د. عادل محمد العذري
ان معرفة الواقع اليمني، ومحاولة تجاوز العقبات التي تعيق الوصول لاستكمال بناء المشروع الوطني، مشروع الدولة المدنية بطيفها المتعدد السياسي ودور الشعب والقوة الفاعلة في تحريكه باعتبارهما صاحبي المصلحة الحقيقية للتغير في النهاية. فقضية الشعب اليمنى اليوم تمثل قضية مصيرية، ينبغي على كل فرد من أفراد الشعب ان يتعلق بها ويشتركون إزاءها بالإحساس المشترك الواحد مهما تنوعت المشارب الفكرية والسياسية والدينية حولها. لمحاولة تحرير وفهم الأسباب المؤدية إلى بلوغ ذلك المشروع، والوقوف عن الأخطاء التي تعترض بلوغ ذلك الهدف. هُناك مجموعة من القضايا التي تعمل على إعادة تشكيل الوعي السياسي الجمعي لبلوغه منها:
قضية-1: إذا كانت القوة التي تحارب الاستبداد السياسي للطيف الواحد والطغيان الاجتماعي إزاء قضايا الحرية والكرامة، ومبدئ سيادة القانون والعدالة الاجتماعية في اليمن، هي قوة تحمل في ذاتها نفس القيم السابقة، فلن يتغير واقع جديد على الأرض، بقدر ما تتغير الوجوه، وتبقى جذور الإشكالية خاضعة للزمن والعوامل المؤثرة عليه ليضل الشعب يمارس دور الجمهور المتفرج للمشهد بدوره السلبي.
قضية-2: قدرة الكيانات السياسية الفاعلة والمختلفة الطيف ذات التوجهات الأيدلوجية -الدينية والقومية واليسارية وغيرها-مالم تعيد صياغة تركيبها وتوجها مع التغيرات الحادثة في العالم الخارجي والداخلي بما يتواكب مع ذلك المشروع، ليصبح عقيدة راسخة في إيمانها ومثل أخلاقية تسعى لتحقيقها على أرض الواقع، يجسد سلوكاً وعملاً في تعاملها مع الأطراف الأخرى والقضايا ذات الصلة بتحقيق المشروع. ما لم يحدث ذلك فهي تخسر الزمن، وتخسر نفسها وتضحية أفرادها، لترتهن بعد ذلك لقواعد الربح والخسارة، وقواعد اللعبة الداخلية والخارجية التي تعزز من وجودها وتمتد إليها ومن ثم تمارس الخداع والتسويف على نفسها، وعلى المنتمين اليها، وعلى بقية أفراد الشعب.
قضية-3: فلسفة الصراع وقلب المفاهيم. ماهي محاور الصراع؟ ثنائية السلطة والثروة، تلك سنة ليست بالفطرة السليمة
في واقعنا العربي والإسلامي عززها التاريخ المليء بسفك الدماء حتى واقعنا اليوم الذي نحياه. لم يحسمها القرآن بنص يذكر لحلها بشكل نهائي، مع أخر رسالة سماوية للبشرية عبر الرسول محمد صلى الله علية وسلم، لكنّها لم تظهر في وجوده لكونه يمثل السلطة الدينية والمدنية في حينها، معززاً بوحي السماء، وإيمان المجتمع العقائدي به، امتثالا لله عزّا وجل في تنفيذ المنهج والتكاليف. ممّا أدى إلى ظهورها مع وفاته مباشرتاً، وهو ما يبرر اجتماع الأنصار والمهاجرين في سقيفة بنى ساعدة لتحديد الخليفة من بعده. ليستدل انها مسالة تتعلق بالمجتمع ومن يحكمه متروكه للواقع الزماني والمكاني والمجتمع. تأسيس نظرية السلطة على النظرية الدينية في ثنائية الخلافة والولاية قاد لسلطة الاستبداد السياسي بلباس الدين، مع بعض الاستثناءات للسلطة الدينية الممثلة بالحاكم العادل في فترات التاريخ. قدمت الأمة المحمدية نماذج للصراع الدموي تقشعر منه الأرض التي روية بالدماء وتفطرت السماء حزناً على واقع الإنسان على الأرض. ذلك الواقع المرير عبر التاريخ ينعكس في كل الصراعات السياسية في الساحات العربية ومنها اليمن ويعمل على تأخير مشروع الدولة المدنية، وقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان. كادت اليمن ان تحقق نموذج فاعل على مستوي السلطة في العالم العربي في فترة الحوار الوطني، كتجربة وطنية يمكن ان تنموا وتتطور لتغدوا نموذج فاعل لبقية البلدان العربية لولا مروق البعض عنها، فخسر الواقع السياسي العربي عامة واليمن خاصة نوع من التجربة السياسية الخالدة في التاريخ الحديث. تلك التجربة كانت اشبه بتجربة السقيفة لو تم الوفاق عليها، وتأسست من خلالها دولة يمنية قادرة عل صنع واقع مغاير لما نحن عليه. ولكم ان تتخيلوا كيف كان حال الدولة الاسلامية في حالة عدم توافق أصحاب السقيفة من المهاجرين والانصار آنذاك، بوجود كيان للمهاجرين، وكيانين للأنصار يعتمد على فلسفة الصراع السابقة لهما، قبل ان يوحدهما الدين في مشروع واحد.
قضية-4: وحدة المشروع والسير به إلى الأمام لمن يؤمنون به من القوة السياسية عبر التطور الصاعد يجب أن ينبثق من صميم الواقع الطبيعي اليمني للقوة السياسية، واستلهام التجارب السابقة لهم لتجاوز عوامل النكسات السابقة في الواقع السياسي اليمني والذوبان في إطاره، لتوحيد الجهود المشتركة، مالم سيكون كمن يحمل مشروع ويقبض عل الهواء دون ألامساك به. بمعنى أخر، نريد أن يكون الالتزام بالواقع يعكس أثراً كي يكون وسيلة ناجحة لاقتلاع هذا الواقع نفسه واجتثاثه من جذوره.
قضية-5: مركز الثقل في المشروع. هناك عوامل متوفرة يمكن ان تلعب مركز الثقل، وتعكس واقع القائمين عليه بالأيمان بذلك النهج منها:
1) الوسائل الإعلامية وتوحيد النهج الإعلامي، وتعرية وفضح المعرقلين له. توحيد ينطلق من الأيمان بذلك المشروع و وتوضيح ملامحه وسبل تحقيقه، وليس توحيد من أجل عملية الصراع المرحلية التي يتطلبها واقع مفروض عليه لتجاوزه ومن ثم تحقيق مقاصد مختلفة بعد ذلك.
2) العجز المادي ورأس المال الوطني، يجب إسهام رأس المال الوطني في المشروع باعتبار نافذة المستقبل الاقتصادي، ويتم فتح آلية تحقيقه من خلال المساهمة الفاعلة في خلقه ووجوده، في إطار موحد للعمل، ويمكن عندئذ التخلص من عملية التبعية الخارجية المقدمة للمساعدات والتي لن تخلو من مساومات قد لا تخدم قضية الشعب اليمنى بل يزيد من ارتهان أصحاب المشروع وخلق التوازنات المختلة التي تعمل على عرقلة تقدم المشروع، وتطويل امده الزمنى، فيدب اليأس في نفوس المؤمنين به، ويتلاشى من عقيدتهم. ومن ثم يتم ارتهان لمشاريع يفرضها الواقع على الجميع.
3) طليعة أفراد المجتمع من مثقفيه ومفكريه وتوحيدهم في بوتقة واحدة للعمل في تحقيق المشروع ودعمهم على الأرض، وتوفير المكان المناسب، ليقوموا بدورهم حتى يتغلغلوا في المجتمع ويعملون على نشررسالتهم للمشروع في القاعدة الشعبية صاحبت المصلحة الحقيقية في التغير.
4) القبيلة هي مضلة اجتماعية في الجسد اليمنى، وشيوخ القبائل هم المحركين لها ودورهم في المشروع يكون إيجابيا من خلال التواصل معهم، وحشدهم وعقد لقاء موسع للوقوف بجانب المشروع وما يترتب عليه من توحيد الجهود.
وتبصيرهم بالواقع الجديد الذي يخلق لهم فرص إيجابية، وأبعاد التوجه السلبي بان التغير يتعارض مع مصالحهم ونفوذهم.