د. جودت مناع
ربع قرن مر على توقيع اتفاقية اوسلو. في ذلك التاريخ الذي يصادف مثل هذا اليوم لم يكن واضحا لمحمود عباس فيما إذا كان الاتفاق سيقوض الاحتلال أو تكريسه.
ويبدو أن الاتفاق كرس سيطرة الاحتلال ومن تداعياته أيضا توسيع الاستيطان وارتفاع حدة الإرهاب الرسمي الإسرائيلي ما أدى إلى سقوط آلاف الضحايا والجرحى وحملات الاعتقال التعسفية وسياسة الإعدام الميداني بما في ذلك تخلي اسرائيل عن تطبيق الاتفاقية من جانب واحد.
هناك أسباب وجدت كي تستثمرها اسرائيل ومن أهمها:
أولا: سوء الأداء في منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية على حد سواء.
ثانيا: الاتقسام الفلسطيني الذي وقع بعد انقلاب حركة “حماس” وسبطرتها ااشاملة على قطاع غزة.
ثالثا: الحروب الموضعية في العالم العربي الذي أدى إلى زيادة عدد الدول العربية الفاشلة.
رابعا: صناعة الإرهاب وتفعيله في المنطقة العربية وإن كان تحت غطاء نظرية المؤامرة.
وأمام كل هذه التحديات الجسيمة أخذ الوطن إلى حافة الهاوية على متن سياسات فلسطينية اتسمت بالتردد والترقب وخلق سلوك مناف للأهداف التي تأسيت لأجلها منظمة التحرير الفلسطينية.
فما هي هذه السياسات!
استمرار الالتزام باتنسيق الأمني مع سلطة الاحتلال فكانت إيجابياته تصب في صالح سلطة الاحتلال والمستوطنين على حد سواء.
انعدام الثقة بين أقطاب القيادة واستدامتها دون تغيير او إصلاح يتيح المجال لدور شاب.
كما وأن صناعة القرار الوطني الداخلي ظل خاضعا لاتفاقية اوسلو لتجنب عقوبات مفترضة على السلطة من قبل اسرائيل والولايات المتحدة.
وهكذا تلكأت السلطة في اتخاذ التدابير الرادعة لسلطة الاحتلال ومنها تقديم المذكرات لمحكمة الجنايات الدولية لمحاكمة قادة اسرائيليين متورطين بجرائم حرب فظيعة.
ولا شك في أن عددا لا بأس به ممن يتبوأون مراكز هامة في السلطة ومضى زمن أبدي على وجودهم فيها صاروا متعددي الولاءات لجهات خارجية ما أدى إلى تسرب المعلومات واعتماد اسرائيل عليها لصناعة قراراتها وتكريس احتلالها.
بقي شيء أخير…
فإذا أمعنا النظر بين الأسباب والسياسات مع عدم إغفال سياسة الشللية والإقصاء والتعامل مع جزء جبير من الشعب الفلسطيني في قطاع غزة بما في ذلك التخلي عن الشعب في الاراضي الم9تلة عام 1948 نجد أن انعدام الثقة بين الشعب وقيادته إذ ذهبت في مهب الريح.
لذلك كله امتدت الجرأة والوقاحة في اضطهاد الشعب الفلسطيني لتمسك بها أياد أجنبية في طليعتها الولايات المتحدة التي شطبت قضايا الحل النهائي في قعر إناء اوسلو; الاستيطان والقدس واللاجئين والتوطين وكل ذلك توج بدعم ما يسمى ب “قومية الدولة اليهودية”.
وبمعنى آخر لا يمكن وصف سياسة أمريكا إلا بأداة نافذة لجريمة حرب تنتهي بتطهير عرقي ومحو هوية شعب لا بل وجعله لاجئ فقيرا مشتتا ليصطدم في مستنقع الجهل امتدادا لتداعيات سياسات السلطة التي أضعفت قوة الشعب وإرادته بوسائل لا أخلاقية إذا ما نظرنا إليها بمنظار ثوري. كيف لا والوطن ينهب أمام أعيننا!
ومما يعزز هذا النهج إضافة لما تقدم تجزئة السلطات داخل السلطة وخضوعها لمؤثرات خارجية ومنها تمويل الولايات المتحدة واوروبا لأجهزة أمنية وغيرها مستقلة عن موازنة السلطة الشاملة ما خلق عقيدة أمنية فشلت في حماية الشعب.
وبرغم كل هذه التداعيات لم يتقدم أي مسؤول فلسطيني بالاعتذار او القرار بالفشل و أو الاستقالة وهي ثقافة منبوذة في التنظيمات الفلسطينية.
ومع كل أسف طال الفساد جانبا من بعض المؤسسات الإعلامية التي تلقت مساعدات مالية أجنبية ما أدى الى خدش مصداقيتها وضبطها ففصلت ككليا بين المهنية والوطنية في الإعلام هذا الفصل الذي غاب إبان الانتفاضة الأولى فكان له دورا عظيما في فضح جرائم إسرائيل.
وهكذا ظلت اتفاقية اوسلو على مدى 25 عاما أداة ارهاب للشعب الفلسطيني وقيادته شطبت إمكانية التوصل إلى سلام في إطار حل الدولتين بعد اغتيال رابين وبعده الرئيس ياسر عرفات .
لعل ما بين السطور حلا للكارثة الوطنية التي تسببت بها اتفاقية اوسلو.
كاتب صحفي فلسطيني