اليوم انفو :
لا يأتي أيٌّ أمْرٍ في العربيّة السعوديّة اعتباطاً، وهكذا دون تخطيطٍ مُسبَقٍ، الإعلام مُوجَّه، ووسائل التواصل مُوجّهة، وكُل أمرٍ عاصف، تأتيه تعليمات عُليا قبل إتمامه، البعض بات يُحاول التهرّب في الاعتراض بمُسمّيات افتراضيّة أُخرى في حال عدم مُوافقة الدولة عليها، تجنُّباً للحجب، أو المُلاحقة، كان آخرها وسم مُتصدّر للاعتراض على ارتفاع أسعار تسعيرة فاتورة الكهرباء، ليتحوّل اسم الأخيرة إلى “الكوسة”.
الحملة الافتراضيّة هذه المرّة علنيّة، وباسمها الحَقيقيّ، لكن لا كهرباء، ولا كوسا فيها، هي حَملةٌ، بل ودعوةٌ تاريخيّة لحرق النقاب، والنقاب، هو غطاء الوجه الشهير الذي تضعه المرأة السعوديّة أو ما يُعرف ببلاد أخرى بالخمار أو البرقع، وهو الذي لا يُظهر من المرأة إلا عينيها، مع ارتداء العباءة السوداء على كامل جسدها.
السعوديّة اليوم تتجّه نحو الانفتاح المُفرط بحسب مُنتقدين، ويبدو أنّ النِّقاب بات من “شوائب” المرحلة “الوهابيّة” الأخيرة، التي تود السُّلطات التخلّص منها نهائيّاً، وربّما بإعلان حملة شعبيّة تدعو لحرق النقاب، وهو ما تفاعل معه الآلاف بالفِعل، ورفضه آخرون لا يزالون يتمسّكون بالدين، وضوابطه الشرعيّة، مع عدم إغفال إمكانيّة تحكُّم الجُيوش الإلكترونيّة بهكذا حملات، وتوجيهها.
التَّفاعُل لم يَكُن مُجرَّد تغريداتٍ افتراضيّة، بل سارع الكثير إلى تصوير النقاب، وحرقه مُباشرةً أمام مُتابعيه، بل وعرضه على وسم الحملة المُتصدِّر، بل وداست بعض النُّسوة نقابهن بالأقدام، وهي ظاهرة غير مسبوقة داخل المملكة، فلم يكن أحد في السابق يجرؤ أن يتحدّث حتى في أحكام ارتداء النقاب، فكيف بالدعوة إلى حرقه نهاراً جهاراً، وبالدليل المرئي المُوثّق، وهذا يَدُل بحسب مراقبين على كميّة الكبت، والاستياء العام من فرض الحجاب والنِّقاب على النساء في المملكة، أو تغيّر المناخ العام الذي يَحكُم المملكة على افتراض تحكُّم السُّلطات فيه.
سطوة رجال الدين، ومُؤسّستهم الدينيّة انتهى زمانها نهائيّاً في السعوديّة، وإلى ما قبل العهد الشاب عهد الأمير محمد بن سلمان الحاكم الفعلي للبِلاد وليّ العهد، كانت المُؤسَّسات الدعويّة أو ما يُعرَف باسم المكاتب التعاونيّة للدعوة والإرشاد على اختلاف تبعيتها لوزراة الأوقاف، أو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر، تُروّج ليلاً نهاراً في الشوارع والأماكن العامّة، لطريقة لبس المرأة المُثلَى، وهي الظُّهور بكامل عباءتها، ونقابها حيث يكون إلزاماً أن تكون العباءة برسم “الفضفاض والأسود”، وإن في غير هذا هو الفسق والفُجور، وتقليد لبنات الكُفّار، وتَبرُّجِهم، وإلى ما هُنالك من حَديثِ الوَعيد والتَّهديد.
الأصوات المُتبقِّية من التيّار الإسلامي، حاولوا ثني النساء عن تلك الحملة، مجهولة المسؤول، ودعوها إلى العودة إلى الرشد، والصلاح، لكن ناشطات نسويات أكّدن رفضهن لحرق النقاب، لكن أكّدن على حريّة الفرد باختيار ما يُناسبه من لباس يتناسب مع عقيدته، وطريقة أفكاره، وحتى مُجتمعه.
“حرق النِّقاب” على أراضي بلاد الحرمين، بمثابة دهشة، وحدث غير مسبوق للعالمين في الشأن السعودي، وهو حدث أعاد للأذهان ومُفارقة توقيته مع تصريحات مُؤخَّراً لوزير خارجيّة بريطانيا السابق بوريس جونسون، والذي كان قد وصف النِّساء المُسلمات اللاتي يرتدين النقاب، أو شبههن بصناديق البريد، أو لُصوص البُنوك، وهذه التوصيفات لاقت انتقادات في بريطانيا، ووصفت بالعُنصريّة، ومُحاولة لإذكاء نار الإسلاموفوبيا، لكن الأكثر عجباً وفق مراقبون أن تَنطلِق حملة حرق النِّقاب من الداخل السعودي، والإسلامي في غالبيّته، والمُتشدِّد مُعظمه.
الشيخ محمد ناصري، وهو مدير مكتب دعوي سابق في السعوديّة، يقول في حديثٍ لرأي اليوم، أن حكومة بلاده الحاليّة، يُمكن لها أن تُدير حملات مُمنهجة ومدروسة، للانتقال إلى الإسلام الوسطي، لكن يبدو أنّ السُّلطات وفق ناصري، مُستعجلة، وغير مُدركة لعدم نُضجها في إدارة مثل تلك الحملات، وتنتقل برمشة عين إلى “الانفتاح”، والهروب من تُهم الإرهاب، وكما أوصلت العهود السابقة شعبها إلى التطرف، نتيجة التشدد الديني أو الوهّابي، ستوصل الجيل الحالي إلى علمانيّة تُعادي الدين، وبهذا يُحذِّر ناصري من ضياع هويّة الفرد السعودي، الذي عليه أن يرتدي ويخلع عباءة الوهابيّة، فالعلمانيّة كُل 15 عاماً في أقل تقدير، ثم يتساءل ناصري في ذات الحديث عن إسلام يقوم أتباعه بحرق رموزه، فكيف ستكون ردّة فعل أتباع الدِّيانات الأًخرى؟
صحافيون سعوديون، شرحوا لرأي اليوم مبدأ توزيع الدم على القبائل الذي تستخدمه حكومة بلادهم، فهي ترمي رميها بموضوع ما مثلاً على المنصّات الافتراضيّة، وبحسب ردّة الفعل، تأتي ردّة فعلها، فإمّا تُشيد، وإما تنتقد عملاً بالتراجع الخفي، المسؤول عن دم الفعلة كفعلة حرق النقاب مثلاً مجهول الهويّة، ضاع القاتل، ووزّع الدم على الاعتراض الشعبي، ربّما تطال العُقوبة أحياناً أكباش فداء، للإيهام بتطبيق العدالة، يُوضّح صحافيّون.
يُشار إلى أنّ حُكومة العربيّة السعوديّة، كانت تفرض على مُواطنيها، والمُقيمين فيها ارتداء الحجاب، وأحياناً النِّقاب حتى، وعلى النّساء غير المُسلمات كذلك، عملاً بقوانينها الداخليّة التي تفرض ضوابط السَّتر الإسلامي على المرأة، وكانت الأخيرة يُمكن أن تتعرّض للتوبيخ أو المُلاحقة أو الضرب، وحتى التوقيف لعدم التزامها بالحجاب، وهو أمر بات يتفاوت في بعض المُحافظات بالسَّنوات العَشر الأخيرة، وكان يتم التَّغافُل عنه داخِل التَّجمُّعات السَّكنيّة التَّابِعة للشَّرِكات الغربيّة، والأمريكيّة، وغيرها.
راي اليوم