د. شهاب المكاحله
السؤال الذي يطرحه الكثير من المتابعين للقضايا السياسية والاقتصادية في الشرق الاوسط هو: هل عاد الاردن الى الزخم الذي عرف عنه في السياسة الخارجية أم أن الزيارة الملكية لواشنطن لجس النبض وطلب المزيد من المساعدات؟ هل صفقة القرن مرتبطة فعليا بالجنوب السوري؟
تبدو زيارة جلالة الملك عبدالله الثاني لواشنطن ومباحثاته مع الجانب الاميركي ولقائه المنتظر يوم 25 يونيو 2018 في البيت الابيض مع الرئيس دونالد ترامب وكبار المسوؤلين الاميركيين ذات دلالات سياسية وأمنية كبيرة في هذا الوقت. فالزيارة تأتي مباشرة بعد تعهدات عدد من الدول بمساعدة الاردن اقتصاديا، وعقب زيارات لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ومباحثاته في عمان مع الملك عبدالله حول الصراع الفلسطيني الاسرائيلي وقضية القدس، وزيارة المستشارة الالمانية انجيلا ميركل لعمان وبماحثاتها مع جلالته اضافة للقاء جمع العاهل الاردني بجاريد كوشنر، كبير مستشاري الرئيس الأمريكي، وجيسون غرينبلات المبعوث الأميركي الخاص للمفاوضات.
يبدو تعيين العميد سهيل الحسن من الحرس الجمهوري لقيادة عمليات تحرير الجنوب السوري لم يأت مباشرة من الرئيس السوري بشار الاسد بل من القيادة الروسية نظرا لما يحظى به هذا الشخص الملقب بـ”النمر” من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شخصيا. نعم، قرار الحرب إن فشل أصر المسلحون في الجنوب السوري على القتال حتى آخر قطرة دم تم اتخاذه على أعلى مستوى مع إعطاء فرصة للمساعي السلمية لانهاء وجود المسلحين في المحافظات الثلاث لأن روسيا ترفض قطعا ابقاء تلك المحافظات خارج منظومة الدول السورية وتم اعطاء المسلحين الجيش السوري لنهاية شهر اغسطس لانهاء العمل العسكري في الجنوب واستعادة المحافظات الثلاث.
تلك العملية العسكرية مهمة بالنسبة للزيارة الملكية.من مخاوف الاردن الحالية هو ما يجري على حدوده الشمالية مع سوريا واحتمالات التدخل العسكري الشامل لتحرير الجنوب السوري من الجماعات المسلحة تمهيدا لاعادة فتح الحدود. يبدو أن الزيارة الملكية ستركز على تداعيات ذلك الهجوم وخصوصا عقب تصريحات اميركية برفع الغطاء عن المسلحين في المحافظات الحورانية الثلاثة (درعا، السويداء والقنيطرة) بأن لا دعم لهم وأنه ليس أمام تلك القوات المسلحة المعارضة للنظام السوري سوى القتال أو الاستسلام.
مخاوف الاردن مشروعة لأن عملية عسكرية شاملة كالتي بدأت منذ يومين تعني سقوطا سريعا للجنوب السوري وانتهاء تحريره بسرعة كبيرة تجبر عائلات المسلحين الى اللجوء الى دول الجوار (اسرائيل والاردن). وفي هذه الحالة قد يستقبل الاردن قرابة 900 الف لاجئ هربا من تلك العمليات العسكرية في وقت يفكر فيه الاردن بالتحدث للاميركيين عن رغتبه في تفكيك مخيم الركبان واعادة اللاجئين الى قراهم وبلداتهم.
كما أن الملك عبدالله سيصرعلى ضرورة كسر الجمود بين السلطة الفلسطينية واسرائيل من أجل التمهيد لإعادة إطلاق مفاوضات جادة وفاعلة تقوم على أساس حل الدولتين ومبادرة السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية مع اضطلاع الاردن بتلك المهمة. كما أن العاهل الاردني سيشدد على أن مسألة القدس لا يمكن تسويتها إلا ضمن قضايا الوضع النهائي باعتبارها مفتاح تحقيق السلام في المنطقة، مع تأكيده على أن الأردن سيستمرفي القيام بدوره التاريخي في حماية المقدسات الإسلامية والمسيحية بالمدينة من منطلق الوصاية الهاشمية.
لكن هل ستنصت الادارة الاميركية الى الهواجس الاردنية من عواقب غير متوقعه لصفقة القرن بصيغتها الحالية والتي لا تخدم الشعب الفلسطيني والاردني بل تخدم الكيان الاسرائيلي؟
لعل زيارة نتنياهو كانت للتخفيف من حدة قلق الاردن من أن تمرير صفقة القرن بنسختها الحالية يعني المزيد ممن الضغوط الاقتصادية والسياسية والاجتماعية على كاهل الاردن، ضغوطا تزيد من ضغوط مواطنيه الاقتصادية نظرا لأن الصفقة تعني الابقاء على وضع اللاجئين كما هو عليه دون منحهم حق العودة.
جولة كوشنر في المنطقة ما كانت عبثا بل كانت بغرض تمويل بناء دولة فلسطينية بدءا من قطاع غزة بتمويل خليجي ودولي للتقليل من التطرف الذي قد يؤثر سلبا على صفقة القرن ويطيح بها من أول جولة. وفقا لصفقة القرن فإن المخطط يكمن في إقامة منطقة تجارة حرة بين قطاع غزة والعريش في شبه حزيرة سيناء إضافة الى انشاء 5 مشاريع صناعية كبيرة يكون 70 بالمائة من العاملين فيها من الغزيين والباقي من مصر. ثم سيتم انشاء محطة كهرباء حديثة بين قطاع غزة وسيناء ومحطة اخرى للطاقة الشمسية. وفي مرحلة لاحقة سيتم انشاء مطار دولي وميناء بتمويل اقليمي ودولي. وبعدها سيصار الى ربط الحدود السورية والعراقية باسرائيل عبر الاردن من خلال شبكة طرق حديثة تربط هذه الدول عبر الشمال الاردني ناهيك بسكة حديد تمر عبر الصحراء الشمالية الشرقية للاردن من العراق الى حيفا.
كل تلك المخاوف الاردنية المشروعة يحملها الملك الى المكتب البيضاوي في البيت الابيض. فهل يستمع هلا ترامب قبل فوات الاوان؟
واشنطن