطبيق خارطة طريق تركية – أمريكية. وتنفي تركيا أي وعد بحماية المسلحين الأكراد كما أعلن مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكي.

وهكذا يصبح الأكراد في حلبة الصراع مجدداً يواجهون مخاطر شديدة وتحدّيات جديدة وقلق مستمر يتعلّق بمستقبلهم وحقوقهم ومصيرهم، خصوصاً وأن التجربة التأريخية برهنت على محاولة القوى الخارجية استغلال الحركة الكردية لصالح أهدافها الأنانية الضيقة، فمن جهة تزداد تركيا تشدّداً وعنتاً للحصول على المكاسب في لحظة تاريخية مفارِقة.

أما الولايات المتحدة فتتأرجح حسب مصالحها بين حلفائها الأكراد والأتراك فتقدم خطوة وتتراجع خطوتين، وعلى الرغم من التوافق الضمني التركي – الروسي، فإن ثمة إشكالات ومشكلات ما تزال قائمة بينهما، وتشتبك بالموقف السوري المدعوم إيرانياً وقد يكون  التوصل إلى صيغة مناسبة تضمن الحقوق الكردية السياسية والمدنية العادلة في إطار الدولة السورية وعلى أساس دستور جديد  تسهم في إنجازه مختلف التيارات السياسية والاتجاهات الآيديولوجية والمجموعات العرقية وبمساعدة من الأمم المتحدة  يقرّب الأكراد من دمشق ويبعدهم عن وعود بعيدة؟

باحث ومفكر عربي

الفيديو

تابعونا على الفيس