من يوقف الالاف من (الكسندر بنعلا) داخل الوطن العربي

جمعة, 07/27/2018 - 14:57

د. ابوالقاسم الربو
يواجه الرئيس الفرنسي ايمانول ميكرون هذه الايام ازمة حقيقة انسته فرحته بحصول بلده على كاس العالم , حيث انتشر بشكل واسع داخل فرنسا وعبر مواقع التواصل الاجتماعي فيديو يظهر احد حراسه ومرافقيه المقربين وهو يعتدي لفظيا وجسديا على شاب وامراة شاركا في مظاهرة اقيمت بباريس بتاريخ 1/5/2018 بمناسبة ذكرى عيد العمال مرتديا وبشكل غير قانوني لباس شرطة رسمي . ومع ان الفيديو المسرب اظهر وبصورة واضحة ملامح ( الكسندر بنعلا ) المرافق الشخصي للرئيس تلك الشخصية التي لم تكن معروفة لدى عامة العشب الفرنسي غيران الحكومة والشرطة تعرفها جيدا ولم تتخد حيالها اي اجراء مناسب في حينها واكتفت باستبعاد رجل الامن من عمله لمدة اسبوعين بدون مرتب وكانت تعتقد بان هذا الاجراء سينهي هذا الجدل القائم حول مقاطع الفيديو معتمدة في ذلك على كون هذه الشخصية لم تكن معروفة وان الشارع الفرنسي لن يذهب في تفسيره الى ابعد من ان شرطي افرط في استعمال القوة من اجل ممارسة عمله المناط به . ولكن كان لصحيفة ( اللوموند الفرنسية ) راي اخر لم تكن تتوقعه الحكومة , حيث نشرت تحقيقا صحفيا مطولا اماطت فيه اللثام عن هوية مرتكب الحادثة الذي لم يكن رجل امن او شرطي عادي بل رجل امن من افراد الحماية الخاصة والمرافقين باستمرار للرئيس ميكرون .
وعلى خطى اللوموند قامت العديد من الصحف الفرنسية بتناول العلاقة بين (بنعلا) والرئيس من خلال صور تبين تلك العلاقة الوثيقة على صدر صفحاتها الاولى الامر, الذي ادى الى تحويل هذه الحادثة الى قضية راي عام تناولها البرلمان ووصلت الى الاجهزة الرقابية والقضائية وشغلت الراي العام الشعبي والرسمي الامر الي جعل السلطات القضائية تامر بايقاف المتهم على ذمة قضايا لن تكون اساءة استعمال السلطة باقلها ولا استعماله للزي الرسمي للشرطة بدون ان يكون مخولا بذلك باكثرها , وسيواجه هذا الشاب ذو الاصول المغربية والمولود في عام 1991 في مدينة ايرفو الواقعة بمنطقة النورماندي الفرنسية والذي استطاع من خلال التحاقه بصفوف الدرك الفرنسي ان يحقق حلمه بالالتحاق بالامن الرئاسي الذي توكل اليه مهمة حماية الرئيس الفرنسي في كل رحلاته وتنقلاته سيواجه تهما لن يشفع له تغيير اسمه لاجل ( التفرنس ) في الحد منها , ولن يكون قربه من الرئيس والحكومة عاملا مخففا لها , بل على العكس سيكون عامل مهما في ادانته خاصة وان الحكومة في حد ذاتها تعرضت للكثير من الانتقادات من كل السياسيين على مختلف توجهاتهم متهمين اياها بالتستر على الحادثة والتنصل من مسئولياتها امام مواطنيها , ووصل الامر الى استدعاء البرلمان لوزير الداخلية بهذه الحكومة ومساءلته عن حيثيات هذه الواقعة والاسباب التي دعت الوزارة الى عدم السرعة في اتخاد الاجراء المناسب خاصة وان المدعو يعتبر تابعا لها, الامر الذي جعل رئيس الشرطة يسارع الى الادلاء بتصريح ادان فيه ما حدث ووعد بفتح تحقيق مستقل خاصة في ارتداء (بنعلا) لملابس الشرطة دون ان يكون مخولا بذلك في تلك الاثناء ولم يكن احد افرادها المكلفين بذلك .
ان هذه القضية التي حدثت ويحدث ما يفوقها الاف المرات فظاعة وبشاعة ومهانة داخل وطننا العربي المهان من المحيط الى الخليج في كل يوم دون ان يحرك احد المسئولين ساكنا تبين الالية التي تدار بها هذه المجتمعات المتقدمة والكيفية التي تمارس بها السلطات الاعلامية والرقابية والتشريعية والتنفيذية لاعمالها المنوطة بها داخل هذه الدول , مما يجعل كل سلطة من هذه السلطات تخشى رقابة ومتابعة السلطة الاخرى , كما انها تبين حجم الهوة بين المواطن في هذه الدول وبين المواطن العربي الذي يهان في كل يوم دون ان يستطيع ان يشتكي او ينبس ببنت شفة في وجه ( بنعلا ) الذي يحسب عليه خطواته بل وانفاسه بمباركة ولاة الامر وتشجيعهم . كما ان ما حدث ايضا يعطي صورة واضحة لالبس فيها عن مايحدث داخل بلداننا بما فيها تلك التي شهدت ربيعا سوق له في حينها بانه سينقلها الى مصاف تلك الدولة التي تحترم حقوق مواطنيها مبررا الدمار والخراب الذي حصل لها من جراء نسائم الربيع تلك بانه وسيلة قاسية لابد منها من اجل بلوغ غاية لطالما حلم بها هذا المواطن والذي رضى بذلك الربيع وهلل له متنميا ان يكون فاتحة خير تخلصه من هذا ال ( بنعلا ) الذي اذاقة الويل والتبور , الا انه افاق بان ما تم تحقيقه هو فقط الدمار والخراب لمقومات بلده وزرع الاف ال ( بنعلا ) لتمارس المزيد من العنف والدكتاتورية , وان هذه الدول لم تقترب من اي مشهد تحول ديمقراطي حقيقي , فالسلطة لازالت محتكرة بيد النخب الحاكمة والمستنفدة والتي تمارس القمع والاحتواء والترغيب والترهيب لتحول دون تداولها سلميا, وتمارس من خلال المؤسسات الامنية بشقيها شبه العسكري ( الشرطة والدعم ووزارات الداخلية ) والاستخباراتي ( الامن الداخلي والخارجي ) اعتى انواع الديكتاتورية والظلم وتفرض مزيجا من القيود الاستباقية والممارسات القمعية على تحركات الشارع وتحد من قدرته على الفعل , بل ان هذه الدول ( دول الربيع ) فاقت غيرها في الدور القمعي الذي تمارسه مؤسساتها الامنية من اجل ضمان استقرار واستمرار نظم الحكم بها والذي تقوده في العادة جماعات تفتقر الى التاييد الشعبي وقد نصبت بطريقة او باخرى على راس الهرم في هذه الدول . وقد تفننت هذه الاجهزة في غرس ثقافة الخوف بين المواطنين من خلال عمليات الخطف والاعتقال بل والتصفية التي تطال كل من يحاول الفعل او يحرض عليه , كما ان الاسوء من ذلك استخدامها لمليشيات تدار من قبل مجرمين لايتوانون عن فعل اي شي من اجل اموالا تغدق عليهم او نفوذا يعيشونه مدركين تماما بان قيام الدولة الديمقراطية يعني وبكل بساطة بان مصيرهم لن يكون احسن حالا من (بنعلا ) ان لم يكن اسواء .
اما دور الصحافة فلا يعدو كونه ممارسة لدور ضروري يجب ان يلعب لتكتمل فصول المسرحية لاكتمال الصورة الظاهرية للدولة واداة من الادوات التي تستعملها السلطة الحاكمة لبسط سيطرتها وفرض نفوذها واقناع عامة الشعب بان الازمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي يعيشها ليست سوى مؤامرات داخلية وخارجية تدار من عملاء ومن مخابرات دول اجنبية لاتريد لهذه الدول الاستقرار حتى اصبح جزء كبير من هذه الشعوب اسير لنظرية المؤامرة متناسيا بان حكوماتنا العربية باختلاف مسمياتها وباختلاف طرق وصولها الى الحكم هي من تجند وتحرض وتستعمل في الالاف من ( بنعلا ) لتكميم الافواه ومصادرة الحريات وهي تدرك تماما بانها لن تتعرض لاي مساءلة لاسباب بسيطة جدا وهي افتقارنا ( للوموند عربية ) و (لعدالة باريسية ) و(لوعي شعبي فرنسي) . والى ان نصل الى ذلك سيبقى الخوف هو المسيطر والظلم هو السائد وعلى المتضرر الصبر والدعاء وتغيير المنكر والواقع سرا بقلبه ليظفر باضعف الايمان على اقل تقدير .
كاتب مغربي