د. طارق ليساوي
تابع المغاربة و جزء واسع من الجزائريين خطاب العاهل المغربي في ذكرى المسيرة الخضراء، و أهم ما جاء في هذا الخطاب هو دعوة الجزائر للحوار و ضرورة إيجاد ألية للحوار المباشر، مع الإعتراف بأن العلاقة بين البلدين الجارين ليست طبيعة و لا ترقى إلى المستوى المطلوب، و نحن بدورنا نؤكد على أن هذا الوضع الشاذ لابد له من تسوية، و على المغرب و الجزائر تجاوز هذه الخلافات الشكلية، و السعي نحو تطبيع العلاقات بشكل كامل و تغليب جانب التعاون و التكامل بدلا من الخصام و التصادم، و إذا كان العاهل المغربي قد دعى إلى إيجاد ألية للحوار ، و بالمقابل تناسل ردود الفعل من داخل الجزائر و التي تشكك في هذه الدعوة و تحاول تأويلها.. فإننا ندعو كلا الطرفين الذين يعترفان بضرورة الحوار و التعاون، أن يتم الابتعاد عن الشكل و التركيز على الجوهر، وبنظرنا فإن الآلية موجودة منذ نحو ثلاث عقود و أعني إتحاد المغرب العربي الذي يعد المدخل الأساسي لتسوية أزمات الإقليم و خلق دورة تنمية إقليمية …
و كلامنا هذا لا ينطلق من أساس عاطفي، بل المؤشرات الكمية و النوعية، والتجارب الدولية، تؤكد فعالية التكتلات الإقليمية، ودورها في التنمية الإقتصادية، وايجاد مناطق أمنة وجاذبة للاستثمارات و للكفاءات..فتكتل المغرب العربي أو المغرب الكبير، هو حلم راود الرعيل الأول من رجال المقاومة و التحرير، فهذه البلدان وهي تحت الإحتلال الفرنسي، تشكلت نواة مقاومة شملت بلدان المغرب و الجزائر وتونس، فمعركة الاستقلال والتحرر كانت معركة مغاربية، توحدت فيها جهود المقاومين قادة و شعوبا، غير أن جيل الاستقلال سلك منهجا مغايرا، إذ تم تبني سياسات ذات نزعة وطنية ضيقة الأفق، بل شهدت حروبا و نزاعات حدودية بين المغرب و الجزائر وبلغ النزاع ذروته، ليصبح حربا ساخنة في فترة “حرب الرمال” و انتقل إلى حرب باردة أو بالوكالة بعد 1975، بفعل انفجار قضية الصحراء..
وطيلة الفترة من الاستقلال إلى 1989، شهدت بلدان الإقليم محاولات للوحدة، فكانت الوحدة بين ليبيا وتونس، و ليبيا و المغرب ، لكن هذه المبادرات كانت غير واقعية، وخاضعة للمزاج السياسي، لكن في 1989 بمدينة مراكش أعلن قادة خمس بلدان مغاربية:(المغرب+الجزائر+تونس+ليبيا+موريتانيا) عن ميلاد اتحاد المغرب العربي، غير أن هذه الخطوة ظلت حبرا على ورق و لم تعقبها خطوات فعلية في المجال السياسي و الاقتصادي …
ففشل اتحاد المغربي لم يكن نتاج لعدم فعالية الفكرة، وإنما لعدم وجود إرادة سياسية توافقية، تغلب منطق العام على الخاص، و الإقليمي علي الوطني، و الاقتصادي على السياسي، و التنموي على الأمني…لكن فكرة الوحدة المغاربية ناجحة و ذات جدوى من الناحية التقنية و السياسية و الأمنية،و من دلائل هذه الفعالية:
أولا _ الوحدة بين بلدان الاقليم ستفرز فضاء إقليمي له إمكانات بشرية في غاية الأهمية: فعلى المستوى البشري سوق استهلاكي يتجاوز 100 مليون نسمة، ورأسمال بشري متنوع من حيث الثقافة، ومن حيث الكفاءات البشرية ومن حيث الاحتياجات.
ثانيا_إقتصاديا ناتج قومي إجمالي يقترب من عتبة 300مليار دولار سنويا، وفي حالة الوحدة من المرجح ان تقترب لتريليون في ظرف أقل من عقد، كما سينتقل معدل النمو الاقتصادي في الإقليم لأزيد من 9 في المائة و لمدة عقد وأزيد ، شريطة توفر سياسات اقتصادية و إجراءات نقدية و مالية مواكبة…
ثالثا_جيواستراتيجا: تكتل مغاربي بسياسات و مواقف موحدة، يعني قدرة تفاوضية في غاية الأهمية و التأثير، لاسيما و أن الموقع يتيح خصائص جيواستراجية ناذرة، فالاتحاد يتواجد على واجهتين بحريتين،و ممر دولي حيوي للملاحة الدولية و للكابلات الدولية،وهو همزة وصل بين إفريقيا و أوروبا،و دوره في التأثير على السياسات الدولية في قضايا الهجرة و الجريمة العابرة للحدود ، سيكون جد مؤثر ويحقق لبلدان الإقليم مكاسب اقتصادية و سياسية يصعب الحصول عليها بشكل منفرد…
و إلى جانب هذه المزايا، الاتحاد هو خطوة سياسية كفيلة بتجنيب المنطقة النزاعات والثوثرات الحدودية، و كفيل بإيجاد تسوية شاملة للميول الإنفصالية سواء بداخل المغرب أو الجزائر او ليبيا،بفعل وجود خصوصية ثقافية أو إثنية..وهو حل عملي موضوعي لنزاع الصحراء..
فثمار الوحدة لها تأثير مباشر على المواطن، لأن التكتل سيخلق دورة حميدة على المستوى الاقتصادي و التنموي، فهناك تكامل اقتصادية بين البلدان الخمس، فاحتياجات الجزائر او ليبيا باعتبارهما بلدان نفطية، يمكن للاقتصاد المغربي او تونسي أن يغطيها والعكس صحيح، فالوحدة ستولد طلب على مستوى الاستهلاك الخاص أو العام، وسيتيح سيولة مالية بين بلدان الإقليم و هو الأمر الذي سيؤثر على الاستثمار ، ويحفز الإنتاج الصناعي و الزاعي و الخدمي…
من الصعب حصر المكاسب، فمكاسب الوحدة تفوق الخسائر المحتملة، وليس هناك خسارة و هدر تنموي، أكبر من الاستمرار في السياسات الوطنية و الإنكفائية. و المنفتحة على أروبا أكثر من انفتاحها على بلدان الجوار، فحجم التجارة البينية بين بلدان الإقليم لاترقى لمستوى مثيلاتها مع بلدان أروبا…
و على العموم، نتمنى صادقين أن يتم التفاعل الإيجابي مع دعوات الحوار و التعاون و الوحدة، لانريد وحدة فجائية أو شكلية، وإنما إجراءات تدرجية، تقوم على بناء الثقة، ونبذ الخلافات السياسية وترحيلها، أو تجاوزها بشكل مؤقت، وبدل ذلك يتم فتح الحدود خاصة بين المغرب و الجزائر، و تعزيز التجارة البينية و التكامل الاقتصادي، فالمصالح الإقتصادية محايدة و لا تخضع لمنطق الخلافات السياسية، لاسيما و أن ثمار الوحدة إقتصاديا جد مجدية…
ومن المؤكد، أن طريق الوحدة ليس بالسهل و المتاح، فالمتغيرات الدولية و الإقليمية، تفضل التعامل مع البلدان المغاربية بشكل منفرد،أما في حالة التكتل فذلك سيخلق موقف سياسي صلب، و له من أدوات الضغط و التأثير ما يجعله قادر على التعامل مع مختلف البلدان و القوى العظمى دون مركب نقص…
لكن تغليب المصالح الوطنية و الإقليمية، على الأحقاد و الخلافات الشخصية، كفيل بتحقيق حلم مغاربي يراود شعوب الإقليم، ولو تحقق ، لتغير وجه المنطقة و لأصبحت من أكثر مناطق العالم جذبا للإستثمار و للكفاءات…
فإهمال تكتل المغرب العربي فيه مجانبة للصواب، وابتعاد عن أقصر الطرق وأقلها تكلفة وأكثرها نفعا، فمصلحة الشعب المغربي وباقي الشعوب المغاربية تقتضي تفعيل هذا التكتل على اعتبار أن مثل هذه المبادرة السياسية فيها مصلحة ظاهرة لكل شعوب الإقليم، نظرا لتقارب المستوى التنموي بين الأطراف وأيضا في ذلك تأثير مباشر على استقرار المنطقة وتنميتها ..
نتمنى أن نشهد في القريب العاجل إحياءا لهذا المنتدى وتفعيل العمل المغاربي المشترك وتجاوز الخلافات البينية، ودعوتي هذه موجهة إلى كل الحكام المغاربة بدون استثناء فرغبة الشعوب في الوحدة لا زالت قائمة والقواسم المشترك أكثر من نقاط الخلاف، لكن ما ينقص هو الإرادة والجرأة السياسية لإزالة جدران الخلاف والشقاق وتغليب منطق التعاون والتضامن، فذلك بحق هو مستقبلنا المشترك و طوق النجاة لبلدان و شعوب الإقليم، وهو حلم ينبغي أن يكون جدول أعمالنا اليوم قبل الغد .. و الله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون..
إعلامي و أكاديمي متخصص في الاقتصاد الصيني و الشرق آسيوي..