فؤاد البطاينة
كان عمل حكامنا في السابق يقتضي أن يكون ويتم في الظلمة من واقع ارتباطهم بمصالحهم وبأجندات أجنبية. وأمام ثورة تكنولوجيا الإعلام والعولمة وصعوبة السيطرة على بث واستلام المعلومة، وتطور مرحلة المشروع الصهيوني، فقد اضطروا للعمل المكشوف، فأصبحوا أمام تحدي الإعلام الذي يصعب السيطرة. ولا حل وسط عندهم بين خيار أن يكون الإعلام سلاحا لهم أو سلاحا عليهم. ومن الطبيعي أن يختاروه سلاحا لهم بالمال وبإرهاب القانون الفاسد. وللمفارقة فإن هجمة الأنظمة على شعوبها تتعمق ولا تبقي نافذة إلا وتغلقها ما عدا نافذة الإعلام فقد فتحتها نارا عليها
فبعد أن كانت الأنظمة تمتلك محطات تلفاز رسمية وصحيفة أو اثنتين وتحتكرها لخدمتها وتسويق نهجها، فقد دخلت سوق الفضائيات وأسست من تمتلك منها المال محطات عابرة للقارات وذات نفقات باهضة كالجزير والعربية، وأسس بعض هذه الأنظمة محطات أقل قدرة وانتشارا. أما المحطات الفضائية التجارية العائدة للأفراد أو الشركات فقد أحكمت الأنظمة قبضتها عليها بأنظمة وقوانين وأصبح معظمها جزءا من آلتها الإعلامية. ودخلت أيضا سوق الصحف الألكترونية للأفراد وفرضت عليها نفس السياسة لذات الغاية.
فمع بزوغ سعير العولمة في الإعلام واتجاه المواطن العربي للوقوف على ما يجري عنده وعند غيره سارعت أنظمتنا الواحدة تلو الأخرى في تقليد زائف وملغم في انشاء مثل تلك الفضائيات التي اعتقدناها قفزة إعلامية ترفع من سوية المواطن العربي وكمنبر للرأي والرأي الأخر وتؤلف بين قلوب العرب وتجمعهم على كلمة سواء وتحمل قضيتنا وعدالتها للعالم. ولكنها سنة بعد أخرى جرُّتنا لمشاهدة وسماع العدو الصهيوني في داخل بيوتنا وهو يسوق احتلاله ويبرر مجازره وينفث سمومه في محاولة من هذه الفضائيات لصنع التطبيع بين شعوب العرب وعدوهم الصهيوني والذي فشلت بتحقيقه الأنظمه، واستمرت هذالمحطات تدس السموم بالأعسال إلى أن انكشفت وانتهت اللعبة بحكم أحكامها.
وعادت هذه الفضائيات لحضن حقيقتها لا تتكلم إلا باسم أصحابها وسياساتهم. فبرنامج الجزيرة “الاتجاه المعاكس ” على سبيل المثال الذي كان قد شد العرب كلهم، مضى عليه سبع سنوات بحلقة واحده هي سوريا وتعظيم ثورتها التدميرية.ونحن نتابعها اليوم منذ شهر وهي مكرسة تماما لقضية الخاشقجي استخداما لحربها المستجدة مع السعودية. وعادت العربية التي اسماها الشعب العربي ” العبرية ” بحق، في خدمة النظام السعودي الملتقي مع العدو الصهيوني في تدمير كل بلد عربي أو إسلامي. وتحجمت كذلك بقية الفضائيات العربية العابرة للدول وربما القارات لتخدم نفسها أو منشئيها. وللمفارقة المحيره جاءت فضائية “المملكه “: الأردنية متأخرة في الوقت الضائع والخاطئ على حساب خزينة الدولة المنهكة لتؤكد أنها جاءت من رحم الفساد.
نحن اليوم في الدول العربية أصبحنا أمام مشهد إعلامي يعمل باتجاه واحد،ونقيضا لغاياته. تمتلك فيه الأنظمه وسائط الإعلام الأكبر وتسيطر أو توجه الأخرى من تلك المملوكة لمواطنين. ولم تكتف هذه الأنظمه في هذا المشهد باحتكار الحقيقة وقمع الرأي الأخر وتقييد حريته في النشر والتعبير داخل حدود القطر، بل استخدمت الإعلام ووسائطه استخداما مزدوجا. فاستطاعت من ناحية تسخيره لبث الأكاذيب وتبرير الخيانة وتسويق الأعداء ومشاريعهم والتطبيع معهم، ومن ناحية ثانية باتت تستخدمه لملاحقة أصحاب الرأي الأخر والمعارضين وتشويه صورتهم والتحريض عليهم وتجريمهم. وهي في هذا تخلط الحابل بالنابل وتستهدف كل نسمة خير وصدق وتجعل من بلداننا ومجتمعاتنا مستنبتات للشياطين والفساد بكل أشكاله.
وعليها الإنتباه، فهي عندما تسخر وتستخدم أو تشتري أشخاصا عاديين يعبثون بوسائط الإعلام من منازلهم لتشويه صورة ومضمون أصحاب الرأي الأخر والقدوات الشعبية والشخصيات الوطنية، إلى جانب صحفيين وإعلامين في مؤسسات هم ليسوا أكثر من سحيجة، فإنها تكون قد اختطت سياسة هي أقرب الى سياسة التدمير الشامل للمجتمع التي سترتد على الأنظمة نفسها ومجمل الدولة. فدولة كالأردن على سبيل المثال تعيش فوضى إعلامية هدامة من صنع المسئولين، تطال الجميع والأمن المجتمعي على مذبح استهداف أصحاب الرأي الأخر، يؤكد الحاجة الى قرار صادق بوضع قانون لحماية أصحاب الرأي الأخر بالأساس وليس لملاحقتهم.
إن المواقع والصحف الألكترونية والورقية بالمئات في الاردن إلا أن حكمة المسئولين لا تسمح لأعلى هذه الصحف سقفا أن تتسع لمقال فيه وضوح من صاحب رأي أخر. والأنكى من ذلك أن لكل صحيفة سياستين يحكمان النشر فيها هما، سياسة الدولة كخط أحمر وسياسة الناشر نفسه. وحتى ينشر مقالك يجب أن لا يكون مخالفا لأي من السياستين ولا تكفي واحده. نترك هنا الناشر المخالف لقواعد المهنة وشأنه عندما يَعتبر الصحيفة منبرا خاصا له في مخالفة صريحة للحق العام والدستور الذي يضمن النشر إذا لم يكن في المادة إساءة للمعتقدات أو إساءات شخصية أو نعرات من أي نوع. وأخاطب الفطاحل والحكماء جدا من مسئولي الدولة وأقول،
تعلمون بهزالة وتخلف وعدم مصداقية وعزلة وسائط إعلامكم على اختلافها، وتعلمون باستحالة احتكاركم النشر أو منع المواطن من القراءة لما يريد بأي مكان كان، وبأن الأردنيين لا يقرأون المقالات في صحفكم فقد سئموا التسحيج، ولا الأخبار التي تنشر في صحفكم ولا يتذكرون التلفزيون الأردني الا عند استلام فاتورة الكهرباء، فدلوني عن الحكمة من سياستكم الإعلامية الفاشله والحكمة من تطفيش أصحاب الرأي الأخر وملاحقتهم، ومن ذا الذي يمتلك حق خرق الدستور ومنع أردني من نشر رأيه من داخل بلده. نحن نفتخر ونتشرف بالكتابة بكل صحيفة عربية حرة مغتربة ونحترم قوانين دول الإغتراب التي لا نجدها في دولنا.
وللتوضيح، فإني أكتب في هذه المرة لأجهزة الدول وأزلام الحكام الذين يأخذون دور “الملكيين أكثر من الملك ” فيسيئون إليه ويعظمون الضرر في أكثر الحقول حساسية. ولعل في هذا دعم للشعوب التي أصبح لا يمثلها سوى الرأي الأخر. فحكام عرب تتقبل نفوسهم أن يعترفوا بمن يحتل فلسطين والقدس ويصادقونه أو يطبعون معه هم بالعرف العالمي خون ولهم حدودهم فلا نستجديهم الحرية. نحن كشعب مربط الفرس فيما يجري بنا ولأوطاننا ولا ينقصنا إلا أن نكون ملتزمين مع ضمائرنا ومن يلتزم بضميره يلتزم التحري عن الحقيقة ويعمل وفقها.
كاتب وباحث عربي