الحسن مولاي علي
لو طُلب مني أن أشارك في الموضة القائمة الآن على قدم وساق، لإعادة تقييم قناة الجزيرة، لكان علي أن أسجل ما لا يحمدني عليه العديد من خلص أصدقائي المقربين، فضلا عن غيرهم من متابعي الصفحة من مختلف الاتجاهات والتيارات؛ ولكني في امتحات للحقيقة مثل هذه، لم أتعلم أن أوارب، بل تعلمت أن أستعين بالله، وأصدع برأي وموقف شخصي أصيل واضح غير مستنسخ؛ لا تأثير عليه لفكرٍ أو رأيٍ أو موقفٍ لأيٍ كان، دولة أو إنسانا؛ ملاكا أو شيطانا؛ أميرا أو خفيرا؛ موقف يمثل خلاصة متابعة بصيرة، وحضور صبور، ووعْي لا غش فيه لقضايا الأمة؛ في ماضيها وحاضرها والأمل المعلق على مستقبلها؛ موقف لن يكون بضاعة للبيع، أو وسيلة لنيل الحظوة والجوائز والإكراميات من أي كان؛
سأقول: إن قناة الجزيرة الفضائية القطرية،كانت يوم كانت أهم إنجاز حضاري استطاع العرب تحقيقه على أرض الواقع، منذ اجتياح هولاكو لبغداد (رمضان 655هـ /مارس 1257م) فقد مثلت قناة الجزيرة بصيص النور الذي طال انتظاره، لكشف عوامل وأسباب وتداعيات السقوط الحضاري المزلزل الذي أنهى الحكم العربي في كل المشرق، والذي ما يزال متواصلا؛
وعلى أضواء قناة الجزيرة الكاشفة، رد العرب أيديهم في أفواههم، لهول ما اكتشفوا من حقيقة ما عكفوا عليه، هم وآباؤهم عبر القرون، من أوهام، وأصنام، وأوثان؛ ليس أقلها ضررا ومقتا، الاستبداد والاستعباد والطغيان الذي نقل النظام من خلافة راشدة، إلى ملك عضوض؛
وكشفت القناة الستر عن زيف ودخل وخبل ودخن ودجل النظم الناتجة عن ما سمي زورا وبهتانا الثورة العربية، تلك التي قادها الجاسوس البريطاني لورانس؛ وما تولد عنها من فراغ سمح باغتصاب فلسطين السليبة، وما بني عليها، وعلى مساطر سايكس- بيكو، من أشباه دول، تولى المستعمر الغربي الكريه رسم حدودها، وتحديد أسمائها، وشكل نظمها، بل وأسماء ملوكها ورؤسائها، والمهمات المنوطة بهم؛
قناة الجزيرة هي من كشفت لنا زيف وفجاجة كل الخطط والبرامج والاسترتيجيات الجوفاء التي استخفنا بها الطغاة من قادة تلك الدول، من ملوك وأمراء وعساكر حاكمة، وشغلنا بها أمراء السوء وأجلاف العسكر الذين نزوا على السلطة في ديار العرب، دون استئذان أو مشورة، وحملونا بالحديد والنار والأكاذيب والمؤامرات، على عبادتهم، والتسبيح بحمدهم وشكرهم، والاعتراف بما يشبه الألوهية لهم؛ ثم أقاموا لنا الأبواق الدعائية الفجة التي أصمت الآذان من القاهرة ودمشق وبغداد وطرابلس وأم درمان، في محاولة للتغطية على الهزائم المتلاحقة لنظم الاستبداد والاستعباد تلك؛
قناة الجزيرة هي التي فتحت لأول مرة، نافذة لبصر العربي وسمعه، نحو ما يجري على امتداد الدويلات العربية الشخصية، من مؤامرات على مصالح الأمة وثوابتها، ومن عمالة لكل الأجانب المتربصين، بيعا وشراء، وخوفا وطمعا، وما كان يقترف من منكرات وفضائح وجرائم، كانت القنوات تسخر تسخيرا لتحويلها إلى محامد في قصائد تبالغ في كيل المديح لحاكم عتل زنيم، لا يستحق غير الشتائم؛
قناة الجزيرة هي التي فتحت أمام العربي، لأول مرة، التغطية المتوازنة والأقرب إلى المهنية لأحداث العالم، بعد أن كانت أخباره لا تصل إليه إلا من غربال صناع الأحداث ومؤلفي أخبارها من الدوائر الأجنبية، شرقيها وغربيها، المهيمنة على الإعلام العالمي.
تلك حقائق حدثت، وأحدثت دويا غير مسبوق بين الجمهور العربي في كل مكان، وبكل أنسجته التي كانت مشغولة طوال الوقت بالرقص على الجلبة الفاجرة والفارغة لقنوات التبجيل والتضليل وتدنيس المقدس، وتقديس المدنس، والتي كانت معارض دائمة يبيع فيها المتسلطون العرب وهمهم وجهلهم وتخلفهم، لشعوب بلدانهم المسحوقة المغلوبة.
نعم... تلك هي الجزيرة، فمن ذا الذي يملك قول "لا".؟ لكنها اليوم، ومن موقع المسئولية، وضمن هدفها الأصلي في الفرق بين الوعي والغش لدى المتلقي، ودون أن تترك مواقعها، أو تتنازل عن الخطوط العريضة لمهنيتها، أو تغش المتابع المتلقي، تخوض حربا ضروسا ظالمة فرضت عليها وعلى البلد الذي تولى شرف إنشائها ورعايتها والسهر عليها على بلغت رشدها... وإنما فرض الحصار على الدوحة وأهلها بسبب الجزيرة، وكفى بذلك فخرا.
صحيح أن قناة كالجزيرة عند ما تخوض حربا، فساء صباح المنذرين، فهي تتحول إلى سلاح فتاك، لتراكم مخزونها من المعلومات، وقدرتها الفائقة على النفاذ إلى مخابئ من تعودوا على إخفاء الحقائق، تعززها في ذلك مهنيتها ومصداقيتها التي لم تستطع كل أموال الرياض وأبي ظبي النيل أو الاقتراب منها. وكلما ضربت الجزيرة بعمق في هذه المعركة الناشبة بسببها ضد بلدها، تعالت أصوات يتامى الطغيان من ضحايا الفراعنة العرب، وحاولوا النيل من الجزيرة، كالوعول تنطح الصخر لتسّاقط قرونها، قرنا... فقرنا.
الجزيرة باقية.......والنور غالب