أ. د. احمد القطامين
كان ابو الطيب المتنبي ابرز شعراء العربية بلا منازع فلم يكن شاعرا فحسب بل كان الشعر لديه اداة لنقل الفلسفة والفكر التي اشتهرا بهما. كان تماشيا مع طقوس عصرة يمدح زعماء الدول بملحميات تاريخية نادرة ويهجو البعض الاخر بذات الالية الشعرية المبدعة. دفعه خلافة الشخصي الحاد مع سيف الدولة الحمداني الى مغادرة حلب عاصمة تلك الدولة هائما على وجهه في بلاد الشام الى ان تلقى دعوة من حاكم مصر كافور فتوجه الى هناك ليصبح تحت حماية كافور حاكم مصر والذي كان يعاني من وجه قبيح للغاية وتناقض في قدراته القيادية مع المنصب الذي يشغله. عندها شعر المتنبي بصعوبة الحالة فكيف للمتنبي الشاعر الذائع الصيت والمعتز بنفسه وقدراته الى اقصى درجات الاعتزاز ان يمدح حاكما بهذه المواصفات، فلجأ الى اسلوب المدح الهجائي الحذر خشية ان يفسر البعض لكافور مغزى الرسائل التي تتضمنها قصائد المتنبي في مدح كافور.
فمثلا قال المتنبي مادحا في المظهر وساخرا في المضمون مخاطبا كافور:
وما طرَبي لمَّا رأيتُكَ بِدعة لقد كُنتُ أرجو أنْ أراكَ فأطرب
فهو يخاطب كافوراً: ليس طربي لما رأيتك بدعة، ولكن كنت قبل أن أراك أتمنى أن أراك لأطرب.. وهذا اسلوب ساخر جدا عندما يخاطب حاكم دولة بهذه الطريقة.
في ايامنا هذه يبدو ان الرئيس الامريكي ترامب يقوم باستخدام نفس طريقة المتنبي في المدح الهجائي مع الفرق طبعا بين المتنبي وترامب حيث لا مجال للمقارنة بين شاعر مفكر وفيلسوف وبين تاجر اصبح صدفة رئيسا لاقوى دولة في العالم.
فقد اشارترامب قبل ايام في معرض دفاعه عن موقفه من قضية قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، بانه يقف هذه الموقف دفاعا عن اسرائيل فبدون السعودية ستكون اسرائيل في ورطة كبيرة! واضاف مخاطبا الامريكين شعبا ومؤسسات هلى ترغبون بزوال اسرائيل ونقلها بعيدا عن تلك المنطقة ؟ وهو يقصد هنا انه اذا قمنا باي عمل يضعف السعودية فان ذلك سيشكل تهديدا وجوديا لاسرائيل.
طبعا لا احد يعلم بالضبط دوافع الرئيس ترامب من تصريحات خطيرة جدا كهذا التصريح، فالرجل كان يخاطب جهات داخلية في بلده وخاصة اللوبيات الصهيونية لاستنهاضها وتحفيزها للدفاع عنه وسط حملة ضارية تقودها الدولة العميقة وتهدف الى اخراج ترامب من البيت الابيض والاطاحة به دستوريا لكونه شخص لا يصلح لقيادة قوة استراتيجية عظمى بحجم الولايات المتحدة الامريكية. فالدولة العميقة في امريكا تحتوى مجموعة من المؤسسات القوية جدا كوكالة المخابرات المركزية والكونغرس والاعلام، وهي مؤسسات تمتلك قوة لا تضاهيها قوة اخرى في بلاد العم سام.
طبعا، من وجهة نظر ترامب كتاجر فهذا الكلام عن دور السعودية فيما يتعلق باسرائيل يعتبر مديحا يشير الى قوة السعودية واهمية دورها في المنطقة من وجهة نظر المصالح الامريكية، ولكنه يالمقابل يعتبر هجاء خطيرا وتشهيرا مدمرا في العالم العربي والاسلامي لان الواقع يقول ان قوة السعودية الحقيقية تنبع من دورها العربي والاسلامي بصفتها تتوافر على ارضها اهم مكانين مقدسين لاكثر من مليار ونصف مليار مسلم هما الحرمين الشريفين في مكة والمدينة.
ولكن البعض يعتقد ان ترامب تعمد ان يمدح بقصد الهجاء كما كان يفعل المتنبي بكافور حيث انه معروف عن ترامب كراهيته المطلقة للعرب والمسلمين سواء كانوا سعوديين او من اي بلد عربي اومسلم اخر. لكن بالمقابل من اين لشخص بالمستوى الذهني لترامب ان يكتسب مهارة المدح بقصد الهجاء كما فعل المتنبي ؟؟
اسئلة ستجيب عنها المرحلة القادمة بالتأكيد..