د. أماني القرم
العلاقة بين الاقتصاد والسياسة أبدية طالما أن الانسان بحاجاته وأطماعه محور هذا الكون. وحين تنبش في الاسباب المباشرة أو الغير مباشرة لمعظم الحروب التي شنّها البشر، تجaد في طياتها هدفاً ساعياً لمزيد من الثروة أو لتحقيق فوائد اقتصادية. وعن سؤال أيهما يؤثر بالآخر السياسة أم الاقتصاد، فالإجابة ستقودك بعد بحث عميق إلى جدلية لا نهائية تشبه من جاء قبل: البيضة أم الدجاجة !! لكن المحصلة المؤكدة تقول أنه لا يمكن فهم السياسة بمعزل عن الاقتصاد ..
مع كل أزمة دولية أو علاقة تعاونية في عالمنا المعقد، يبرز العامل الاقتصادي بوضوح شديد، والأمثلة على ذلك كثيرة ومتشعبة: لماذا لا تستطيع الولايات المتحدة البعد عن الشرق الأوسط وتحرص/ كما تدعي / على استقراره رغم جميع النظريات التي تطالبها بالعودة الى شواطئها؟ أليس البترودولار الخليجي ومصالح المجمع الصناعي العسكري الأمريكي وصفقات الأسلحة بالمليارات هي السبب ! ألم يكن النفط دافع أساسي للحرب الأمريكية على العراق. أليس الفقر والبطالة هي السبب الرئيسي لثورات ما سمي بالربيع العربي! ألم تكن عقوبات اسرائيل على غزة اقتصادية في الأساس لخنقها وتطويعها، ألم تؤد الضائقة المالية لحماس ومثيلاتها في اتخاذ خيارات مختلفة عن مسارها التقليدي!
يقولون إذا كانت لديك فكرة بمليون دولار ولديّ أخرى لا تساوي بنساً فالقرار لصاحب المليون وليس لصاحب الفكرة! تعد أمريكا صاحبة الاقتصاد الأقوى في العالم، لأنها تمتلك أعلى ناتج محلي بقيمة 19 تريليون دولار ولأنها أكبر سوق استهلاكي عالمي أيضاً، وهذا الموقع المتقدم أعطى الرئيس الأمريكي مساحات واسعة للمناورة والقدرة على شن حروب تجارية مع الصين وأوروبا ، وفرض عقوبات اقتصادية على روسيا وتركيا ومؤخراًعلى إيران، ليس ذلك فحسب بل إجبار العالم بأسره على الخضوع لقراراته..
بدأ أول أمس تنفيذ العقوبات الاقتصادية الامريكية على إيران في مجالين يعدان عصب الاقتصاد الايراني المتهالك أصلاً: النفط والبنوك. واشنطن تريد أن تعصر طهران وتصل بها لمرحلة الصفر في تصدير النفط من أجل نفاذ كافة الخيارات أمامها، وإجبارها قسراً على الدخول في مفاوضات لتغيير صيغة الاتفاق النووي. المفارقة أن هذا الإتفاق لم يأت إلا بعد تراكم ضغط حملة عقوبات دولية مالية ونفطية قادتها الإدارة الأمريكية السابقة على طهران منذ العام 2012 مما أدى الى سقوط الاقتصاد الايراني للهاوية إثر تراجع صادرات النفط الى 40% وتهاوي العملة الايرانية وارتفاع نسبة التضخم إلى 20%. والحق أن تأثير هذه العقوبات كان ناجعاً في حمل الدولة الايرانية على الدخول في مفاوضات أنجزت الاتفاق السابق في يوليو 2015.
ولكن دونالد ترامب الملياردير ليس باراك أوباما الأكاديمي صاحب النظريات السياسية الذي جعل على رأس أجندته عقد صفقة نووية مع ايران، متجاوزاً كل المعوقات في سبيل تحقيق هذا الهدف بما فيها المراهنة على سجله السياسي وعلاقاته مع حلفائه في المنطقة اسرائيل والدول الخليجية العربية، فيما ترامب لا يؤمن إلا بالمال سيداً حين يتحدث فعلى السياسة الخضوع .. هل ستصمد إيران هذه المرة ؟؟