سمير الحباشنة
-1-
ينعقد في أواسط الشهر القادم إجتماع “أممي” تحضره أكثر من “70 ” دولة بدعوة من الولايات المتحدة الأمريكية … وكما أعلنت الخارجية الأمريكية فإنّ على جدول أعمال هذا المؤتمر الوزاري عدة نقاط هامّة أغلبها تتعلق بمنطقتنا العربية ودول الشرق الأوسط .
وأملنا كبير أن يكون هذا اللقاء الوزاري الرفيع والواسع، منصة لانطلاق مناقشة قضايا المنطقة بروح تصالحية، تسعى إلى جلب السلام إلى منطقتنا التي تعاني من مشاكل وكوارث تمتد الى 70 عاماً خلت ، أي منذ قيام اسرائيل وحتى الآن.
وأن لا يكون بالتالي هذا الإجتماع منصة لإقرار سياسة حربية، تُدخل دول المنطقة في آتون حرب سوف تكون كارثية، تجلب معها الموت والدمار والتخلف ، وتزيد من معاناة المدنيين، الذين عانوا في العقد الأخير، كما لم يعانوا لا هم ولا غيرهم من قبل…
وهذا نص ممتاز ان تم أخذه على محمل المفردات التي عبّرت عنه، فالمدنيون في بلادنا العربية، هم بأسوء أوضاع يمكن تصوّرها، والتي لا يمكن تحمّلها…
فإن كان القصد وقف حرب اليمن التي يُعاني شعبها وأطفالها الذبح والجوع والمرض، بفضل تلك الحرب العبثية التي لا تحمل أي نتائج أو إنتصار لأي طرف من أطراف تلك الحرب … فهذا خير ننتظره بأحر من الجمر …
وإذا كان القصد من هذا الإجتماع وضع نهاية للمأساة السورية وتحقيق السلام والتوافق الوطني في سوريا ودحر آخر جيوب الارهاب هناك ، والبدء بعملية إعمار واسعة يتشارك بها الجميع، وكل من كان في السابق قد وضع نفطأً على نارها الملتهبة .. فهذا خير ننتظره أيضاً ..
وإذا كان القصد كذلك، وقف معاناة الشعب الفلسطيني، وضمان استكمال العملية السلمية، وتنفيذ القرارات الدولية الخاصة بالإنسحاب، وتقرير المصير للشعب الفلسطيني، فهذا رجاء طال انتظاره. حيث نأمل أن يكون اجتماع وارسو منصة لإنطلاق عملية سلمية جادّة تعيد السلام الى وطن السلام، وأرض الأنبياء والمثل العليا التي حطّت بها الرسالات السماوية الثلاث…
وإذا كان المقصود من إجتماع وارسو وضع خطة دولية لاجتثاث الإرهاب وتجفيف منابعه، عبر حل الإشكاليات المزمنة التي تعتبر السبب الحقيقي وراء الإرهاب، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وبالتالي البدء بمشروع مارشال جديد، يرفع من قيمة الإنسان في هذه المنطقة ، ويسعى الى توفير متطلبات الحياة الكريمة له .. فهذا أمر بغاية الأهمية، وهو الجسر الذي تعبرْ منه المنطقة وشعوبها الى بر الأمان والسلام.
إذا كان كل ذلك هو المقصود من هذا إجتماع وارسو، فإني أجزم بأنه سيكون موضع ترحيب من كل شعوب المنطقة وحكوماتها، وسوف يعيد لأمريكا مكانتها، ويحقق مبادئ ثورتها التي قامت على الحرية ونبذ الاضطهاد والتمييز العرقي وإنهاء مفاهيم الإستعمار والهيمنة .
-2-
إلا أن الخوف يعترينا والشك يتملكنا من أنّ هذا الإجتماع ما هو إلا خلق جبهة تحمل نزعة حربية، تتمثل في اصطفاف دولنا لتقوم بحرب بالإنابة ضد إيران. وهي حرب وإن حدثت ، لا سمح الله، فأنها لن تدمر إيران فقط، بل ستدمر دولنا أيضاً، وسوف تستنزف قوانا البشرية والمادية، وسوف يُنفق المال العربي في مكان ليس مكانه، بدل أن يُنهي معاناة أطفال اليمن ولاجئي سوريا وفلسطين، فأنه سيُنفق على شراء السلاح . والنتيجة لن تكون أفضل من نتيجة حرب اليمن أو تلك الحرب التي شُنّت على سوريا منذ عقد من الزمن .. فإيران ستبقى ونحن سنبقى أيضاً … لكن مع بقاء الفاّقة والجهل والمرض … وهو موات لا يختلف عن الموت بمعناه الذي نعرفه ..
-3-
إنّ اسرائيل المرشّحة لحضور هذا الاجتماع، لا تُبدي أي تعاون أو تفّهم لعنوانه الأساسي، حول وقف معاناة المدنيين في الشرق الأوسط، فإسرائيل عشية الإجتماع ماضية في برنامجها بالسيطرة على المسجد الأقصى وتهويد القدس، وإعلانها ن إنهاء مهمة قوة المراقبين الدولية في الخليل، بل وإعلان برنامج السيطرة على “280 ” ألف دونم في النقب، وطرد عشرات الألوف من العرب”الفلسطينيين البدو” من أرضهم التاريخية.
فهل سيتناول الإجتماع القضية الفلسطينية ؟ ، وهل سيدفع اسرائيل لوقف سياستها الاستعمارية بقضم الأرض والإيغال في المزيد من المعاناة للشعب الفلسطيني ؟ ، و هل سيدفع هذا الإجتماع اسرائيل للجنوح نحو السلم وإيقاف معاناة عرب فلسطين التي طال أمدها …؟؟!
-4-
إن هذا الإجتماع وحتى يُعطى أُكله، وإن كان هناك نقاط خلافية مع إيران وتركيا، ما تعلّق منها بالبرامج التسليحية لإيران أو توسّعها في العراق وتدخلها في قضايا المنطقة ، أو ما تعلّق بتركيا و وجودها غير الشرعي في سوريا، وحل معضلتها الدائمة والمزمنة مع الأكراد، وضمان عودة آمنة للاجئين السوريين، فأنّ الأجدى أن تُدعى هاتين الدولتين الهامتين في الإقليم .. فبوجودهم يمكن أن توضع كل الملفات العالقة على جدول البحث ، ويُعاد تسطير اتفاقات من شأنها الدفع بتفاهمات تُجنّب المنطقة كل هذا الدمار، بل وتقطع الطريق على أية إمكانية لحرب محتملة ؟؟ وقودها شعوب المنطقة من عرب وإيرانيين وأكراد وربما أتراك وغيرهم
-5-
وبعد، فإنّ اجتماع وزراء الخارجية العرب الست الذي سيعقد غدا في البحر الميت مطالب أن يرسم رؤيا، يذهب بها العرب معاً الى إجتماع وارسو بحيث تحمل هذه الرؤيا ما يمثّل مصلحة العرب عبر النقاط التالية …
لابد أن يكون هناك موقفاً واضحاً من الاجراءات الإسرائيلية العدائية، وأن نسعى الى أن يتبنّى إجتماع وارسو خطة السلام العربية و التي تمّ إقرارها في بيروت على خلفية مبادرة الملك عبدالله السعودي، بقيام الدولة الفلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس ، وانسحاب اسرائيل الكامل ، وإنهاء الإستيطان كمبدأ ، وتفكيك المستوطنات، المُدانة دولياً وإنسانياً.
أن يتبنّى العرب مبدأ التفاهم مع إيران على قاعدة الإحترام المتبادل للمصالح بين العرب والإيرانيين، شريطة أن تتوقف إيران عن التدخل في شؤوننا وقضايانا العربية، وأن يتم فتح علاقة تعاون وحسن جوار معها، وفي ذات السياق تفاهم مشابه مع الجارة تركيا
أن يتبنّى العرب مبدأ إنهاء حرب اليمن وإبرام المصالحة بين أطراف المعادلة اليمنية ، وقيام حكومة وحدة وطنية تحفظ وحدة أرض وشعب اليمن. فقد أثبتت حرب اليمن سيئة الذك،ر انّ لا سلام ولا أمن ولا رفاه إلا عبر مائدة الحوار كبديل لميادين المواجهة العسكرية
أن يتبنّى هذا الإجتماع دعوة سوريا لإشغال موقعها في الجامعة العربية، وأن تحمل الرؤيا العربية الى إجتماع وارسو أساساً لكيفية إحلال السلام في سوريا ، وإنهاء آخر فصول المواجهة العسكرية بها. وحفز السوريين على إدارة أمورهم بما يتفقون عليه. وفي ذات السياق التعامل مع الملف الليبي. الذي أعتقد أنه بحاجة الى تدخل عربي نزيه ، خالي الشهوة بين الأطراف المتنازعه ، ليحل السلام ، ونضمن وحدة ليبيا أرضاً وشعباً …
أن يتبنّى اجتماع خطة إعمار طموحة في بلداننا التي أبتليت بكارثة الدمار والموت وأن تقدم دولنا العربية الغنية مساهمات مادية كبيرة وملموسة في برنامج الاعمار المذكور
******
وبعد ، …
وإنّ أي مساق آخر لهذا الإجتماع في وارسو أو إجتماع العرب في البحر الميت، غير هذا المساق العام ، سوف يزيد من ويلات المنطقة ، وسوف يطيل أمد الحروب القائمة، بل وسوف يتفتّق عنه مدايات عسكرية حربية جديدة، سوف تجلب المزيد من الموت والدمار والتخلف.
وأنّ لثقتنا بحكمة القادة العرب، وعلى رأسهم الملك عبدالله الثاني وسمو أمير الكويت والرئيس السيسي والرئيس لحوّد، أن يتم دفع الأمور نحو السلام بين شعوب المنطقة، بل وسلام داخل البلد الواحد …
والله والعروبة من وراء القصد ،،،
وزير اردني سابق