اليمن: احتكار الاجواء لم يعد سعوديا.. خروج جديد للحوثيين من جرف سلمان.. ومحاولة توريط عُمان

ثلاثاء, 01/15/2019 - 22:38

منى صفوان

احتكرت السعودية الاجواء في حربها على اليمن، غير ان المعادلة كانت قد تغيرت منذ اشهر، بدخول الحوثيين الى ساحة المعركة الجوية، واحداث نقلة مختلفة لهذا الصراع، فهناك جزر تتحرك من مواقعها، جراء الخضات الكبرى التي تشهدها المنطقة خلال السنوات الاخيرة.

4 سنوات كانت كافية لتقدم جماعة الحوثيين مستوى نوعي من العمليات العسكرية ، وتضيف مفاجآت ساخنة لخصومها، وتتمكن من الاحتفاظ بعنصر المفاجاة.

 لقد قللت كل الاطراف من قدرة الحوثيين العسكرية “الدفاعية والهجومية” على حد سواء، وكذلك من خبرتهم وحضورهم السياسي، مقارنة بالاحزاب اليمنية، التي افنت تاريخها في مضمار السياسة.

هنا يتكىء السياسي الحوثي “حسين العزي” على مقولته الساخرة “ان كانت خبرتهم السياسية اوصلتهم الى فنادق الرياض، فيالها من خبرة سياسية فذة”.

لقد أراكم الحوثيون خبرتهم السياسية، خلال سنوات التفاوض المفتوحة بين الطرفين منذ مؤتمر الحوار2013، واهم ما يميز الخبرة السياسية هي القدرة على قراءة وتوقع خطوة الطرف الاخر، وماهية الضغوط التي يمكن ان يمارسها، او قد تمارس عليه، وسنرى ذلك جليا في السويد 2018.

كلا الطرفين ينجحان في المراوغة، ولايحققان تقدما في قدرتهما على اقناع الاخر، وفي النسخة الاخيرة من المشاورات في السويد، التي حضرها الامين العام للامم المتحدة، كان خالد اليماني وزير الخارجية- رئيس وفد حكومة هادي، قد اعلن انهم لن يقبلوا الا بانسحاب كامل للحوثيين من ميناء الحديدة، ظهر اليماني غاضبا عشية الذهاب الى السويد، وبعد ايام كان يصافح رئيس وفد الحوثيين بحرارة فماذا حدث؟

 الاتفاق الذي ابرم لم يكن كما اراد اليماني، وفي تلك الغرف الدافئة تبين للحوثيين “وفد صنعاء” ان ضغوطا دولية تمارس على حكومة هادي، وبالاصح على السعودية، التي بدروها ضغطت على وفد حكومة هادي

وفد صنعاء اخرج خبرته التراكمية، واستغل الفرصة، ويبدو ان هذا هو سبب استرخاء الحوثيين فيما يخص تفسير الاتفاق، وعدم التدقيق في التفاصيل، على خلاف عادتهم، فالامر لايحتاج الى ذكاء لمعرفة ان الرأي الدولي كان ذاهب لعدم تسليم الميناء لحكومة هادي، فكان الحوثيون على ثقة من ان حكومة هادي وخلفها السعودية- الامارات لن تتسلم ميناء الحديدة، لهذا تم التوافق السريع على اتفاق سيحتاج بعد ذلك الكثير من التفسير والتوضيح والوقت لينفذ.

كانت محاولات الاتفاق اليمني تسير في مسار مواز لتموجات ازمة صامتة بين عمان والسعودية ومعها الامارات، بدأت ملامحها تظهر قبل اشهر في الحدود اليمنية- السعودية. حيث تغلي الامور هناك وتكاد تخرج عن السيطرة، ولا يشملها اي مشروع تفاوض.

وقبل ان يظهر رئيس وفد الحوثيين غاضبا بعد 3 اسابيع من اتفاق السويد ليعلن ان المراقب الاممي لايقوم بدوره، كان الامين العام قد اتهم الحوثيين بالمماطلة، وعدم فتح المجال لدخول المزيد من المراقبين الى الحديدة – البحر الاحمر.

 محمد عبد السلام الناطق الرسمي للحوثيين، قال باقتضاب ان جماعته لن تقبل بتفسيرات المراقب الاممي لنص الاتفاق، وذهب الى تهديد مبطن للامم المتحدة بان فريقه لن يناقش المزيد مما تود الامم المتحدة طرحه، ان لم يتدخل المبعوث الدولي لايقاف عبث المراقب الدولي في الحديدة، كل هذا قيل في تغريدة قصيرة، لجماعة رات ان العالم جاد بانهاء حرب الحديدة.

 ان لدينا جماعة تضع قدمها على الارض، بمعنى الواقعية، وايضا تضع يدها على الارض بمعنى القوة، وفعلا تعلمت كيف تمارس الضغوط.

 في المقابل تنتظر حكومة هادي ان تمارس مهامها في الميناء الاهم، برغم انها لم تقم بهذه المهمة في الموانئ التي لا تقع تحت سيطرة الحوثيين، نجزم انها متشوقة للممارسة سلطة مفقودة، اننا نتحدث على 90% من منافذ وموانئ اليمن تقع تحت سيطرة الامارات والسعودية، ولم يتحرر عن سيطرتها الا ميناء الحديدة.

ان ما يحدث في الحديدة مريب، فمجلس الامن يستعد لاصدار قرار لفرض المزيد من المراقبين الدوليين، بكامل اجهزتهم، هذا الحضور الدولي الجديد على اليمن، سيكون بابا جديدا للنزاع، حيث سنسمع قريبا اتهامات للجانب الاممي بالتحيز، او بانه قوات محتلة.

الميناء الاخير

هل فعلا تخلت السعودية عن اطماعها القديمة في جنوب البحر الاحمر، لترحب بسيطرة قوة دولية تخرج الميناء من الصراع.

ان السعودية تدرك ان بوابة البحر الاحمر التي تسيطر عليها اليمن ودول القرن الافريقي، تتحكم بحركة الملاحة الدولية، وموقع اليمن اهم من موقع السعودية، التي تفتقد اطلالة الموقع الاستراتيجي، وتبقى السعودية من الدول المتأثرة وليست المؤثرة، وهو مالا يناسب وطموحها الساعي للسيطرة.

طموح قديم منذ نشوء الدولة السعودية، في منتصف القرن الماضي، حيث سعى الملك السعودي للسيطرة على ساحل تهامة، وكانت اول الحروب للاستيلاء على ميناء الحديدة في ثلاثينات القرن الماضي 1934

وقتها تصدت القوات اليمنية، وكانت الحرب مستعرة بين وريثي الحكم التركي في المنطقة المملكة المتوكيلة اليمنية ،والمملكة السعودية، استقوت السعودية بمساعدة بريطانيا، على المملكة الوليدة في اليمن بقيادة الامام يحي ، ولكنها لم تستطع ان تتغلب عليها، فبقي اليمن مسيطرا على ساحل تهامة وميناء الحديدة برغم تدخل القوات البريطاينة لصالح السعودية ، وانسحبت السعودية من الحديدة، بتوقيع اتفاقية الطائف.

اتفاق السويد 2018 يعيد الصراع الى مساحته الحقيقة، بين الدولتين الجارتين بقرار بريطاني،

فلم نبتعد كفاية مذاك التاريخ، لتبرد الاطماع السعودية، التي تعود لتشتعل كلما شعرت ان اليمن في حالة ضعف، الحرب الحقيقة هي حرب سعودية – يمنية، اما الصراع الداخلي منذ 6 عقود فهو تفاصيل الصراع التاريخي بين الجارين.

توريط عمان

ما يحدث لليمن، حريق يمتد ليحرق المنطقة برمتها، ولحد الان لم تشعر السعودية بحرارة النيران تحتها.

 لكن لان الجزر المنفصلة تتحرك، وتحالفات اخرى بدأت تتشكل، وقوى جديدة تصعد، فنحن مقبلين على تغير المعادلة على الارض، وليس فقط في الاجواء، كما حدث بادخال الحوثيين لسلاح جو جديد.

هذه الحرب بدأت باتهامات بدعم ايران للحوثيين، وتتوجها باتهامات لسلطنة عمان بتهريب الاسلحة لهم مع كل مفاجاة عسكرية للحوثيين، حيث تقدم السعودية ذات العرض السيء والخفة السياسية في التعامل مع جار ثقيل الوزن اقليميا، ومنافس حقيقي في مواقع صنع القرار الدولي.

لم يصل الامر للاتهام الرسمي، لكن الصراع الخفي لم يعد كذلك، لكن غير المخفي ان السعودية توسع من دائرة خصومها في المنطقة، فبرغم الحياد الايجابي العماني الا ان السعودية ترفض ان تبقي عمان على خط الحياد، وسوف تقوم باستفزازها، عن طريق العبث بامنها وعمقها في اليمن، لترغم عمان على مواجهة محتملة.

تنفق السعودية اموالا طائلة لشراء الولاءات، وجعلت حدودها مع اليمن ملتهبة لاول مرة في تاريخها، ولكنها لم تسطتع ان تخمد نار التمرد ضدها او الحد من سيطرة المناوئين لها ولتواجدها في اليمن، ولاول مرة تعلن حركات مسلحة في الشمال والجنوب قيام الكفاح المسلح والسلمي ضد التواجد السعودي في اليمن.

اننا امام حرب شاملة، لابد ان تجمع كل من تهددهم السعودية والامارات في حلف واحد، فهل تقف عمان مكتوفة الايدي، وهي ترى السعودية والامارات يحرقون المنطقة، في حين تجهز السلطنة مع الصين لواحد من اهم الخطط والطرق الاقتصادية في العالم “طريق الحرير” الذي عليه ان يمر باليمن ايضا

 مصالح العالم اليوم تتقاطع في واحدة من المناطق التي تعبث بها السعودية والامارات، ولم يعد المجتمع الدولي يقبل المزيد من العبث، بعد تفاقم الحالة الانسانية اولا، وبعد بدء تهديد الاقتصاديات الكبرى ثانيا.

 وهذا ما يفسر ظهور حركة الحوثيين “انصار الله” مساوية لحكومة هادي المعترف بها دوليا، ففي السويد تم الاعتراف رسميا بانصار الله كقوة حقيقة، وكسلطة موازية في اليمن، وقريبا تبرز كاهم قوة في المنطقة، يمكنها التحالف راسا مع اهم واقوى دول المنطقة في خريطة جزر التحالفات السياسية.

التصينع العسكري

الارض لمن يحميها، قانون عسكري بسيط، لن يمكن السعودية من السيطرة على ما تبقى من منطقة باب المندب، بعد احتلال جزيرة ميون وساحل وميناء المخا

السعودية تدرك انها امام خصم عنيد يكبر كل يوم، وهي تشكو من قدرة الحوثيين على تسليح انفسهم رغم الحصار، وهي التي تحتل المرتبة الثالثة بعد الصين وامريكا وقبل روسيا في التسلح، ولم تعد تثق باحد على الارض سوى الامارات.

“الامارات” التي تقع على ساحل عمان ماهرة باستغلال الوضع، واصبحت تصبو للسيطرة على الموانئ المطلة على البحر الاحمر، وتمثل مع السعودية ثنائي الطموح الخليجي النهم، ومرحلة تطور ممالك النفط، وحضارة الطفرة، والتي تنتهي بتهديد استقرار المنطقة والعالم.

في هذا السياق فكل الخيارات مطروحة، والسعودية هي التي تحدد اي خيار تريد، الطرف الاخر جاهز، جاهزون للمفاوضات، جاهزون للحرب، وجاهزون للمفاجات، مفاجات في البر، والجو، وقريبا مفاجات في البحر

جماعة انصار الله الحوثية اعلنت عن طائرتها المسيرة قبل عامين، لكن الهجوم على قاعدة العند الجوية بدى مفاجئا للتحالف السعوديـ ففي فبرير 2017 اعلن الحوثيون رسميا عن تصنيع هذا النوع من الطائرات، بحضور رئيس المجلس السياسي الراحل صالح الصماد.

لكن كما جرت العادة، كانت ردة الفعل حول هذا الخبر تتسم بالاستهزاء والسخرية، وعدم اخذ الامر على محمل الجد، معرض الطائرات الذي اعلنت عنه وحدة التصنيع في وزارة الدفاع، عرض النماذج الاولية من هذه الطائرات، التي تقوم باعمال قتالية واستطلاعية واعمال مسح وتقييم وانذار مبكر، واليوم يعلن الحوثيون انهم قادرين على تصنيع طائرة مسيرة يوميا.

جرف سلمان

ففي مرحلة ما من الحرب يخرج الحوثيون مجددا من “جرف سلمان ” الجبل الذي قتل فيه قائد الجماعة حسين الحوثي في صعده، غاضبين بوجه السعودية، ان الطريقة البشعة التي قتل فيها الحوثي كانت منعطفا جديدا في تاريخ الحركة الحوثية، وحولتها من حركة فكرية تدافع عن نفسها، الى حركة مسلحة تثار لنفسها، ومن ثم اصبحت حركة تجمع تحالفا قبليا- سياسيا يواجه السعودية منذ 2015

ان ملازم ودروس حسين الحوثي كونت الاطار النظري- الفكري للجماعة، التي تبلورت حولها كفكرة اولا، ثم اصبحت مشروعا سياسيا، يحظى بهذا الحضور، وهو حضور يتنامى منذ سبتمر 2004 تاريخ مقتل القائد مرورا بسبتمر 2014 تاريخ سيطرتها على العاصمة، ومنها بدات مرحلة جديدة. مرحلة تبدو فيها الحركة اكثر قوة، واكثر رعبا بالنسبة للخصم الرئيس “السعودية”

وهنا يجوز السؤاال ماالذي كان سيحدث ان لم يتم قتل حسين الحوثي في سبتمر 2004 هل كان سيسيطر الحوثيون على صنعاء في سبتمر 2014

يفخر الحوثيون بارثهم الفكري (ملازم حسين) باعتبارها مرجعا فكريا يتحدث عن التعايش والتسامح وعدم نبذ الاخر، اراد حسين الحوثي نشر فكر الحركة عن طريق المخيمات الصيفة والمعاهد العلمية وطباعة الملازم وتحويلها الى حركة فكرية ، فهل اضطرت الجماعة لحمل السلاح والخروج من صعده وطرد طلاب دماج وبعدها مواصلة المسيرة باتجاه عمران وصنعاء ولم تتوقف الا في المحافظات الجنوبية

 ليصبح تواجدها مفروضا بقوة السلاح، هل هي حركة مسلحة ام حركة فكرية، ام انها حركة فكرية تحولت الى حركة مسلحة، ويمكنها البقاء في دائرة الحركة الفكرية حالما يتم ايقاف الحرب، وماذا عن رصيدها القتالي وتصنيعها العسكرية بعد ان شعرت بقوتها.

 السلاح لن يهزمه السلاح، لكن الفكرة تهزم الفكرة، لذا فان قوة الحركة الحوثية الحقيقة في فكرتها، وليس في اسلحتها التي تود السعودية نزعها او تدميرها.

 لقد امكن للحركة كسر الحاجز بينها وبين السعودية ، والتصنيع العسكري يحسب حاليا على الحوثيين، لكنه على المدى الطويل اصبح في رصيدا اليمن، اليمن القوي يتشكل فعليا ويؤسس لتحالفات جديدة.

ولان المعرفة على قدر الحاجة وليس على قدر الثقة، فلم يكشف الحوثيين كل مقدرتهم القتالية حتى للمقربين منهم، لكنهم عادة يعدون بمفاجات، وهذا جزء من تكتيهم الحربي، وحتى فيما يتم كشفه، فانهم ايضا يفاجئون اصدقائهم قبل خصوهمهم كما قال “عبد الباري عطوان”.

القوة النووية السعودية

لقد استنفذ التحالف السعودي بنك اهدافه مبكرا ، ضرب كل ما طالته يده من منشات وشخصيات مدنية وعسكرية، في حين ان قائمة اهداف الحوثيين لم تبدا بعد، واشترت السعودية احدث الاسلحة في العالم وجربت اسلحة جديدة في اليمن منها المحرم دوليا، لكن طموحها العسكري لم يتحقق بعد

 السعودية مازالت تتحدث عن انشاء قوة نووية لتواجه به الطموح الايراني النووي، وهنا نسال في حال امتلاك السعودية لسلاح نووي فمن هو المتضرر من هذه القفزة السعودية ؟

 سيكون اليمن وعمان اول الدول التي تشعر بالخطر السعودي القادم ، ان لم يتم ايقاف سياسية التهور التي تعبث باستقرار المنطقة

 يقول الكاتب الامريكي “فريد زكريا ” انه لايمكن للسعودية امتلاك وتشغيل سلاح نووي لانه لاتوجد لديها الخبرات، فالتعليم في السعودية متخلف، كما ان عدد غير السعوديين اكثر من عدد السعوديين، وانه لامقارنه بين الحضور النووي الايراني، لانه بدا منذ الستنيات، في حين تحتاج السعودية الى عقود وسنوات لتلحق بايران، التي تعتمد على خبرات ايرانية وليست اجنبية

ويرجح زكريا ان يكون الحل هو بدعم وتمويل مشروع نووي كما في باكستان، وقبلها العراق ولكن هذا الاختيار الذي يطرحه فريد زكريا احبط بانهيار العراق، وكما شاهدنا تغير علاقة السعودية بباكستان، بعد ذهاب نواز شريف، واخيرا خروجها من التحالف السعودي ووقوفها ضد حرب اليمن.

 اذا يبقى للسعودية الخيار الاخير وهو التعاون والتحالف مع نظام نووي اخر مناوئ ومعادي لايران، وهنا نجد ان زكريا يقصد بالتاكيد التعاون مع اسرائيل والبرنامج النووي الاسرائيلي. المرحلة القادمة هي مرحلة التحالفات الاوضح.. للجميع.

كاتبة يمنية

الفيديو

تابعونا على الفيس