نادية عصام حرحش
بينما يعم الحداد سماء القدس , تنتفض أرض غزة وتملأ الأجواء بعوادم الحقيقة المدوية من سواد.
ربما تكون مسيرات العودة رمزية بما حملته من شعارات وتوقعات , فمن أراد العودة لا يحمل معه خطة للحظة اللاحقة لعودة لم نعد نعرف منها الا اسمها ومفتاح قديم لباب لم يعد موجود.
الا ان فعل الاحتلال الامبريالي دائما يأتي ليمنح شعاراتنا معنى اكبر . لتصبح هذه العودة من اجل ما يجري من اغتصاب للقدس حقيقة.
مرة اخرى يخترق الفلسطينيون اسلاك الرعب والفصل والقتل والظلم , ويقدموا الاغلى من اجل وطن يراد له من أبنائه المخلصين الحياة.
مرة اخرى يخرج الفلسطينيون بأجسادهم المليئة بحلم الحرية , الخالية من السلاح الا ذلك المؤمن بأن الحق سلاح اكبر من كل عتاد القهر والقتل والعنف الممارس ضدهم.
في هذه اللحظة التاريخية التي كشفت فيها نوايا الاحتلال وخطط الامبريالية ومآرب الصهيونية العربية المتأسلمة, تسطر غزة من جديد ما تخطه العناوين . ذلك الاغتصاب الذي يتم تدشينه باحتفال جماعي يختفي بين مغتصب ومتفرج بلا فرحة ولا بهجة. يحتفلون بخوف وبريبة , وما يريدونه من استفزاز أرعن لا يشفي الا غرورهم بلا متفرجين او مهللين الا من اولئك المرتزقة من متعاونين متخاذلين متراكضين من اجل حفنة نقود خضراء عفنة ترميها امريكا في افواه الجياع.
غزة تعيد المشهد لاصوله .
سبعون عام من الضياع والشتات والتشرد. مشهد يكرر نفسه في لقطة معاكسة . أولئك المشتتون في المخيمات . اولئك المحتجزون في غياهب الظلم الذي حفرته اسرائيل في ما لا يمكن وصفه الا بالغيتو ومخيمات التصفية والذبح , اولئك يخرجون بالالاف و بعشرات الالاف بتحدي لعنجهية العالم من كل اتجاهاته ويرعبون اليات الكبت والقتل والحرب بأجسادهم العارية. بأنفاسهم التي تبحث عن الحرية هواء لها .
الفلسطينيون من غزة يوجهون انظار العالم في هذه اللحظات التاريخية لهيمنة الظلم والتبجح والتطرف.
بينما أولئك يغلقون الطرقات نحو القدس من اجل احتفالاتهم الشيطانية لاغتصاب المدينة. بينما يعتقلون الشبان والشابات والاطفال بالالاف . بينما يقمعون المسيرات ويمنعون الحراك.
بينما يطلقون الاعيرة الحية على المتظاهرين .
بينما يمنعون السكان من الحراك , وبينما ينشرون شعاراتهم المهللة لترامب المخلص , ويدقون شعار سفارة بالارض ليعلنوا السيطرة على المكان….تخرج غزة عن بكرة أبيها….كما دائما …. وتصرخ متحدية المساحات العازلة , وتخترق الأسلاك والجدران والحواجز…
غزة المحاصرة , الغارقة بالفقر والجوع والبلاء والظلم.
غزة تقود مسيرات العودة الحقيقية…..غزة التي تثبت مرارا وتكرارا ….أن الحرية ليست مكانا شاسعا مفتوحا مليئا بالفرص المتاحة , الحرية انسان يقبض على مصيره بيديه , بجسده العاري, بحياته المحاصرة والمعزولة عن الفرص. الحرية حق .
والظلم مهما جلب من خنوع وتحمل وصبر , لا بد أن ينقلب على الظالم.
السفارة بشعار او بعمارة.
بهيمنة أو سيطرة.
بقمع او بخنوع .
باغتصاب أو بانصياع……
لن تغير من حقيقة هذه المدينة , التي ستثبت دائما أن قوتها دائما عن اللحظة الحاسمة لأهلها …أهلها أولئك القابضون على ارواحهم مصرون على كسر البوابات الالكترونية من مداخل مسجد الاقصى , واهلها أولئك العائدون لطالما هناك نبض حرية مرتجى من ابناء هذا الوطن الساكن بداخلنا