سعد ناجي جواد
لا اعتقد ان هناك حاجة، بعد كل ما كتب وقيل عن تزوير الانتخابات العراقية الاخيرة، للعودة ثانية الى الكتابة عن هذه المسالة المشينة، و أصلا لا يوجد ما يمكن ان تضيفه اية كلمات او توصيفات لما جرى، او عن ما شاب هذه العملية من تزوير وفساد. وما يؤلم الكثير من العراقيين، وانا منهم، ان هذه العملية التي أُغدِقَت عليها مليارات الدنانير العراقية، والتي كان بؤساء وفقراء ومهجري و عطاشى الشعب العراقي والمحرومين من الكهرباء والخدمات الاساسية أولى بها، قد ذهبت في جيوب الفاسدين، وكالعادة لا يوجد من يحاسب او يعاقب.
لقد رَكَزَ الاعلام العراقي، ومعه الاعلام العربي، في الفترة التي تلت الانتخابات والاعتراضات عليها، على مسألتين، الاولى هي رد فعل مجلس النواب والنواب الخاسرين، والذي ستنتهي ولايتهما في نهاية هذا الشهر، الا اذا نجحوا في تمديد عملهم حتى ظهور نتائج الاعتراضات و المصادقة على النتائج النهائية. ولا احد يدري كم ستطول هذه المدة. والمسألة الثانية هي رد فعل مجلس القضاء الأعلى على قرارات البرلمان وعلى التزوير الذي حصل. ويبدو ان أصواتا غير قليلة قد رحبت بهذين الحدثين. ولقد فات هؤلاء المرحبين ان رد فعل البرلمان والبرلمانيين الخاسرين لم يكن صحوة ضمير متاخرة، او انتفاضة ضد فساد فاضح او محاولة للإصلاح، وإنما هو في حقيقته صراع بين فاسدين فشلوا في ان يُسَيّروا العملية لصالحهم، وبين فاسدين نجحوا في ذلك. نعم ربما يكون من بين الأصوات القليلة المعترضة من دفعته غيرة وطنية وشعور يحيف كبير لحق بهم، ولكن هذه القلة القليلة لا تمثل الاعم الأغلب من الاعتراضات. ويكفي القول ان تأتي الاعتراضات الكبيرة والصحيحة على اداء (المفوضية المستقلة؟؟ للانتخابات) من قبل البرلمان الذي اصر على اختيارها، وعلى استبعاد الوجوه الكفوءة منها، واستبعاد القضاة من المشاركة فيها، يمثل ادانة للبرلمان الذي اختارها والذي يدين أداءها اليوم.
اما فيما يتعلق بتحرك مجلس القضاء الأعلى فلا يمكن ان يقال عنه ابتداءا سوى انه جاء متاخرا اولا، وثانيا وهو الأدهى، انه جاء كرد فعل على قرارات البرلمان الذي كما ذكرنا سابقا، كان المسؤول الاول عنها. وربما كانت فرحة الغالبية العظمى من العراقيين ستكون اكبر لو جاءت مبادرة القضاء مباشرة بعد ان فاحت رائحة الفساد والتزوير. ولكن كل الدلائل كانت تشير الى سكوت القضاء عن ما جرى والقبول به، وهذا يمكن اكتشافه من مراجعة التصريحات الاولية لأعضاء اعلى هيئة قضائية في البلاد. ثم ان القرارات القضائية التي صدرت فيها محاباة للفاسدين، وأهمها القرار القاضي بإعادة الفرز واعتماد العد اليدوي في المراكز التي تم الاعتراض عليها فقط، وعدم المساس بتصويت الخارج او التصويت الخاص او ذلك الذي يتعلق بالحركة السكانية، في حين ان كل الدلائل تشير الى ان التصويت الخاص و تصويت الخارج والحركة السكانية قد شابهم تزوير كبير وتأثير على النتائج.
وعلى الرغم من كل ما قيل أعلاه، وان اعادة النظر فيه ربما تؤثر على النتائج، هذا اذا ما تمت عملية العد اليدوي بمراقبة واضحة ومحايدة ونزيهة، وبدون تزوير او شراء ذمم او الاستمرار في حرق وإتلاف صناديق الاقتراع، فان التحالفات المختلفة تسير قدما في تكوين الكتلة الأكبر في البرلمان، والتي يحق لها تشكيل الوزارة القادمة. وهذه التحالفات، كالتحالفات التي قامت قبل الانتخابات، ليست مبنية على أسس مبدئية. و تتغير طبقا لمصالح الساعين لها، ويشم منها رائحة تاثيرات الخارج وليس مصلحة العراق والعراقيين. وان كل ما قيل عن محاربة الفساد وبدا عملية الإعمار وإعادة بناء عراق قوي و متمكن ما هي الا كلام، كالكلام المعسول الذي سمعناه من الولايات المتحدة قبل الاحتلال عن بِناء عراق ديمقراطي مرفه اقتصاديا وتُحتّرَم فيه حقوق الانسان، او كلام الساسة الذين حكموا العراق منذ ذلك التاريخ ولحد هذا اليوم، والذي لم ينتج عنه سوى فساد مستشري و حكم محاصصاتي طائفي وتهجير قسري، ناهيك عن القتل و الإهدار اليومي للأرواح العراقية البريئة والزكية. وظلت الوجوه الفاسدة تتسيد المشهد السياسي، ولم نسمع عن احالة فاسد كبير واحد للقضاء، واذا ما تم ذلك فان تبرئته تكون أسرع بكثير من عملية ادانته. لا بل في كل يوم تتعالى اكثر أصوات الفاسدين وتحديهم لمشاعر الغالبية العظمى من العراقيين بدون اي خجل او وجل. وهكذا فان الخلاص الذي يحلم به العراقيون من الكابوس الذي عاشوا فيه سيطول وسيطول حتى تُبادر شرائح المجتمع العراقي ، وخاصة المتضررين والمعدمين الى الانتفاض عليه. لقد اثبتت الوقائع ان الغالبية العظمى من العراقيين قد عزفت عن المشاركة في الانتخابات التي كانوا يعرفون مسبقا بأنها ستكون مزورة، وأن نتيجتها سوف لن تكون إلا تدوير للفساد والفاسدين، وأنهم بمقاطعتهم فضحوا هذه الديمقراطية الكاذبة المبنية على التزوير وعلى ما ترغبه وتخطط له إرادات خارجية لا تأبه بمصالح العراق والعراقيين ، وما مطلوب منهم الان ان يكملوا هذه الخطوة الصحيحة بتوحيد صفوفهم للتخلص من كل هذه السلبيات، فهل سيحدثُ ذلك؟
كاتب عراقي