د. شهاب المكاحله
تواجه المملكة الأردنية الهاشمية تحديات وتهديدات داخلية وخارجية تشكل خطراً وجودياً كبيراً على أمنها واستقرارها. إن مثل هذه التحديات محفوفة بالمخاطرإذ لا يمكن لصانعي القرار تجاهلها. فبغض النظر عن المنافسة الإقليمية والدولية على رقعة شطرنج الشرق الأوسط، لا بد من تكييف التجارب السياسية الناجحة من أجل حشد المواطنين خلف قيادتهم وحكومتهم لتعزيز الأمن والاستقرار على جميع المستويات لمواجهة التحديات والتهديدات. كما أن شبكة من العلاقات المعقدة متعددة الأبعاد من التحالفات الإقليمية والدولية من شأنها أن تضمن تحقيق المصالح الوطنية العليا للأردن.
لعل توسيع وتنويع شبكة العلاقات الإقليمية والدولية أمر ضروري إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الأزمات الاقتصادية التي يمر بها الأردن منذ عدة سنوات إلى جانب تهميش الدور الجغرافي المركزي للأردن في المنطقة. ومع ذلك، فإن اختلالات الوضع الاقتصادي تؤثر سلباً على التنمية. وهذا ما يدفع الأردن إلى إعادة النظر في تموضعه وفي تأكيد أهميته الإقليمية والدولية.
لوحظ في الآونة الاخيرة أن الحكومة باتت تُركز في المقام الأول على مسألة الأمن القومي. هذا المصطلح يشير إلى تأمين البلاد من الداخل وحماية حدودها من التهديدات الخارجية لضمان حفاظ الأردنيين على مكتسباتهم. ومع ذلك، تواجه المملكة العديد من التحديات التي تتركز حول مفاهيم مثل الاستقطاب الاجتماعي ، والوحدة الوطنية وتعزيز الولاء ليس للنظام فحسب ، بل للوطن كذلك.
ـ التحدي الأول الذي يواجه الأردن هو البطالة. إن أكثر من 70 في المائة من سكان الأردن من الشباب الذين تقل أعمارهم عن 40 عاماً وهؤلاء لديهم القدرة والكفاءة على العمل ، لكنهم لا يستطيعون إيجاد الفرص التي تتواءم مع دراستهم وخبراتهم. كما أن المعدلات العالية للعاطلين عن العمل ، لا سيما أولئك الذين يحملون درجات جامعية عليا ، تفرض مستوى كبيراً من الضغط على الحكومة. وهذا يعتبر تحدياً رئيسياً ينبغي معالجته بحكمة وحس عالٍ من المسؤولية.
وبما أن الحكومة تواجه مستويات عالية مما يعرف بمؤشر أسعار المستهلك (CPI) أو يطلق عليه بالتضخم ، فإن هذا يحد من قدرات الحكومة لتوفير ما يزيد عن 5000 إلى 6000 وظيفة سنوياً في القطاع العام. وتزداد هذه القضية مع تراجع التقدم الاقتصادي ، مما يدفع معدل البطالة إلى الارتفاع إلى نسبة 20 في المائة من مجموع القوى العاملة. وهذه أرقام رسمية ومع ذلك ، تكشف بعض الدراسات أن نسبة البطالة وصلت إلى نسب أكثر من 32 في المائة.
ـ اما التحدي الثاني فهو الفقر الذي أصبح مزمنا بسبب الاختلالات بين الموارد المالية والاقتصادية من جهة وزيادة السكان نتيجة (موجات اللجوء) من جهة أخرى. ومن المتوقع أن يسجل الأردن تقدماً اقتصادياً يصل إلى 2.1 في المائة في عام 2018 ، مما يعني عدم وجود شواغر لوظائف مستقبلية لمدة 5 سنوات على الأقل في القطاع العام. وفي أحسن الأحوال سيكون هناك فرص في القطاع التعليمي فقط. كما أن معدل الفقر وصل إلى حدود 900 دينار للفرد سنوياً لتلبية الاحتياجات الأساسية. أي أن عائلة مكونة من 5 أفراد يلزمهم بحد أدنى 4500 دينار سنوياً بحد أدنى للحصول على الاحتياجات الأساسية. وبذلك نجد أن 21 في المائة من السكان هم دون مستوى خط الفقر على الرغم من أن الأرقام الرسمية لوزارة التنمية الاجتماعية تشير إلى 15 في المائة.
في الماضي خصصت الحكومة مبلغ يصل إلى 100 مليون دينار أردني تقريباً كموازنة لصندوق المعونة الوطنية . لكن عدداً كبيراً من الأسر الأردنية غير مشمولة في تلك المعونة لأسباب اجتماعية منها الخجل من الافصاح خجلاً.
ـ وثالث هذه التحدياات هو زيادة الدين العام ، الذي بلغ 27.9 مليار دينار أردني ، وهو ما يشكل أكثر من 95.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2017 ، ناهيك بالتدهور الاقتصادي العام، والعجز في الميزانية، وانخفاض مستويات المعيشة فضلاً عن شبه انقراض للطبقة الوسطى وهي بيضة القبان في المجتمع.
ـ أما التحدي الرابع فهو الفساد، النابع من سوء استخدام السلطة العامة من أجل مكاسب فردية والتي تشمل اختلاس الأموال العامة ومصادرة أموال الشركات المملوكة للدولة من قبل موظفين رسميين أو أفراد يسيئون استغلال صلاحياتهم من أجل منافع شخصية دون الأخذ بعين الاعتبار التداعيات على الشعب الأردني. ويؤدي هذا إلى انعدام الثقة بين المواطنين في حكوماتهم وأدائها نظراً لانعدام أخلاقيات العمل والقيم الاجتماعية. وبالتالي، فإن أخطر أنواع الفساد هي تلك التي يتسبب بها شبكات المسوؤلين بحكم المصالح المتبادلة.
ـ ويكمن التحدي الخامس في الزيادة المطردة في عدد السكان. ففي عام 2017 ، كان عدد سكان الأردن 9.9 مليون مواطن مقارنة بـ 7.2 مليون في عام 2011. والأسباب الكامنة وراء ذلك هي موجات اللاجئين من سوريا والعراق وفلسطين واليمن وليبيا. وفي الأردن، هناك أكثر من 55 جنسية عربية وأجنبية. كما أن معدل النمو السكاني هو 3 في المائة ، وهو واحد من أعلى المعدلات على المستوى العالمي.
ـ أما التحدي السادس فهو المخدرات التي أصبحت أكثر التحديات التي تهدد استقرار وأمن الأردن. ولعل انتشارها والاتجار بها أصبح آفة ووباءً قاتلاً للاقتصاد وللسكان لما لذلك من آثار اقتصادية واجتماعية مدمرة. ويبدو أنه في الماضي ما كان موضوع المخدرات منظماً كما هو اليوم وهنا يكمن الخطرالأكبر.
ـ أما التحدي السابع فهو الإرهاب والتطرف. فمنذ عام 1928 ، يعاني الأردن من الإرهاب والتطرف الأيديولوجي على مختلف المستويات بهدف تقويض استقرار المملكة وأمنها. وهذا التحدي هو أكبر مصادر قلق الدولة الأردنية. وهو ما يستنزف الكثير من الموارد المالية.
كما أن التحديات التقليدية الأخرى لا تقل أهمية عما ذُكر ومنها على سبيل المثال لا الحصر: ندرة المياه وقضايا الطاقة والاقتصاد الزراعي والتهرب الضريبي من حيتان الاقتصاد الأردني والمحسوبيات.
لذلك لا بد من مواجهة تلك التحديات والتعامل معها من خلال تحسين العلاقة بين الحكومة والشعب عن طريق التواصل بين المسؤولين والمواطنين في جو من الإفصاح والشفافية لدرء الشائعات ودحضها للإبقاء على الشباب في وطنهم وعدم مغادرته بحثاً عن فرص عمل في دول أخرى.
واشنطن