الشيخ الحسن البمباري
عول الإعلام و الحكومة الموريتانيين بشكل كبير على حضور الملك محمد السادس للقمة الإفريقية الحادية و الثلاثون الجارية في موريتانيا، ليس من اجل كسب وجود المملكة المغربية فحسب، بل و دعما للتلاحم العربي و إمكانية نقاش جاد حول المؤسسة المغاربية الميتة سريريا منذ قرابة الخمس و عشرين سنة، و أهم من كل ذلك إثبات المغرب جديته بشان العودة للاتحاد الإفريقي .
القمة التي يعد أحد ملفاتها البارزة ملف الصحراء الغربية ، كان من الضروري أن تمثل فيها المغرب تمثيلا أعلى من وزارة الخارجية ، بل وحتى أعلى من رئاسة الوزراء نفسها، و بالرغم من أن موريتانيا شعرت أنها هي الخاسر من غياب تمثيل ملكي للمغرب، فان الإيفاد بالأمين العام للخارجية الموريتانية لاستقبال الوزير المغربي يعد ردة فعل على تجاهل ملك المغرب للقمة العربية في نواكشوط سابقا ثم القمة الإفريقية الحالية .
في جميع الأحوال إذا قيمت الخسائر بين المغرب و موريتانيا فان هناك رابح ثالث، و هو الصحراء الغربية التي اخلي لها الفضاء الدبلوماسي الإفريقي، حيث سيجد الرئيس الصحراوي نفسه أمام قرابة اثنين و أربعين رئيسا وسيحظى حقا بفرصة للسعي لزيادة الضغط على المملكة ، كما أن الإعلام الموريتاني الأكثر قربا للمغرب، أصبح اليوم مضطرا للتعامل مع الأمر الواقع و الذي يفرض الصحراء الغربية كفاعل عربي في الساحة الإفريقية ، فللمرة الأولى يظهر العلم الصحراوي و الذي كان مادة للكثير من وسائل الإعلام ، كما أن حضور الرئيس الصحراوي إبراهيم غالي صنف في إطار الحضور العربي القليل لقمة نواكشوط، و بالتالي فان الصحراء كسبت الرهانين الإعلامي و الدبلوماسي في موريتانيا التي كانت المغرب تعول على دورها في قضية الصحراء طوال السنوات الماضية، خاصة مع انكشاف الدورين الجزائري الداعم و التونسي الذي تبنى الحياد.
الإعلام الموريتاني الذي تفاعل بشكل كبير مع إمكانية حضور ملك المغرب محمد السادس، و عندما نفى القصر الملكي هذا الخبر، أصر أن الأمير مولاي أرشيد أو الأمير الشاب المكلف بولاية العهد سيكون على رأس الوفد المغربي، مخافة إخلاء الساحة للصحراويين النشطين في الفضاء الإفريقي مقارنة بالتجاهل العربي لقضيتهم ، ولكن و بالرغم من تبادل السفراء بين موريتانيا و المغرب في الفترة الماضية يبد أن البلدين الجارين مصران على إبقاء بعض مظاهر التوتير في علاقتهما البينية.
في موريتانيا قيل قديما إن أي "حرب عبارة انتصار لرجل واحد هو الذي يلبس جلباب نصرها إلى الأبد " ، و في الوقت الذي ستغرق فيه موريتانيا في تقييم نجاح القمة الإفريقية التي احتضنت في ما وصف بالتحدي، فان الصحراء ستكون حتما قد حققت ضغطا كبيرا في دعم فكرة دولتها و زيادة أنصار استقلالها خاصة في الشارع الموريتاني -الجار الذي يمثل حاضنة مجتمعية قوية- و هو ما يعني أن الحكومة الحالية التي اعترفت أو تكاد "بجهورية الصحراء الغربية" ستغير موقفها بشكل جدري في أي جولة مفاوضات قادمة، أي ترك المغرب وحيدا في مواجهة الجزائر و الاتحاد الإفريقي و الأمم المتحدة و الذين لا يمانعون كثيرا بل و يظهرن دعهم لمشروع دولة الصحراء المستقلة كليا عن المغرب و ذات المكانة على حوض البحر الأبيض المتوسط (ولهذه الأخيرة ما يكفي من الدلالة) في ظل الاتفاقات الكبيرة التي توقع المغرب مع الاتحاد الأوربي و الذي يملك محكمة مازال لها بعض الضمير في ما يخص الثروات الأولية و الحدود.
إجمالا يراهن المغرب على بعض المواقف الفردية الداعمة لموقفه ولكن عدى عن البعد الجغرافي لهذه الدول و عدم نظرها للقضية الصحراوية على انها تمثل تهديدا لها على أي مستوى، فان هذه الدول لا تولي الموضوع تلك الأهمية كما هو حال المغرب موريتانيا، و بالتالي فان المملكة المغربية عدى عن تشكيكها في مدى جديتها في العودة للجسم الإفريقي، فقد منحت شعورا بعدم الاكتراث بالموقف الإفريقي من القضية التي تمثل مهمازا في الجنوب المغربي و ضربت علاقاته على جميع المستويات مع الجار الأهم في المنطقة (الجزائر) منذ سنين عديدة.