صباح علي الشاهر
يقولون وهم يرون ما حولهم من فضائح السياسين أن السياسة بلا أخلاق ومباديء ، لكنهم لا يقولون أن السياسين من حولهم بلا أخلاق ومباديء. لا يقولون فيمن العيب ، وعند من الخطأ . لا أحد بمقدورة العيش من دون سياسة ، السياسة قدر الإنسان طالما هو يعيش في مجتمع ، وحتى لو إنغلق وأسرته في عالم منعزل عن كل شيء ، فإنه سيكون مضطراً لتسويس أمر أسرته، ولمزاولة السياسة من أجل أن يمضي ركب هذه الأسرة المنغلقة المنعزلة عن كل شيء .
ويقولون لا صداقة دائمة في السياسة ولا عداوة دائمة .
دعونا نتفحص هذا القول ، لنأخذ مثلاً أن ثمة من يريد سلب بيتك ، ولا نقل بلدك، وهو يعاديك طالما أنت لا تسلمه بيتك ، وأنت تعاديه طالما إنت ترفض تسليمه بيتك ، هل تبقى عداوته لك إذا تنازلت له عن بيتك ، إذا منحته الحق في التحكم بالدار والتصرف بها ، وأن تصبح مستأجراً مثلاً ؟
ألم يقولوا أن السياسة مصالح، وهي كذلك فعلاً ، وأن الصداقات والعداوات تتغير تبع تغير المصالح ، وهذا صحيح أيضا.
الذي يريد سلبك دارك لا يعاديك لذاتك ، وإنما يعاديك لأنك تحول بينه وبين تحقيق رغبته ، أي تحقيق مصالحه، فإذا تنازلت له عن حقك ، أي عن مصالحك ، لم تعد عدوا له ، وربما ستصبح صديقاً ، وأجيراً وعاملاً له في دارك .
إذن سقطت المباديء في هذه الحالة ، فالمبدأ أن تدافع عن بيتك ، لكنك لضعفك ، أو حماية لأسرتك ، أو لأي إعتبارات أخرى ، تنازلت عن المباديء فضحيت بدارك ، ومنحتها لمغتصب . إلى هنا أنت شخص متنازل عن المباديء ، مجبراً أو مضطراً ، جباناً رعديداً ، أم حكيماً حصيفاً .
تظل الأخلاق التي قد لا تفارقك حتى وأنت متنازل عن المبدأ ، الأخلاق هنا تتعلق بموقفك من مغتصب دارك ، هل ستتحول إلى مُبرر ومُسوغ لمحتل دارك ، أم رافضاً له ، حتى ولو في قرارة نفسك ، وهنا بالضبط ، سيتحدد إن كنت جباناً رعديداً ، أم مجبراً حكيماً، أكنت بلا مباديء أم بلا أخلاق ومباديء .
نعم لا عداوت دائمة ولا صداقات دائمة في السياسة ، ولكن مع تغيير الحال ، وتحول أحد الطرفين إلى خانة أخرى ، هي خانة المستسلم للأقوى ، وليس لصاحب الحق ، أو إذا تم التوصل لموقف وسط يحفظ مصالح الطرفين ، ومصالح أي طرف هنا ستتحدد بمدى قوته ، وقدرة الطرف الآخر على المناورة .
مازل الشعار الناصري ( نصادق من يصادقنا ونعادي من يعادينا ) صائب ، ولعله يختصر ببساطة متناهية حال السياسة والسياسين ، وهي البديل المبدئي والأخلاقي للقول الهزيل ” لا صداقات دائمة ولا عداوات دائمة”، ذلك أن ثمة مصالح ، توصف بالوطنية هي التي تحدد الصديق والعدو، وفي تحققها وصيانتها ، يمكن أن يتحول العدو إلى لا عدو، وصولاً إلى مراحلة التعاون المشترك على تحيقق المصالح المشتركة فيما بعد .
إذا إستثنينا الساسة الفاسدين ، فعن أي مصالح يعمل ساسة العالم ؟ إنهم يعملون لمصلحة وطن ، وأبناء هذا الوطن ، قد ترتبط هذه المصلحة بمصلحة فئات معينة من الشعب ، أو طبقات محدده ، لكنها على العموم ستنحصر في مصلحة هذا الوطن ، تماماً مثلما تنحصر مصلحة أي شركة بالنسبة لمديرها الحريص ، حتى ولو ذهب نتاج جهده وعمله وإدارته الجيده لمجموعة من الأشخاص ، يمثلون مثلاً مجلس إدارة الشركة . المهم هنا أن مصلحة الشركة تنبثق من داخلها ، تماما مثلما تنبثق مصالح الأوطان والمواطنين من داخل الوطن . إنبثاق مصالح الأوطان من داخلها هو الذي يحدد إن كانت هذه المصالح مصالح حقيقية للأوطان ، أي مصالح وطنية حقاً ، أم مصالح وهمية ، مفبركة ، لغايات أخرى لا علاقة حقيقية للأوطان بها .
****
في السياسة أخلاق ومباديء ، وإلا لتم مساواة الحسين بيزيد، وعمر بقاتله أبو لؤلؤة .. قد لا يفلح صاحب الأخلاق والمباديء في منازلة ما مع عديمها ، ولكن الأخلاق والمباديء سوف لن تموت بموت صاحبها ، و حاملها ، والمدافع عنها ، مثلما لا يفقد الثوري ثوريته لأنه لم ينتصر في منازلة ، فسبارتكوس ثائر رغم أنه لم ينتصر في نهاية المطاف، وجيفارا ثائر رغم أنه إنهزم أمام أعدائه المرتزقة .
ستكون قيمة أي عالم بلا قيم ومباديء وأخلاق ، ليس أكثر من “عفطة عنز” كما قال الأمام علي .
الصراع في جوهرة وإن إرتدى لبوسات مختلفة يجري بين أن تكون لنا قيم وأخلاق ، أم نعيش في عالم خال منها ، أي خال من العدالة والحرية والمساواة ، وكل القيم النبيلة ، هل نسعى لفضاء أنساني رحب ، أم لسيادة قيم التوحش .
ذات يوم قال رجل ما ، يقال أنه عراقي ، وهو يرى بغداد تُحرق بقنابل المحتل :” كنت أسمع أعذب سموفونية” ، وقال آخر وهو عراقي مع الأسف : ” لا يمكن أن يكون الجندي العراقي نذلاً بحيث يرفع بندقيته بوجه محرره” ، محرره هو المحتل الأمريكي ، واليوم يزعم آخر أن الأنذال يرفعون راية الوطنية ، فهل هذه بداية لتتويج الخونة واللاوطنين بتاج السمو ؟
إذا كانت الوطنية نذالة ، فهل العمالة شرف ؟!
كاتب عراقي