خديعة إثيوبية لمصر.. لا تثقوا في يمين آبي أحمد!

سبت, 06/30/2018 - 11:13

السفير إبراهيم يسري

اختفى ديسالين رئيس وزراء اثيوبيا المنتمي لطبقة الاقلية الحاكمة فجأة ليحل محله جي أحمد المسلم الذي بدأ فور تسلمه السلطة خطوات لطمأنة مصر علي حصتها من مياه النيل وتبلغ 55 مليار متر مكعب في حين أصبح من المؤكد ان سد النهضة سيخصم من رصيدنا اكر من 24 مليارا.

وفي تصرف غريب في العلاقات الدولية تم استحلاف جي أحمد أمام الصحفيين و عدسات التلفزيون  باليمين الاسلامي بان السد لن ينقص اي جزء من حصة مصر ونخشي أن يثق المصريون في هذا القسم استمرارا لخدعة  زيناوي رئيس الوزراء الاثيوبي الأسبق بتوقيعه على بان مع الرئيس الأسبق حسني مبارك و ديسالين الذي خلف زيناوي و يمين جي احمد .

ومما يستكمل هذا المخطط الأثيوبي المتقن أن رئيس الوزراء الجديد بادر بدعوة وفد من اريتريا خصم اثيوبيا اللدود لزيارة اديس أبابا برفقة وفد من الخبراء لبحث سبل انهاء العداء التقليدي بالتلويح لاريتريا بالسلام و بالمعونات السخية وبدء صفحة جديدة من الصداقة و التعاون   ، في خطوة من شأنها تغيير التوازنات في القرن الافريقي و الدول المجاورة واهمها السودان و الصومال .

وازاء هذه التطورات التي تتطلع اثيوبيا لنجاحها يثور السؤال الهام في مصر : هل خسرنا ورقة الضغط الاريترية الهامة علي اثيوبيا؟

و المعروف أن إريتريا تقع كما نعلم على شكل مثلث بين اثيوبيا (١٠٢١ كم) والسودان (٩١٢ كم) وجيبوتى ولها أطول ساحل على البحر الأحمر بطول١٠٠٠ كم  وتتبعها فى مضيق باب المندب مدخل البحر الأحمر ١٢٦ جزيرة معظمها غير آهل بالسكان ولكن لها أهمية استراتيجية كبرى، ويمر بها نهر ستين تكيزى احد روافد النيل الأزرق  ويصب عند عطبرة. و يبلغ تعدادها ٤.٥ مليون نسمة  وهى دولة علمانية وأغلبية السكان المسلمين الأوائل الذين بنوا فيها أول مسجد فى إفريقيا.

 وكانت اريتريا تمثل بالنسبة لمصر و رقة ضغط شديدة التاثير علي اثيوبيا  ومع وجود علاقات قوية بين إريتريا بوضعها المتحكم فى باب المندب المدخل الجنوبى للبحر الأحمروهو ما يدفع مصر الي تحسين وتطوير وتوسيع علاقات التعاون  معها.

ويساعدنا فى ذلك العداء  التاريخية بين إثيوبيا وإريتريا التى بدأت ثورتها للإنفصال عن إثيوبيا ١٩٦٥ والتى قامت إثيوبيا ضدها بحملات إبادة بشعة فى الثمانينيات وحتى بداية التسعينيات إلى أن استقلت عام ١٩٩٣.

وغير خاف أن أزمة المياه التي توشك أن توقعنا بها اثيوبيا والتي تغتال مياهنا وحياتنا تستوجب أن نعض على النواجذ ونبدأ فى إعداد خططنا للحفاظ على حصة مصر من السطو الإثيوبى الوشيك الذى سيؤدى فى النهاية إلى حرماننا من الحق فى الوجود خاصة وأننا أكثر الدول قصورًا فى الموارد المائية، ونعانى حاليًا من نقص فى مياه الرى يتسبب فى جفاف ٣٥٠ ألف فدان سنويا.

وتقول الأرقام إنه عند اكتمال سد النهضة الإثيوبى فإننا سنخسر ١٨ مليار متر مكعب بنسبة٢٣٪ من حصتنا التى خصصت لنا فى الخمسينيات بإتفاقنا مع السودان عندما كان عددنا ٢٢ مليون نسمة وأصبحنا هذا العام نقترب من 100 مليون نسمة أى أن الفرد قد خسر ثلاثة أرباع نصيبه من المياه ناهيك عن قحط فى مياه الرى النيلية مما اضطر الفلاح للاستعانة بالمياه الجوفية ولا يتحمل الوطن كارثة جديدة فى المياه عند اكتمال سد النهضة.

ولن أخوض هنا فى الأسس القانونية والتاريخية لحقنا فى مياه النيل كما استبعد كل ما وضع من متاهات اتفاقية عنتيبى والاتفاق الإطارى وما سمى بالمبادرة،فقد كتبت عنها الكثير وخاصة في كتابي عن اثيوبيا ومشروع سد النهضة ، كما لن اكرر قولي بأن  التفاوض مع اثيوبيا الذى مارسناه فى بيروقراطية باردة أدخلنا فى متاهات لا مخرج منها، حبث لم يضع المفاوض المصرى  فى حساباته أن التفاوض فى العلاقات الدولية ينتهى فى مصلحة الطرف الأقوى أو الذى يحصن نفسه ضد استخدام القوة من الطرف الآخر ونتيجة أى مفاوضات دولية تستند إليه عوامل القوة على الارض، فالقوى  هو الرابح وهذه قاعدة جوهرية فى العلاقات الدولية.

و الشاهد أن  وزن مصر الافريقي الذي كان يتصدر افريقيا فقد بدأ غروبه بعد ان قضي  نظام مبارك علي مكانتنا  فى أفريقياحتي الآن ووضح ذلك  عندما دخل مفاوضات مياه النيل فقد أصبح ظهر المفاوض المصرى مكشوفا وعليه أن يفاوض من موقع الضعف مما أغرى دول المنبع بالتغول على حصتنا بتحريض من قوى خارجية على رأسها أمريكا وإسرائيل، وعليه فمنطق الأشياء أن تخرج مصر خاسرة وتنعدم فرصها فى الدفاع عن حقوقها.

كان علينا اذن كما ناديت مرارا وجهارا أن  نبحث عن مصدر قوة سياسية أو اقتصادية أو قمعية نستند إليها كرادع قوى فى التفاوض و خاصة  فى الأيام القليلة القادمة قبل أن يصبح المشروع الإثيوبى أمرا واقعا يصيبنا فى مقتل. وأذكر هنا بالتصريحات القوية التى أطلقها الرئيسان عبدالناصر والسادات بتحذير إثيوبيا وغيرها من المساس بحصة مصر من مياه النيل بل أزيح اللثام عن أن مصر فى عهد السادات خصصت كتيبة من كتائب الصاعقة للتدريب على التسلل  وتدمير السدود  فى مناطق جبلية على ماكيت يضاهى التضاريس الإثيوبية.

 غير أننا لا ندعو فى الظروف العالمية الحالية للقيام فورا بعمليات عسكرية جوية أو برية لحماية حقوقنا قبل استخدام  ما يعرف فى لغة الإستراتيجية بالردع وجوهره أن توقع فى فكر الطرف الآخر خوف حقيقى بأنه سيعانى من ضرر لا يتحمله إذا تمادى فى المساس بحقوق الطرف الآخر. فهنا لا تستخدم القوة النووية ولكن يجرى التلويح بها. وعليه فإنه يمكن بأسلوب مدروس أن نمتلك أدوات الردع الفاعلة ضد إثيوبيا فى المقام الأول وضد مجموعة دول المنبع.

لذلك يجب ان نتابع عن كثب باهتمام شديد محاولات اثيوبيا لتحييد إريتريا التى تعتبر من دول المنبع و التي صرحت بشكل واضح أنها تؤيد عدم المساس بحصة مصر فى مياه النيل .مما أثار قلق اثيوبيا كما كشف عن ذلك  الموقع الإخبارى المستقل «بيكيا نيوز»، برصد تصاعد الغضب فى أثيوبيا عقب البيانات التى أصدرتها الحكومة الإريترية، بشأن من له الحق فى مياه النيل، وهو الأمر الذى أصبح قضية مستمرة فى السنوات الأخيرة بين مصر وإثيوبيا. وقال مسئولون فى الحكومة الأثيوبية للموقع: إن القضية أدت لزيادة التوتر بين إريتريا وأثيوبيا، واللتين خاضتا حروبا سابقة.

وكان أحد مسئولى المياه فى أديس ابابا قد حذر من احتمال زيادة الحرب على المياه فى المنطقة. وكانت الحكومة الإريترية قد أعلنت عن دعمها للموقف المصرى فى معاهدة  ١٩٥٨ والتى تضمن لمصر حق الحصول على أغلبية موارد مياه النيل فى رسالة سلمها وزير الخارجية الإريترى عثمان صالح، ومستشار الرئيس الإريترى، للرئيس محمد مرسى خلال زيارة الأخيرة.

ورغم ذلك فإن علاقاتنا مع إريتريا ليست على الشكل والعمق الذى يخدم مصالح  الطرفين وعلى مصر أن تبادر بدعوة الرئيس الإريترى للقاهرة وتوقيع اتفاقيات تعاون وتبادل اقتصادى وفنى وثقافى وعسكرى، بما فى ذلك تنظيم زيارات متبادلة ومناورات عسكرية فى مصر وإريتريا. لعلنا نرى هنا بوضوح أن قوة العلاقات والتعاون العسكرى بين مصر وإريتريا ستجبر إثيوبيا على أن تحسب مواقفها جيدا فى علاقاتها مع مصر وخاصة فيما يتعلق بمياه النيل.

وتقول المصادر إن اثيوبيا تسعى في ظل رئاسة مسلم من الارومو  لتحسين علاقتها مع اريتريا ، وهي بادرة تثبت سوء نواياها .

اما إذا فشلت المفاوضات ولم يحقق أو لم يلق الردع مصداقية لدى إثيوبيا فيصبح علينا أن نختار بين كارثة مميته وبين الدفاع عن حقوقنا بكل الوسائل، فبديهى أن نعبئ كل قوانا ضد العدوان دون استبعاد خيار القوة فى إطار حسابات دقيقة ودراسات متعمقة. ويتصل بذلك الإستفادة من الخلافات والعداوات بين دول حوض النيل بعامة وإثيوبيا بخاصة وهنا تبرز أهمية إريتريا.

ومن التطورات التي سبقت مبادرات رئيس وزراء اثيوبيا الجديد  أنه و لأول مرة صرح جنرال مصري محمود خلف و تم بث تصريحاته بالتليفزيون ، بانه لا خيار لنا الا باستخدام القوة لحماية مياهنا وتعاصر حديثه مع هاني رسلان الكاتب بجريدة الاهرام مما يثير التساؤل بعد فشل محاولات لحل التفاوضي و الخطب الرنانة هل اقتنعت مصر أخيرا بحجم الكارثة الكبري وهل تعتزم المضي قدما في حماية مصر بكل الوسائل حتي تصل الي خيار استخدام القوة .

وأكرر ما سبق أن نبهت اليه كبداية سريعة لتحرك مصري وشيك يقابل خطة الخداع الأثيوبي ، متسائلا عن مدى ملاءمة الاسراع في توجيه الدعوة للرئيس افورقى لزيارة القاهرة ؟

*محام و محكم دولى

الفيديو

تابعونا على الفيس