بروفسور نسيم الخوري
1- في العام 1943 تمّ تشكيل الحكومة الأولى حيث وقف رئيسها المكلّف رياض الصلح المولود في صيدا عاصمة الجنوب اللبناني وحوله خمسة وزراء هم حبيب أبو شهلا، كميل شمعون، مجيد ارسلان، سليم تقلا وعادل عسيران وقرأ بيان الحكومة الإستقلالية اللبنانية الأولى أمام نواب لبنان قائلاً:
” نحن لا نريد وطننا للإستعمار مستقراً، وهم لا يريدونه للإستعمار اليهم ممراً، فنحن وهم إذن نريده وطناً عزيزاً ، مستقلاً، سيّداً، حراً”. ال”نحن” هنا قصد بها اللبنانيين الذين إنتفضوا وتخلّصوا من الإنتداب الفرنسي و”هم” يعني بها العرب وتحديداً سوريا، لسببٍ بسيط وجوهري هو أنّ المسلمين والعديد من المسيحيين كانوا يعتبرون أنفسهم عرباً من الصحراء نحو الشمال بينما يعتبر بعض المسيحيين بأنهم ليسوا عرباً وهم أقرب الى الغرب منهم الى الشرق.
إنّ تحليل هذا البيان الوزاري الأوّل وإختصار أهم عناوينه تضعنا أمام ما يلي:
“الطائفية، الفساد الإداري وإصلاح الإدارة ومحاسبة الموظفين وحماية العمال وضمان حقوقهم، تعزيز السياحة والإصطياف ودعم الزراعة وتشجيع الصناعة، تحسين المواصلات، إصلاح النظام المالي ووقف الهدر، إستقلالية السلطات القضائية، تشريع حقوق المرأة، التعاون والإنفتاح على الأشقاء العرب، شؤون المهاجرين، التربية الوطنية والتعليم…إلخ”.
ماذا تغيّر؟
لا شيء. كتب جاري السفير جان ملحة في كتابه:”حكومات لبنان” أنّ “معظم العناوين التي وردت في البيان الوزاري الأوّل ما زالت تتردد في البيانات الوزارية حتى يومنا هذا”(ص 19) وهذا صحيح وفقاً لدراسة يقوم بها طالب دكتوراه.
يمكن الإعتراف أنّ نزاعات وإنقسامات وحروب مريرة لم يخرج منها تاريخ لبنان بخلاصات مفيدة تخرجه من الفجوات بين الخنادق الكثيرة. كان يستحيل إخراج اللبنانيين من كونهم أصحاب وجوه عربيّة إلى كونهم عرب لغة ولوناً وثقافة حتّى سقطوا جميعاً في أتون متتابع من الحروب الهائلة. لم تخرجهم تلك الحروب من هذا الكهف التاريخي من التفكير الممل الحافل بالمصلحة والإزدواجية ونبذ الديمقراطية والعدالة بما يجعلهم أمام كلّ حادث بسيط يتعثرون صارخين: أيّ لبنان نريد.
2- بعد مرور 62 عاماَ أي في العام 2005 على إستقلال لبنان عمّق الحفّارون الكثر اللبنانيون والإقليميون والدوليون الحفر بين اللبنانيين إلى قاع بدا وما زال يبدو وسيبقى وكأنّه لا قرار يمكن الرسو فيه. تعمّقت شروخاتهم وتجذّرت وتحوّلت الحياة السياسية والثقافية والإقتصادية الى خندقين مشحوذين بالإغتيالات والدماء التي ما عرفت الهدوء أو اليباس، وبدت يومها معضلة إعادة جمع اللبنانيين ولملمة شظاياهم النفسية والوطنية من أعقد المستحيلات بين فريقي 8 و14 آذار.
كان السبب المباشر الخطير الذي توّج معظم الأسباب التاريخية في ترسيخ الإنقسامات إغتيال رئيس الحكومة رفيق الحريري الذي ولد أيضاً في صيدا وغادر حاملاً طموحه كما العديد من شباب لبنان الى المملكة العربيّة السعودية وبلاد الخليج وعمل وإجتهد ونجح ولمعت صورته حتى بلغ مشارف عالمية جعلته ينظر إلى لبنان ومنه بعين كونية تحنّ الى منزله الأوّل فكان الخروج من أنفاق الحروب التي لا هويات لها محدّدة عبر إتفاق الطائف الذي أصبح دستوراً جديداً وكأنه مؤجّل التطبيق للبلاد. دفع الرجل حياته ثمناً للنهوض بلبنان مشروعاً معتدلاً حراً مستقلاً حاملاً لدمغة التفاهم والتعايش والحوار بين مكوناته المتعددة .
بعد إغتيال الحريري في ال2005 ، وقف رئيس الحكومة فؤاد السنيورة من صيدا أيضاً وأيضاً في البرلمان على مقربة من ضريح رفيق الحريري المؤقّت ( هناك مثل فرنسي يقول: لا يستمر إلاّ المؤقّت) في ساحة الشهداء التي صارت جزءاً من “الداون تاون” مع مشروع “بيروت مدينة للمستقبل” وخلفه دزّينتين من الوزراء طالباً ثقة البرلمان مردّداً كالمعتاد:
” أنّ لبنان لن يكون ممراً أو مستقراً لأيّ تنظيم أو قوة أو دولة تستهدف المساس بأمنه وأمن سوريا تأكيداً لمبدأ أنّ أمن لبنان من أمن سوريا، وبالعكس″.
3- لبنان بلد أدمن سياسيوه التعثر وإنتظار الخارج. التعثّر في تأليف الحكومة كما في إنجاز البيان الوزاري كما في معظم الملفات بإنتظار المؤشرات الخارجية. ليس المهم اليوم ماذا يقول رئيس الحكومة اللبنانية سعد الدين الحريري أوغيره من المسؤولين في مستقبل العلاقات السورية اللبنانية أوفي النازحين أو في الأمن بين سوريا ولبنان أو في شكل الحكومة أو في بيانها. اعتادت الحكومات في تاريخ لبنان بإستنساخ البيانات الوزارية القديمة المهترئة وإلهاء الناس المكروه بالمحاصصة الحزبية والطائفية في إنتقاء الوزراء حيث العجز الكامل الدائم، بدلاً من الإنكباب على خنق الحريات وشح الماء وقطع الكهرباء وتهديد الموظفين بالرواتب وفساد الدواء والتعليم وتفشي الرشاوى وتقديم المذاهب على الوطن والكون
متى تخلع الأبواب المهشمة يا فخامة/دولة/حضرة/ الرئيس؟