نادية عصام حرحش
كان موضوع التطبيع العربي مع إسرائيل أمر مفروغ منه حتى وقت قريب. فكنا نستطيع التفرقة بين الموقف الرسمي العربي والموقف الشعبي العربي. ولم يكن ليؤثر بنا كثيرا هذا التفاوت بين الموقفين. فنحن الشعوب العربية في حالة انفصال حقيقي بين ما تدبره الحكومات وتقوم به وبين ما نفكر به ونؤمن بأحقيته.
ولكن على ما يبدو ان الهوة ما بين الحكومات العربية وشعوبها بدأت بدرء الصدع عندما بدأت المناورات الحقيقية في كشف التطبيع العربي مع إسرائيل على الملأ. ولن يكون شأنا ذي أهمية اقل، القول، أن موقف السعودية من تطبيع لا يحتاج الى مشاورات ولا تحضيرات، فبين ليلة وضحاها كشف المستور. تبقى أهمية السعودية في هذا الصدد بأهمية مكة للشعوب العربية. فبينما تمنع السعودية المقدسيين من حملة الجوازات الأردنية المؤقتة بالدخول الى السعودية، تسمح للفلسطينيين الحاملين للجنسية الإسرائيلية بالدخول الى أراضيها. فيبقى موضوع الحج في وجدان المسلمين اهم من أي موقف سياسي وأقوى من أي مبدأ. فالمؤمنون يريدون الحج الى بيت الله الحرام.
في وضع اعتيادي وطبيعي، سيقول المؤمن، ان بيت الله ليس مفتوحا في بلاد يظلم حراسها ويفتك في بقاع الأراضي المسلمة وينشر الفساد والنزاع ويستبيح الدماء. قد تكون السعودية في كل ما اقترفته من ذنوب بحق الشعوب المسلمة اشد بكثير من ذنبها في التطبيع مع إسرائيل. ومع هذا اكتفى المؤمنون بفصل السعودية بأعمالها القبيحة عن بيت الله.
في مجتمعات مؤمنة بحق، وعند شعوب تعرف وجهتها الى الله بوجهتها نحو رفع الظلم، يكون الحج الى اليمن، لتلقن السعودية درسا في معاني الإنسانية أولا وقيمة الحج بوجهته الى الله ثانية.
ولكن، عندما يعترض الفلسطيني على عدم مقدرته على الحجيج بسبب منع السعودية له، نفهم لما تستمر السعودية في تعنتها واجرامها.
في النهاية نحن نتحدث عن دولة، قام ولي امرها بتقطيع جثة مواطن بأبشع ما يمكن للتاريخ الحديث رصده بداخل قنصلية بدولة ذات سيادة، والعالم يقف متفرجا.
الجرائم التي ترتكب على اليمن من حرب تكلف الغالي والرخيص من موارد بشرية وطبيعية، يقف العالم متفرجا.
ما اقترفته السعودية في أفغانستان من قبائح، وما عاثته فسادا ببؤر ارهابها في العراق وسوريا وانحاء العالم الإسلامي كافة، يجعل من تطبيعها مع إسرائيل هو الأكثر إنسانية في تاريخها.
ولكن هنا، تخرج المشكلة الى ما هو ابعد من السعودية في تأثيرها، وهو بكونها مركزية لمن هو مسلم، وبالتالي مركزية أموال بترولها بالنسبة للدول الأخرى. فهرولة دول الجوار من دول النفط الى التطبيع مع إسرائيل، يجعلهم في نفس المعضلة من الخيانة، فكبيرهم السعودية وولي امرهم.
قد نكون وصلنا الى نهاية اللغز العربي، وقد تكون هذه النهاية بداية لوعي جديد، إذا ما وعيت الشعوب الحرة، بأن مقاطعة السعودية بالحجيج اليها حتى يتم تنظيف بيت الله من المدنسين له هي الواجبة.
ولا اعرف ان كان التطبيع مع إسرائيل كارثة للفلسطينيين ام هو بداية لتغيير حقيقي في وعي الشعوب العربية التي تتمنى التطبيع مع حكوماتها. لأنه من المستحيل فهم قباحة إسرائيل بدون الدخول الى الأراضي التي احتلتها بفعل المؤامرة العربية.
بقدر استغرابي من النهم العربي للتطبيع مع إسرائيل، بقدر ما يدغدغ سيناريو التطبيع شق شرير بداخلي.
لن يفهم قباحة الاحتلال الا العيش به. ولا يرى فظاعة الحياة التي يعيشها الفلسطيني تحت الاحتلال الا من يجعل مطار بن غوريون معبرا لاستجمامه.
النوم في سرير المغتصب يبدو هاجسا لعربان الخليج. وقد يكون الامر صعب الفهم للإنسان الطبيعي، ولكننا نسمع ونرى فظاعات في تلك المجتمعات التي لا يردعها دين ولا اخلاق، فما من شك ان إسرائيل قد تكون مرتعا لهم.
وفي يوم لن يكون بعيدا عن زفة التطبيع، سيلدغ المطبع من سموم شعب صنع لنفسه وجودا على أجساد شعب اخر.
شعب تقوم قائمته على أراضي ليست له، وتضخ الحياة فيه من دم ضحايا سقت الأرض فداء لها.
قد يمر على فلسطين وأهلها قيادات تستمر بالهوان، وقد يستمر التخاذل العربي والتآمر بكونه عنوان ما يشكل خريطة المنطقة، فلقد عشنا بلفور، وسايكس بيكو، ووايزمن فيصل وكامب ديفيد واوسلو وها نحن نعيش اتفاقية القرن …
سواء كان التطبيع خيانة او ولاء ….. فالنهاية واحدة….
فلسطين ستبقى فلسطين، وإسرائيل ستبقى كيانا بكتيريا هجينا سيؤدي استمراره الى التوغل في قلب الخريطة العربية. وما عاشته فلسطين، يصر هؤلاء عيشه….
فلإسرائيل حلم أكبر من فلسطين ….
لن يتعظ الحكام لأنهم جزء من المؤامرة…ولكن…الكلمة الأخيرة ستبقى دائما للشعوب.
كاتبة من القدس