د. سعد ناجي جواد
الان وبعد ان اكتملت التسميات والاختيارات والترشيحات للمناصب الرئيسة الثلاثة، رئيس مجلس النواب ورئيس الجمهورية وتكليف رئيسا للوزراء، وحسب اُسلوب المحاصصة المقيت، من حق العراقيين ان يسألوا عن ماذا سينوبهم من هذه التركيبة الجديدة التي ستبقى معهم وتدير بلادهم لمدة أربعة سنين قادمة. لقد اخذ بعض المحللين على عاتقهم مهمة زف البشرى للعراقيين بعهد جديد وبداية جديدة تبشر بالخير، وبانها بداية صحيحة وتبعث على التفاؤل . في حين ان اخرين بداوا بتعداد ايجابيات الشخصيات الثلاث وإمكانياتها وقدراتها على إنجاز مالم ينجزه الذين سبقوهم خلال اكثر من خمس عشرة سنة خلت. ونسوا بل وتناسوا ان هذه الشخصيات كانت جزءا من النظام الذي اوجده الاحتلال، وأنهم، اوعلى الأقل اثنين منهم، السيد رئيس الجمهورية الدكتور برهم صالح ورئيس الوزراء المرشح السيد عادل عبد المهدي، قد تمت تجربتهم منذ بداية الاحتلال، ولم يظهروا أية قدرات على إنجاز ما يمكن ان يسجل في صالحهم ولمصلحة العراق اولتطوير حياة ابناءه. ربما يستطيع المسؤول الثالث رئيس مجلس النواب السيد محمد الحلبوسي ان يفخر بما انجزه خلال عمله كمحافظ لمحافظة الأنبار، ولكن مهمته كرئيس لمجلس النواب، السلطة التشريعية وسلطة مراقبة عمل الحكومة، هي اكبر من مهمته السابقة وتحتاج الى إمكانيات وقدرات مختلفة. كما نسى غالبية المتفائلين، اوتناسى بعضهم، حقيقة ان عددا لابأس به من اعضاء مجلس النواب، الذين صوتوا على هذه الأسماء، قد وصلوا عن طريق التزوير الكبير الذي شاب عملية الانتخابات الاخيرة، وان عدم أمانة بعضهم قد ظهرت في عملية انتخاب رئاسة المجلس. والامر الأهم ان الثلاثة قد نسبت اليهم تهم فساد، صحيح انها تهم وشبهات، وان القضاء لم يبت بها، ولكنها تبقى تهما حتى يصدر من القضاء قرارات تبرئهم منها.
على كل حال فان السادة الثلاثة لديهم فرصة جديدة لإثبات عكس ما قيل عنهم. انا لا اريد ان أكون متشائما قبل ان يبدأ المسؤولون الثلاثة ممارسة مهامهم الرسمية. وأحب ان أفكر ولكن بصوت مسموع، شأني شان اي مواطن عراقي بسيط، عن ما يجب ان يقدموه للشعب، وان يلتزموا بما وعدوا به في كلماتهم التي القوها بمناسبة تسنمهم مناصبهم. فالثلاثة اتفقوا على ان هناك فسادا كبيرا في العراق وأنهم مصممون على محاربته، وهذا شيء مفرح، خاصة وانهم يمتلكون من الصلاحيات ما يمكنهم من فعل ذلك.
فالسيد رئيس مجلس النواب يستطيع ان يفعل ذلك بسهولة في المجلس، الذي اثبت الغالبية العظمى من أعضائه السابقين بأنهم اثروا على حساب الشعب العراقي واستغلوا مناصبهم بصورة بشعة، وذلك عن طريق مراقبة النواب الحاليين، وان يسارع الى رفع الحصانة عن اي نائب يثبت تورطه في عملية فساد، اوعن اي نائب توجد عليه ملفات فساد سابقة سجلتها عليه اي جهة من جهات النزاهة. وان لا يعيده الى منصبه الا بعد ان تتم تبرئته من القضاء. وان يحرص على ان يكون المجلس مُراقِبا نزيها لعمل الحكومة ويبادر لمحاسبة اي وزير تثبت عليه تهمة الفساد، لا ان يتعامل مع من هم من كتلته بطريقة تختلف عمن اختلف معه. مثل هذا العمل فقط يمكن ان يكون البداية الصحيحة ويعطي مصداقية على وعده. اما السيد رئيس الجمهورية فلا يكفي ان يخبرنا بانه سيكون رئيسا لكل العراقيين، وهذا تصريح مفرح وجميل، ولكن عليه ان يطبق ذلك عملا، وان لا بجعل من رئاسة الجمهورية حكرا لمكوّن معين، سكرتاريةً ومتحدثين رسميين وغيرهم. وان يبادر الى تعيين عراقيين من مكونات اخرى الى جانبه، ويا حبَّذا لو اختار عراقيا تركمانيا وعراقيا مسيحيا من الاكفاء ليكونا على راس طاقمه الاداري والاستشاري. كما عليه ان لا يكون حبيس مكتبه، وان يذهب الى البصرة ونينوى اولا ليطلع على معاناة ابناءها ويحث ويراقب العمل على تحسين احوالهم، واحوال بقية المحافظات، اكثر مما يتردد على كردستان العراق. ان هذا العمل هوالذي سيجعل العراقيين يشعرون بانه رئيسا لكل العراقيين.
اما قوله بان سيلتزم بالدستور فهذا سلاح ذوحدين اذ ان الدستور الذي سيستند عليه هوسبب اغلب المصائب التي حلت بالعراق، ولا اريد ان اتحدث بتفصيل اكثر حول هذا الموضوع لاني اعتقد ان كلامي واضح، يكفي ان اقول ان قٓسٓمٓ رئيس الجمهورية المثبت في الدستور، والذي اداه السيد رئيس الجمهورية الجديد، خلا من عبارة (الحفاظ على وحدة الاراضي العراقية)، ولوللإنصاف فانه قالها في كلمته بعد اليمين، في حين أكد القسم على كلمة الدولة الاتحادية التي قال عنها بعض القادة الاكراد بانها ثبتت عمدا وقصدا للانفصال عن العراق. اما السيد المرشح لمنصب رئاسة الوزراء فعليه اولا وقبل كل شيء ان يلتزم بالمذكرة التي وضع فيها شروطه للقبول بهذا المنصب، وهي ان لا يسمح للأحزاب ان تتدخل في اختياراته للوزراء الذين سيعملون معه، وان يعمل على حصر السلاح بيد الدولة، وان يقضي على المليشيات التي تمعن في ارهاب وقتل واختطاف المدنين الأبرياء.
ولكي يثبت للعراقيين انه جاد فيما ذكره في مذكرته فعليه ان يتوجه، وبأسرع وقت ممكن، الى السيد رئيس مجلس النواب طالبا منه رفع الحصانة عن النائب الذي قال عنه انه وقبل ان يؤدي اليمين الدستورية قام بالاتصال باحد المسؤولين طالبا منه المصادقة على عقود تحوم حولها شبهات فساد. ان عمل مثل هذا هوالذي يضفي مصداقية كبيرة على وعده بمحاربة الفساد وسيمثل البداية الصحيحة لعمله كمسؤول تنفيذي اول. وان يعتمد الكفاءة والنزاهة والوطنية والاخلاص للعراق في اختيار الوزراء العاملين معه. وأخيرا وليس اخرا فان السادة الثلاثة مطالبون بان يفكروا كعراقيين وان يعملوا كعراقيين وان يضعوا مصلحة العراق نصب اعينهم وليس مصلحة دول جوار اودولا إقليمية اودولية لا تريد خيرا للعراق. واذا ما فعلوا ذلك عند ذاك يمكن للعراقيين ان يتفاءلوا بهذه البداية. ارجوان يعذرني السادة الثلاث عن صراحتي، وأتمنى ان يتقبلوا كلامي كتذكير لهم بما وعدوا به خشية ان تنسيهم فرحة تسنم مناصبهم الكبيرة ذلك.
كاتب عراقي