أمل الحارثي
كانت المرأة من أيّام الجاهليّة حديث الشعراء العرب، عنوان الغزل والعشق، امرؤ القيس وقف يبكي على أطلالها، وبشّار بن برد عشقها بأذنه قبل عينيه، أمّا عنترة فقد ذبحه نار الهوى وأتعبه الصبر ولم يقبل لومًا ولا عذلًا.
أمّا اليوم وبعد مئات السنين، وبعد كلّ ما ذُكر عن ظلم الجاهليّة للمرأة وإنقاذها من العبوديّة والوأد، وبعد آلاف الخطب والكتابات في تكريم المرأة وتبجيلها، لم تعُد المرأة حديث الشعراء كما كانت، بل أصبحت حديث كلِّ أفّاك جاهل، اليوم أضحت المرأة بطلة الشتائم بلا منازع، فالأُمّ والأخت والزوجة والابنة أصبحْنَ مرمًى لكلّ مَن يسعى لتسجيل الأهداف للنيل مِن الرجل والتقليل من شأنه، بل إنّ الاستخفاف بالمرأة وصل حدّ المزاح بالشتائم القبيحة، فأصبحت مستساغة مقبولة ومضحكة أحيانًا.
تُستخدم المرأة اليوم أداة لكسر الرجل وهدمه، أمّا المرأة نفسها فتدميرها لا يحتاج للكثير، إذ يكفي أنْ يختلف الرجل معها أو مع أفكارها، ليُطلق عليها وابلًا من الكلمات القبيحة التي تمسّ الشرف في بلاد تُقتل فيها المرأة إنْ هزّت شرفها نسمة، كلمة واحدة يُطلقها حتّى مَن يدّعي التديُّن على امرأة؛ لأنّها تُخالفه في أفكاره أو تلبس ما لا يعجبه، غير آبهٍ بأنّ وصفه القبيح يعتبر قذفًا لا يمكن غفرانه لا دينيًّا ولا أخلاقيًّا.
لقد تجاوز الأمر كلّ حدود الأدب، وبات من الضروريّ وضع حدّ لكلّ مَن يستهين بكرامة المرأة قولًا أو فعلًا، حتّى وإنْ لم تسنَّ القوانين الرادعة أو كان من الصعب تطبيقها، فقوانين الأدب يجب أنْ تفرضها المرأة فرضًا وعليها أن تنتزع احترامها انتزاعًا.
على المرأة ألّا تجاريَ الرجل في الهجوم الذكوريّ على امرأة أبدًا، وهذا لا يعني أنْ تقف مع المرأة دائمًا، ولكنْ أنْ يكون نقدها للمرأة نقدًا بنّاءً بعيدًا عن التحقير أو الإهانة، هذا ينطبق على نقد المرأة في المناصب، أو في الإعلام أو أيّ مجال قد تتعرّض المرأة فيه للتقييم، ومهما بلغ الخطأ الذي ارتكبَتْه المرأة فإنّ الهجوم يجب أنْ يبتعد عن الشخصنة، ويجب ألّا يتجاوز حدود التقصير في العمل، أمّا أنْ يُستغلّ الخطأ للهجوم على عرض المرأة أو شرفها أو حياتها الشخصيّة أو حتّى التشكيك بقدرات النساء جميعًا لشغل المناصب، فهذا ما يجب أنْ يتوقّف فورًا، والأمر ليس صعبًا إطلاقًا، كلّ ما يتوجّب عمله هو أنْ نتعامل معها كرجل، وأنْ نقيّمها على أدائها، لا أكثر أو أقلّ، لا أنْ نقف للمرأة بالمرصاد ونضعها تحت المجهر، ونتذكّر أنّ الأخطاء تحصل والأخطاء لا دخل لها بجنس المُخطئ، فالنقد يجب أنْ يكون موضوعيًّا على أساس الكفاءة والجدارة والتفاني بالعمل.
كذلك الأمر عند نقد الرجل صاحب المنصب، ورفض المساس بالنساء المحيطات به للتقليل من شأنه والتهكّم عليه، وعدم التدخّل في حياة قريباته الخاصّة ولبسهنّ وتصرفاتهنّ، ونعته بأوصاف فيها إهانة للمرأة لأخطاء أخرى لا علاقة للمرأة بها.
على المرأة أنْ تعيَ أنّها إنْ قبلت المساس بشرف امرأة أخرى لاختلافها معها، فإنّها ستكون التالية، حقيقة يجب إدراكها اليوم، في عصر وسائل الاتّصال الاجتماعيّ، حيث تتعرّض المرأة للإهانات اليوميّة دون حسيب أو رقيب، ولإجبار الجميع على احترام المرأة يجب التصدّي لكلّ مَن يهينها، الأمر يحتاج إلى تضافر جهود كلّ مَن يتحلّى بالأخلاق، مِن رجال ونساء، وحظر كلّ مَن يتعدّى على شرف المرأة حتّى لو اختلفنا معها ومع أفكارها، وكلّ مَن يُسيء لرجل بالسباب على أُمّه أو أخته، يجب حظره والهجوم عليه لكي يتوقّف عن أفعاله القبيحة، ولكي يكون عبرة لكلّ مَن تسوّل له نفسه استخدام المرأة ككائن ضعيف هشٍّ يكسر بكلمة، أو التعامل معها على أنّها ورقة ضعف في حياة أيّ رجل.
كاتبة ومؤلفة أردنية ومُؤسّسة مشاركة ومُحرّرة مُلتقى المرأة العربيّة