سعد ناجي جواد
اختتمت قمة العشرين أعمالها اليوم في بوينس إيرز الارجنتينية بحضور اغلب قادة العالم. والمؤتمر الذين حرصت القوى الاقتصادية العالمية على عقده، وعقد لقاءات عديدة على مستوى الوزراء في الفترة التي تقع بين عقد قممه، يعتبر اكبر تجمع لقادة اقتصاديات العالم، صناعيا وزراعيا وتجاريا. ولقد ازدادت أهمية هذا الموتمر بعد الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالاقتصاد العالمي في عام 2008، والتي نتج عنها انهيار للاسواق المالية العالمية، ثم ما تلاه من اضطراب مراكز انتاج الغذاء العالمي واضطراب أسعاره، وكذلك الامر مع أسعار النفط المحرك الأساسي للصناعة والزراعة في العالم، الى غير ذلك من المشاكل الاقتصادية التي تهدد دول العالم. كما يحرص الموتمر واجتماعاته الثانوية على معالجة مشاكل عالمية اخرى مثل اعلاء مشاركة المرأة والشباب في الحياة العامة عالميا، وكذلك تحسين ظروف العمل والعمالة والتغير المناخي ومسألة نوع جنس البشر او المنظور الجنساني للبشر والذي يعرف بالجندر (gender)، وهو موضوع ازدادت أهميته في الغرب كثيرا، وبدات الاهتمام به ينتقل الى العالم الثالث والوطن العربي. المهم ان هذه النشاطات والاهتمامات التي تصب اغلبها في مفاهيم اقتصادية هي الدافع الأساسي لهذا التجمع العالمي. ولكن الموتمر الأخير طغت عليه وسبقت انعقاده، مواضيع سياسية غطت على المواضيع الاقتصادية. فمثلا برزت قضية مشكلة احتجاز روسيا لسفن حربية أوكرانية، والتي أدت الى توتر بين الولايات المتحدة و روسيا، مما حدا بالرئيس ترامب الى التغريد بانه لن يلتقي الرئيس بوتين على هامش الموتمر، وكان رد الرئاسة الروسية اكثر هدوءا ودلالة عندما قالت ان إلغاء اللقاء سيمنح الرئيس بوتين وقتا اكثر لإجراء لقاءات مفيدة اخرى مع قادة العالم. كما طغت مسالة إلغاء الاتفاق النووي مع ايران وإعادة فرض العقوبات والحصار عليها على اجواء الموتمر، خاصة وان العقوبات الامريكية بدأت تؤثر على جانبين مهمين من الاقتصاد العالمي، الاول هو تعاقدات الشركات الغربية الكبرى مع ايران، التي بدأت تتراجع خوفا من فرض عقوبات وغرامات عليها، يصاحبه حرمان الشركات من العمل في الولايات المتحدة الامريكية، والتأثير الخطير التالي هو على أسعار النفط العالمي اذا ما شملت العقوبات حظر شامل على تصدير النفط الايراني. المسالة السياسية الاخرى التي خيمت على اجواء الموتمر هي مشاركة ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان فيه بعد الضجة الكبيرة التي اثيرت حوله ومطالبة اغلب دول العالم الكبرى له بالكشف عن ملابسات اغتيال الصحفي جمال خاشوقجي و تبرئة نفسه من تهمة إصدار القرار، الامر الذي حدا بالسيد ترامب الى الإعلان بانه لن يلتقي ولي العهد على هامش الموتمر، في حين أعلن قادة اخرين انهم سيثيروا جريمة خاشوقجي معه ويطالبونه بكشف كل تفاصيلها.
من ناحية اخرى تحدث من نظم هذا الموتمر ووضع جدول أعماله ان التركيز سيتم فيه، بالاضافة الى ما ذكر أعلاه، على قضايا تأخذ بعين الاعتبار التنامي الاقتصادي الكبير للصين والهند ودوّل جنوب شرقي اسيا وقضايا التنمية في افريقيا وغيرها من القضايا التي تهم الأمن والاستقرار والتنمية في العالم. والملفت للنظر ان اي ذكر للوطن العربي او القضايا العربية التي يؤدي إغفالها الى استمرار الأزمات العالمية والإقليمية، مثل القضية الفلسطينية، وبدرجة اقل التدخلات الخارجية التي قلبت وحولت المنطقة العربية الى ساحة دموية بامتياز يرتع فيها الاٍرهاب، لم يرد لا على جدول اعمال المؤتمر ولا على لسان المشاركين فيه. وان كان هناك من يقول ان هذه المواضيع هي بعيدة عن اهتمامات المؤتمرين، فبالتأكيد ان مسالة النفط و أسعاره هي ليست كذلك، واذا ما علمنا ان الدول العربية المصدرة للنفط هي التي تزود اهم القوى الاقتصادية الكبرى باحتياجاتها من هذه السلعة الحيوية، مثل الصين والهند واليابان ودول جنوب شرق اسيا والدول الأوربية، فكان من الاجدر بمنظمي هذا الموتمر ان يدعو من يمثل هذه الأقطار لكي تحضره. ليس فقط ان هذا الامر لم يحدث لا بل ان الدول المصدِرة للنفط وجهت لها إهانة معنوية كبيرة عندما تحدث السيد ترامب، وأيده اخرون، عن ضرورة اتخاذ الإجراءات لخفض أسعار النفط الى اقل من خمسين دولارا و ربما اقل من ذلك ايضا. كل هذا يحدث و لا يوجد اي دور عربي حتى في مناقشة هذه الامر الاقتصادي بامتياز. لا بل ان الحديث عن هذه المسالة أخذ طابع ان على الدول المنتجة للنفط، وخاصة العربية منها، ان تلتزم بما يتوافق عليه الكبار، وان تُغرِق السوق النفطية حتى تسد اي نقص ناتج عن اي حرمان مستقبلي لايران من تصدير هذه المادة، وان تستمر في فعل ذلك حتى يصل سعر البرميل الى الحد الذي تقبل به الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين. وهذا الامر اصبح مسالة طبيعية للانظمة العربية التي رضت بتدمير واحتلال العراق وتدمير ليبيا ولا زالت تسعى لفعل نفس الشيء مع سوريا وفِي اليمن، وجَرَّت السلطة الفلسطينية الى تفاهمات مذلة اوصلتها الى نهاية مأساوية وهي اما ان ترضى ب (صفعة القرن) وتعطي الخد الاخر، او ان هذا الحل سيفرض عليها وبمباركة أنظمة عربية اخرى. لقد قيل الكثير عن خروج العرب عن مسار التاريخ الحديث، و ربما يكون هذا الموتمر وما يجري في كواليسه نموذجا او دليلا اخر على ذلك، والفضل كل الفضل يعود للانظمة العربية التي ما زالت تلهث وراء التطبيع مع اسرائيل وبأوامر أمريكية، وبالحركات السياسية التي قادت بطائفيتها ودكتاتوريتها وخضوعها للأوامر الخارجية عن مصالح الأمة العربية لهذا المنحدر الخطير. ان التركة التي تتركها هذه الأنظمة للاجيال القادمة تزداد ثقلا و خطورة ويمكن ان تقضي على امال اجيال قادمة، ولكن ما يبعث القليل من الاطمئنان في النفس ان الأمة العربية قد مرت بظروف وكوارث و احتلالات اصعب واستطاعت في العديد من الحالات ان تنهض من جديد على يد ابناءها، وان يبدأ ذلك قريبا وبخطوة أولى تتمثل في افشال صفقة القرن وانهاء احتلال اسرائيل للأراضي الفلسطينية. و عسى ان يكون لنا في قول الله تعالى الى رسوله الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم)، ما يمكن ان يبعث الأمل في النفوس، (واصبر وما صبرك الا بالله ولا تكن في ضيق مما يمكرون ان الله مع الذين اتقوا والذي هم محسنون).
اكاديمي وكاتب عراقي