بلة لحبيب ابريكة
كشف مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتن في معرض حديثه خلال كلمة ألقاها بمركز الأبحاث”هيريتج فاونديشن ” يوم 13 ديسمبر الجاري حول إستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية تجاه إفريقيا عن تبنيها نهجا جديدا قائما على ثلاثة محاور. المحور الأول يقوم على تطوير العلاقات التجارية والاقتصادية عبر قارة إفريقيا بما يخدم المصالح الأمريكية والدول الإفريقية معا. ثانيا، محاربة تهديدات الإسلام المتطرف والنزاعات المسلحة. ثالثا، استخدام أموال دافعي الضرائب الأمريكي بشكل فعال ومجدي فما يتعلق ببعثات حفظ السلام التي وصفها بولتن ” بغير الناجحة، وغير المسؤولة و غير الفعالة”.
السياسة الأمريكية الجديدة تجاه القارة الإفريقية تبررها ضرورات أخرى، تتمثل في الانكماش المتزايد للدور الفرنسي التقليدي والتنافس الأمريكي الصيني _الروسي على مناطق النفوذ والسيطرة. فالاستثمارات الضخمة التي قامت بها الصين في القارة السمراء، وتوسع نفوذها التجاري و الاقتصادي، بات يشكل قلق كبير لدى الولايات المتحدة الأمريكية.
ملامح الإستراتيجية الجديدة بدأت تظهر بعد تولي جون بولتن منصب مستشار الأمن القومي، خاصة فما يتعلق بمراجعة السياسة الأمريكية تجاه بعض بعثات حفظ السلام، وعلى رأسها بعثة المينورسو في الصحراء الغربية التي تصل كلفتها المالية حوالي 53 مليون دولار سنويا. مارست إدارة ترامب في ابريل الفارط تأثيرا كبيرا من خلال مجلس الأمن لتقليص صلاحية البعثة إلى ستة أشهر عوض سنة، و اشترطت تجديد ولايتها بحصول “تقدم جوهري وحقيقي” في قضية الصحراء الغربية.وحذرت المنسقة السياسية للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة امي تاكو حينها انه” إذا لم يحصل تقدم، سيتحتم علينا حينها مراجعة عملنا ومسؤولياتنا أتناء التجديد للبعثة مرة أخري”.
وفي أكتوبر الماضي، وبعد مضي ستة أشهر على البعثة، مددت صلاحيتها ستة أشهر إضافية،على الرغم من الجهود الحثيثة التي بذلها المغرب، ومن ورائه فرنسا والأمين العام للأمم المتحدة في التمديد لها سنة كاملة. ولدى تبني القرار 2440 في شهر أكتوبر الماضي ، صرح نائب مندوب الولايات المتحدة لدى مجلس الأمن جونثان كوهين” انه انتهي زمن التلاعب بقضية الصحراء الغربية” وأضاف أن التجديد للبعثة لن يتم بشكل تلقائي، إذ سيبقى مرتبط بالتقدم الحاصل على ارض الواقع.
ترتب عن هذه الضغوطات ، لقاء الطاولة المستديرة الذي جمع طرفي النزاع جبهة البوليساريو والمغرب، إضافة إلى البلدين المجاورين الجزائر و موريتانيا في جنيف ، سويسرة، يومي 4 و 5ديسمبر ،وذلك بعد ستة سنوات من الجمود. ومن المتوقع أن تستأنف المباحثات في النصف الأول من السنة القادمة.
أمريكا… مؤسسات واشخاص
يبدو ان عاملين أساسيين ابرزا إلى الواجهة بشكل ملحوظ قضية الصحراء الغربية لدى الإدارة الأمريكية الحالية. الأول، هو تولي جون بولتن منصب مستشار الأمن القومي الذي له درايه واسعة بملف الصحراء الغربية من خلال مشاركته سابقا في صياغة مهمة المينورسو،أو بوجوده في فريق جيمس بيكر وتعامله مع الملف كمندوب لبلاده لدى الأمم المتحدة.المعروف ان بولتن يمتلك حاليا زمام الأمور كراعي الأمن القومي للولايات المتحدة ومصالحها الخارجية، ويحظى بدعم دونالد ترامب الذي ليست لديه خبرة واسعة بالشأن الخارجي. اللافت للانتباه، ان بولتن يسعى إلى تطبيق رؤيته للحل التي تولدت لديه لما كان مندوب لبلاده في الأمم المتحدة وعارضها آنذاك ابراهام اليوت نائب مستشار الأمن القومي المكلف بشؤون إفريقيا، والتي تقوم على أن الوسيلة الوحيدة للضغط على الإطراف نحو الحل تأتي من خلال إنهاء مهمة المينورسو. العامل الثاني، هو سياسة ترامب الجديدة القائمة على إنفاق أموال دافع الضرائب الأمريكي على الهيئات الدولية و بعثات حفظ السلام بشكل فعال يخدم مصالح الولايات المتحدة الأمريكية.
الخيارات المتاحة
رسالة بولتن من مركز الأبحاث بواشنطنديسي كانت واضحة، وهي القطيعة مع الجمود والمنورات. ولا يخفى على بولتون أن أطراف النزاع تتفاوض منذ ما يقارب عقدين من الزمن، مما يدل على أن رؤية الحل متوفرة، ولا تحتاج إلى مباحثات مطولة، وإنما الذهاب إلى الجوهر. ويمكن القول أن الكرة الآن في مرمى الأطراف قبل عقد الجولة القادمة من المباحثات للنظر في الحلول التي يمكنهم أن يقدموا عليها للتوصل إلى تسوية، و إذا لم يحصل تقدم ملموس، فمن المحتمل ان تغادرالبعثة الأممية لتنظيم الاستفتاء في الصحراء الغربية الإقليم ، وهو ما يفتح الباب على كل الاحتمالات بما في ذلك الحرب.
العودة إلى الحرب تعني ان المنطقة جميعها، بلا استثناء، ستتوجه إلى عدم الاستقرار. فبمجرد استحضار المشهد الليبي والسوري التي تتشابك فيه الجماعات الإسلامية المتطرفة، و نزوح ملايين اللاجئين، إضافة إلى انهيار مؤسسات الدولة، يتبين ان الحرب لا تخدم أي مصلحة .
لكن يمكن للأطراف لتجنبها أن يكونوا مبدعين في صناعة السلام، و التوصل إلى تسوية تؤدي إلى فتح أفاق جديدة في المنطقة تخدم شعوبها. هناك شبه إجماع على ان حل قضية الصحراء الغربية هو مفتاح كل القضايا العالقة في المنطقة، سواء من ناحية إحياء اتحاد المغرب العربي وتحقيق التكامل والاندماج الإقليمي، او تعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي والأمني بين دول المنطقة.
عدم التوصل إلى حل مستدام ،و احتمال مغادرة البعثة الأممية للاستفتاء في الصحراء الغربية، قد يدفع من جهة أخرى إلى فرض حل لا يرضي، على الأرجح، أيا من الطرفين.
ملامح المرحلة القادمة
بولتن حدد بعض ملامح المرحلة المقبلة في ما يتعلق بالحل عندما قال ” كل ما كنا نطمح إليه هو إجراء استفتاء ل 70 ألف صحراوي”. كما لمح إلى نقطة أخرى مهمة عندما أشار إلى ان المبعوث الشخصي الحالي لديه “أفكار خلاقة”، وهو يقصد ان المبعوث لديه رؤية في اتجاه الحل. وهذا يعني ان هورست كولر وجون بولتن تبادلا و يتبادلان بعض الأفكار صوب المرحلة القادمة، إذا ما لم يتفق الإطراف على تسوية بينهما.
ثمة عدة مؤشرات ان ظهرت من الجانب المغربي قد تدفع باتجاه الحل. أولا، طرح قضية الصحراء الغربية في إطارها الدولي كقضية تصفية استعمار و القبول بالحلول المترتبة عن ذلك، أو الانخراط مع جبهة البوليساريو في مفاوضات جدية لتحديد الوضع النهائي للإقليم في إطار يخدم مصالح الطرفين و يعزز مستقبليهما. ثانيا، حدوث تقارب جزائري مغربي صريح يقوم على تسوية كافة الملفات العالقة بشكل حاسم، و تقديم ضمانات تخدم مصالح بعضهما البعض.
في المقابل، ثمة مؤشرات سلبية إن برزت قد تبعد عن الحل. إتباع المغرب سياسة تأزم الوضع من خلال زعزعة الاستقرار و الأمن الداخلي لبلده ليظهر انه لا يتحمل الضغط الدولي و غير مستعد لتسويات كبرى، أو إعلان الملك محمد السادس عن تنازله عن العرش لابنه مبررا ذلك بحالة مرضية شديدة لخلق جو يجعل فرض حل او الضغط على المغرب من اجل التسوية لا يتسم بالحكمة من وجهة نظر الغرب. كما انه قد يسلك نهج المناورة و التظاهر بالحل حتى انقضاء عهدة الإدارة الأمريكية الحالية و الرهان على عدم التجديد لها في الانتخابات القادمة.
أما من ناحية جبهة البوليساريو فيتعين عليها الانفتاح على كافة الحلول الممكنة مما من شانه يضمن مصالح شعب الصحراء الغربية ، ويلبي بعض احتياجات المغرب.
كل المؤشرات الراهنة تذهب باتجاه التوصل إلى حل ، غير ان طبيعته تبقي مجهولة، و مرهونة بمدى تعاون الطرفين .ما هو واضح ان الإدارة الأمريكية مهتمة لإيجاد حل لنزاع الصحراء الغربية وإذا ما تمت مواصلة الضغوطات، فمن المؤكد القول أن القضية الصحراوية تسير في اتجاه الحل .
كاتب صحفي، جامعة مينونايت الشرقية، فرجينيا