تمر الأمة بمرحلة عصيبة جدا من تاريخها المضرج بين حقبة و أخرى بدماء نازفة و حروب خاسرة و أشلاء متناثرة و أصوات مخنوقة و عبرات مثقلة و هفوات مفزعة مدمرة مهلكة .
كل ما يجري اليوم و ما قد جرى من قبل لم يكن تحولا
في قوانين الطبيعة و لا تغيرا في سنن الحياة , بل هو نتيجة حتمية للتحدي السافر لقوانين السماء و وحيها , فحين يبتعد الإنسان محجة الإسلام البيضاء الرحيمة , تستولي عليه ذئاب الفتن الضارية فتنهش من عقله و قلبه حتى تصيره كعصفور حي في مقلاة زيت ينتفض انتفاض مداهمة الموت .....
في أيامنا هذه و حين خرجت إلى الشارع أجساد بلا عقول , و انبرت عقول معتلة لتصدر المشهد , و طوحت بالحكمة سيئات الغفلة و اجتازت السواطير كل الحدود و سبقت المناشير صوت الحق و العدل و الإحسان , تبدل الأمن خوفا و الصحة مرضا و الكفاية جوعا و ألما و العمران دمارا و خرابا و الحدود حدا و سدا ....
لا شك أن الكرامة البشرية مصونة في الإسلام صونا و الحقوق فيه محفوظة حفظا , و للدماء و الأموال و الأعراض حرمتها و أن الله تعالى لا يعبد إلا بما شرع و أن الحق أحق أن يتبع و أن الباطل ساعة و الحق إلى قيام الساعة و أن قنوات الإحياء معلومة في الشريعة بعلو مرتبتها و فضلها و قنوات الموت و الإحتراب و الفناء معلومة الذم تحذيرا و زجرا وحرمة , و أن الحرب إسثناء لضرورة و ليست أصلا بل السلم من آكد الأصول الثابتة , عكس ما شاع و ذاع و تفشى في مجتمعاتنا المسلمة اليوم من تبديد لمقدرات الأمة و أرواح شبابها و شيوخها و نسائها و فلذات أكبادها الذين استلمتهم أيادي التخريب و طوَّحَ بهم أرباب الملمات حتى شلت أركان الأمة وغرقت في أنهار الدماء و بحار الدموع و الحسرات و الزفرات و العبرات ...
كل يوم تطلع فيه الشمس تتجدد المآسي و الفظائع بأبشع ما تكون و يتولد هلع شديد من رحم معاناة الإنسان , و تداس كرامة البشر و يهدم البناء و يحرق المدر و الوبر و الشجر ..!
أما و قد وصل الحال إلى ما وصل إليه و بدا العَالَمُ متفرجا و انقسمت الأمة إلى خندقي عمىً و صمم , يرومان مفاصلة عبثية لا عقل لها , فقد كان الله أمر و و أمره الحق أن تكون منا أمة تدعوا إلى الخير و تأمر بالمعروف و تنهى عن المنكر , أمة تراقب الله فتأمر بالعدل و الإحسان , بحقن الدماء و حفظ الأرواح و البيوت و الأموال و سائر مصالح الناس , و تنهى عن الشقاق و الفرقة و الخصام , تأبى الإحتكام لآلة القتل البليدة و التطهير العرقي , المذهبي , الطائفي المقيت , تدعو لاستدعاء العقول التي خرجت عن طورها و استرجاع الأجساد التي سارت في غير مسارها , هذه الامة التي تقف اليوم من الجميع وقفة تأمل و شفقة و رحمة , تستنطق الأماكن و تفتش في الأجساد الممزقة عن بقايا عقول تاهت و ضلت و أضلت , كي تبني مما تبقى بنيان رحمة يستظل به الجميع ...
تلكم الأمة التي اجتمعت من كل بقاع العالم و تداعت أن هلموا لحاجتكم , حاجة الأمة للسلم , جاجتها للأمان , لللإطمئنان , للبصيرة , للعقول النيرة , للضمائر الحية التي تقول كفى قتلا و تدميرا , كفى نبشا للقبور , كفى قطعا للرقاب , كفى هدما , كفى عبثا , كفى فسادا في الأرض , و أن دينكم دين بناء و سلام و سعادة و رحمة و ليس دين تواكل و تناكر ....!
أمة اجتمعت في طوق نجاة لا ريب في منهجه القويم و سعيه الحثيث و مقصده النبيل و وسائله الراقية , إنها أمة "منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة " التي أسس لها العلامة الرباني , العالم , المؤرخ , الفيلسوف , الأديب الإمام عبد الله بن بيّه , الذي يحمل بين جنبيه قلبا يتألم لحال الأمة و في مقلتيه ألقا ألهبته حرارة المشهد و جسدا أبى الخلود للراحة إيمانا بوجوب ارتداء ثوب الإطفائي الذي زينه بطلعته المهيبة و سحنته الربانية و نبرته الغنية عِبرًا و دُررا و جوامع كَلِمِِ , في زمن كادت تغلب فيه خطب البنادق و مواعظ التفجيرات على صوت المآذن و المنابر و الوعاظ .....