د. شهاب المكاحله
على الرغم من اختلاف القراءات السياسية لتهديدات الرئيس الإيراني حسن روحاني بمنع تصدير نفط الخليج باغلاق مضيف هرمز وسط ترحيب حار من قائد فيلق القدس قاسم سليماني بتصعيد ضد الدول التي تهدف الى اضعاف طهران اقتصاديا بضغط من إدارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب الذي طلب من جميع دول العالم عدم التعامل مع ايران لأنها تحت العقوبات الاقتصادية، الا أن ذلك وبكل اختصار يوحي بأن بوادر حرب قد بدأت. وهذاما أكده روحاني بتهديده حين قال موجها حديثه لترامب: “إذا كنت قادرا على ذلك فافعل وانظر ماذا ستكون نتائجه”.
يبدو الهدف ليس ايران بذاتها ولكن “اياكي اعني واسمعي يا جارة”: الصين وروسيا والهند. فالولايات المتحدة تسعى لتضييق الخناق على صادرات النفط الإيرانية لاثارة موجة من الثورات الداخلية في ايران للمطالبة بتغيير الحكم او اسقاطه بمساعدة خارجية.
فإنهاء الاتفاق النووي مع إيران في أوائل شهر مايو كان حتما يعني تشديد الخناق على صادرات النفط الإيرانية. فلم تثن صراعات التجارة العالمية واشنطن من متابعة اجراءات أخرى منها تشديد الحصار على ايران وصادراتها وخاصة النفطية لانها بذلك لا تضرب عصفورا واحدا فقط بحجر واحد بل عدة عصافير: تضغط على الاتحاد الاوروبي بوقف نشاطه التجاري مع ايران وتلك ضربة مزدوجة لكل من المانيا وفرنسا اللتين استثمرتا في السنوات الثلاث الماضية في الاقتصاد الايراني لاستخراج النفط والغاز (شركة توتال) وشركة (سيمنز) للاتصالات في البنى التحتية الايرانية.
ولتحقيق هذا الهدف، وضعت الإدارة الأميركية بالفعل استراتيجية ذات شقين: الضغط على منظمة اوبك لزيادة إنتاج النفط اليومي ومن ثم مطالبة كبار مستوردي النفط الإيراني في آسيا بخفض الواردات إلى حد كبير، إلى أن يصل استيرادهم من ايران الى مستوى الصفر.
وفي ذات السياق، هناك ثلاثة مستوردين رئيسيين للنفط الإيراني في آسيا: الهند والصين واليابان. فالعلاقات بين إيران والهند والصين، على أية حال، تعود إلى عدة قرون. وقد تجد الدولتان صعوبة بالغة في الاستجابة لدعوة الولايات المتحدة لأن ذلك يعني أن تقدم واشنطن لهما بالمقابل البديل وتنازلاً يغنيهما عن النفط والغاز الايراني.
في الوقت نفسه ، إن كلا من نيودلهي وبيجنيج على دراية كاملة بالعواقب المحتملة لتحدي الولايات المتحدة بشأن هذه المسألة لأن الدولتين قد دخلتا بالفعل في حرب تجارية معها فيما يتعلق باتفاقية التجارة الحرة: واليوم، لا يمكن للهند والصين ببساطة فتح جبهة أخرى لتحويل الأمور بينها وبين واشنطن من سيئ إلى أسوأ.
أما بالنسبة لليابان ، فهي محصورة بالفعل بين المطرقة والسندان: لأنها تعتمد بالكامل على الولايات المتحدة فيما يتعلق بأمنها؛ لذا لا يمكنها معاداة الولايات المتحدة لأن طوكيو بجاجة ماسة لواشنطن للحفاظ على أمن الامبراطورية من جارتيها الصين وكوريا الشمالية. من ناحية أخرى ، قد يؤدي الارتفاع الحاد في أسعار النفط على المستوى المحلي إلى تبخر النمو الهش الذي شهدته اليابان بعد عقود من الركود الاقتصادي.
ولا تنتهي مشاكل عمالقة آسيا عند هذا الحد إذ لن تتمكن شركاتهم الكبرى من التجارة مع إيران بعد الآن بمجرد تفعيل العقوبات. وقد بدأت الشركات التابعة للدول الاوروبية بالخروج فعليا من السوق الايراني تحت وطأة الضغوطات الاميركية.
بطبيعة الحال ، تحاول بعض الشركات العالمية في بعض الأحيان التحايل على العقوبات على أمل الإفلات منها ؛ من خلال وسيط ثالث. فقد تنجح تلك الشركات أو قد تفشل في تفادي العقوبات ولكن لكل شئ ثمن. إن مصير شركة ZTE العملاقة للاتصالات السلكية واللاسلكية الصينية ، هي مثال على ذلك. فلم توافق فقط على دفع غرامة قدرها مليار دولار إلى الولايات المتحدة من أجل الاستمرار في العمل كالمعتاد في ايران ولكنها وافقت أيضا على السماح للمراقبين الماليين من الاستخبارت المركزية الاميركية بمراقبة عملياتها – وهي خطوة غير مسبوقة.
أما في إيران فإن الوضع غير مشجع على الاطلاق لانهيارعملتها المحلية مقابل العملات الاجنبية كما أن البطالة بين الشباب زادت في الاعوام الماضية الى حد كبير مع ارتفاع تكاليف المعيشة. وبالعودة الى عام 2011، وانطلاق ثورات الربيع العربي، ففي غالب الاحيان لم تكن النتائج هي ما سعت الدول الغربية الى تحقيقه من تلك التغييرات السياسية في بلدان الربيع العربي. لذلك فالتغيير الذي قد يحدث في ايران داخليا قد لا يأتي بجديد بل إن انفلات المنظومة الامنية في بلد كبير كإيران يعني حالة من عدم الاستقرار في المنطقة ما سيؤثر على كل من تركيا، والعراق، وأذربيجان وروسيا، والصين واواسط آسيا وافغانستان وغيرها من الدول العربية.
باختصار ، لا يوجد أي دولة على هذا الكوكب يمكنها مواجهة الولايات المتحدة، اقتصاديا أو دبلوماسيا أو سياسيا، في الوقت الحاضر؛ فهي تعمل وتنفذ طريقة عملها وفق رؤيتها بأنها القوة العظمى الوحيدة في العالم ولكن الى متى سيستمر هذا الامر؟ يبدو أن ما يزعج واشنطن هو التنين الصيني والدب الروسي وما حصار ايران الا للتأثير على القطبين الجديدين: الصين وروسيا. فهل ستنجح واشنطن في مسعاها؟
واشنطن