قنبلة توقيت ظهور “علي عبد الله صالح” في الليلة اليتيمة.. لماذا على هادي والحوثي الاستماع لرجل ميت..

سبت, 06/16/2018 - 07:54

 

منى صفوان

انه اكثر من خطاب وداع لرجل يعيش لحظاته الاخيره، وسط حصار منزله، والقصف الشديد من قبل الحوثيين لاقتحام مسكنه، قبل ان يتمكنوا منه ويقتلوه.

 فوسط هذه الاجواء ارتجل “علي عبد الله صالح” خطابه الاخير، بكل تماسك وشجاعة ، حيث سمع دوي القصف في خلفية الفيديو بينما كان الرجل يرتجل كلمته الاخيرة متماسكا بثبات اعصاب فولاذية.

اراد الرئيس اليمني الراحل ان يوصل رسالته الاخيرة، في خطاب مزج بين براءة الذمة ورؤيته للحل بكل عقلانية ومسؤولية،. لكن لمن كان يوجه الرسالة، قبل ان نجيب على هذه السؤال دعونا نحلل بهدوء اهم مضامين الرسالة.

لاخلاف انه كان شجاعا ، ليس فقط لانه يسجل خطابه في أشد الظروف التي يمكن ان يمر بها رجل، ولكن لانه استطاع في ذلك الوقت مصارحه شعبه بكل شفافية، لمساعدتهم في ايضاح الصورة، والتمسك بالحلول المنصفة التي من شانها انقاذ اليمن. بعد ان تأكد انه قد تم خذلانه من الجميع، وان هذا يجعله يوجه موعضته الاخيرة بان لاحلول تأتي من الخارج، فهل وصلت الرسالة.

فالرجل في لحظاته الاخيرة كان متمسكا بمبدأ الشراكة ، والديمقراطية والحوار بين اليمنيين، لم يعترف بشرعية العدوان الخارجي على اليمن، ولا شرعية السلطة اليمنية الحالية والتي تعمل من الخارج، ولا شرعية المليشيا الحوثية المغتصبة للسلطة ، العابثة بقوت الناس ومقدراتهم.

العمالة والسعودية

كان الرجل في لحظة صدق نادرة، يؤكد عدم عمالته للخارج، واكد وقوع العدوان على اليمن من قبل التحالف العربي ، وان هذه العدوان وان كان سببه الحوثيون، الا انه يجب ان يتوقف ويبدأ حوارا شاملا.

 فبينما كانت السعودية تعلن الحداد على فقدان الرئيس صالح الذي ظنت انه انقلب على الحوثيين تنفيذا لمطالبها، كان هو يلاقي ربه كرجل يأبى ان يخون وطنه، ويقول لنا انه كان صادقا في محاولته الاخيرة لاعادة الامور الى نصابها ، بعد ان تأكد له ان الجمهورية تأكلت ، كانت محاولة اخيرة لتصحيح الخطأ، فان كان قد انلقب على الحوثيين، فانه لم ينقلب عليهم ارضاء للسعودية “كما تم اتهامه من قبل الحوثيين” ، وانما ارضاء لليمن ولمصلحة الشعب، بعد ان تجبر الحوثيون بفسادهم وتعاليهم على مأسي الناس لهذا قال ” لم اكن عميلا لاي دولة شقيقة لقد كنت عميلا وخادما لهذا الشعب” ولم يكن مجبرا على توضيح هذه الفكرة ، الا وهو يصر ان ينفي عن نفسه تهمة العمالة، ويوجه رسالة واضحة بهذا الشان لمن يعتقد ان الخارج يمكنه ان ينقذه.

لعله تأكد في تلك اللحظة ان التحالف السعودي- الاماراتي خذله ولن يتم انقاذه ، وان المعادلة انقلبت وسيطر الحوثيون خلال ساعات على محيط منزله، لكنه لم يوجه اي لوم للشعب، او يتهم الاخرين بخذلانه، لقد كان مقتنعا انه يواجه قدره، علها شجاعة نادرة، لكن هذه هي صورة علي عبد الله صالح الاخيرة.

تهم الفساد

الرجل المتهم بالفساد ، قدم ذمة مالية للشعب، وعمل على ابراء ذمته من سرقة اي اموال، وان ما يمتلكه يضعه في تصرف الممتلكات العامه، انه في هذه السياق يؤكد لنا ان الجميع فاسد، وكلنا فاسدون وجزء من دائرة الفساد، خاصة وهو يستعرض فساد الحوثيين ، وعبثهم بالمال العام، وعدم عبئهم بما يعانيه المواطن المغلوب على امره، وكيف انهم اصبحوا من اغنياء هذه الحرب على حساب الفقراء، عله خطاب متاخر ، لكنه درس يستحق التأمل ممن يعيشون اليوم دور الزعامة وحياة الرفاه.

 وبرغم فضحه للممارسات الحوثيين غير الخافيه على احد، الا انه لم يكن عنصريا تجاه الاسر الهاشمية، وذكرنا بدورهم في قيام الجمهورية وخدمة الوطن، كما انه برر لمن يبعيون ولائهم للحوثين بدافع الحاجة من الضعفاء والمحتاجين. كان خطابه ابعد ما يكون عن العنصرية والتحريض والكراهية، وهي من الامور النادرة في السياق اليمني، لقد كان خطاب وطنيا، ربما يعتذر فيه من اخطائه ويؤكد على وطنيته. لكن السؤال لمن يوجه ومن يجب ان يستفيد منه.

 الرسالة

كان علي عبد الله صالح، ثابتا، يعي كل ما يقول، لم يبدو متوترا او عصبيا على غير عادته، كان يرتدي الملابس التي قتل بها، اي ان التسجيل كان قبل ساعات من مقتله، وكأن القدر امهله ليرسل لنا الرسالة الاخيرة.

 تحدث كسياسي ذور خبرة، في ادارة الدولة والصراعات، وضع لنا وصفة جاهزة لحل الصراع في اليمن، وكأنه يقول ان لم يسعفني القدر لاكون معكم، واصحح الاخطاء التي حدثت، فهذا ما يمكنني ان اقدمه لكم.

تحدث عن اهمية وقف العدوان والحرب ، وبدء حوار شامل، ومن ثم تشكيل مجلس انتقالي ، والاشراف على انتخابات رئاسة الجمهورية والمجلس الاستشاري، ومن ثم انتخاب مجلس النواب، وتشكيل الحكومة.

بكل هدوء وتماسك يتحدث عن مبادرة تشكل خارطة طريق، يؤكد فيها ان لا مستقبل لليمن الا بالديمقراطية ، والمشاركة في الحكم، والحوار، انها رسالة يمكن ان تكون للحلفاء والخصوم على حد سواء، وهي ايضا لمن يرث تركته، واسمه وتمثيله السياسي سواء من عائلة الصالح او من حزب المؤتمر الشعبي العام.

لقد كان علي عبد الله صالح طفرة في تاريخ اليمن السياسي، بكل اخطائه قبل انجازته، ان خبرة ادارة الصراع، والعمل تحت الضغط، واستمالة الخصوم، او التخلص منهم، وتكوين التحالفات ، والانقلاب عليها، تستحق ان تلخص وتدرس لانها جزء من تاريخ اليمن المعاصر.

وهذا الخطاب هو الاهم من كل خطابته، لانه الرؤية الاخيرة للرجل الذي شارك وقاد ابرز التحولات في تاريخ اليمن، ابتداء من رئاسة اليمن في بداية نهضتها، والمرور من منعطف التحولات الكبرى بتحقيق الوحدة ، وتشكيل الاحزاب، والتحالفات، الى الحروب في الجنوب وصعده، ومن ثم التحول الكبير في 2011 بعد تسليمه للسلطه، واخيرا التحول الخطير الذي مكن الحوثيين من السلطة، والى اخر سطر في هذا التحول بالانقلاب عليهم، واشعال انتفاضة انتهت بمقتله.

قنبلة التوقيت

الرجل الذي رسم ونفذ التحولات الكبرى، يأتي خطابه المفاجأة في مرحله التحول الكبير في زمن الحرب : اولا: مع ليلة اقتحام مدن الساحل الغربي باتجاه الحديدة، وهو تحول بالغ الاهمية في تشكيل موازين القوى على الارض ، حيث يفقد الحوثيون واحدة من اهم مواقعهم الاستراتيجية، والتي تعني انحصار جغرافيتهم وحصرهم في جبال الشمال.

وثانيا يأتي الخطاب مع عودة قوات صالح “الحرس الجمهوري” بقيادة طارق صالح، لقيادة هذه المرحلة العسكري الهامة مع دولة الامارات.

ثالثا: مع عودة العلاقات المقطوعة بين عبد ربه هادي ودولة الامارات حيث يسمح له للمرة الاولى بزيارة اليمن كرئيس بعد منعه لاكثر من عام.

رابعا: تاتي مع بدء توحيد صفوف حزب المؤتمر الشعبي العام “في جده” وبدء تحريك الملف السياسي لاحمد علي عبد الله صالح، كوريث سياسي لال الصالح ، بدعم اماراتي، وموافقة سعودية،وتنسيق مع حكومة هادي.

فصالح لم يعترف بسلطة وحكومة هادي، لقد اعتبر ان العمل مع الدولة الشقيقة “عمالة” وقال انا لم اكن عميلا لدولة شقيقة “السعودية” وهي التهمة التي دفع حياته ثمنا لها على يد الحوثيين. الثمن الغالي الذي دفعه مدافعا عن وطنيته، يمنعه من الاعتراف بسلطه يعتبرها عملية.

عدم اعترف صالح بشرعية هادي حتى اللحظات الاخيرة، هو الامر الذي يجعل من الشرعية في هذه المرحلة مرشحة لاعادة ترتيب ، لتنال اعتراف كل القوى بما بينها حزب المؤتمر الشعبي العام . وقيادة الحرس الجمهوري التي يقودها طارق الصالح.

من بث التسجيل وموجه لمن؟

ان المفارقعات والمفارقات التي يحدثها “صالح ” بعد رحيله، لا تتوقف، فهناك توقيت دقيق لاختيار بث هذا التسجيل في وسط كل هذه المتغيرات على الساحة السياسية والعسكرية، مع بدء تحريك المسار السياسي والمفارضات، الذي ينتظر حسم معركة الحديدة.

المسار السياسي الذي بد أ بالتحرك بالتوازي مع تقدم المعركة في الحديدة، دشنت بلقاء هادي وامير ابو ظبي محمد بن زايد، ومن ثم بعودة “هادي” الى العاصمة المؤقتة عدن، التي كانت قد اعلنت مجلسها الرئاسي، فيعود اليها رئيسا بعد اكثر من عام قضاها في الرياض.

ولكن الليلة التي عاد فيها “هادي” واراد ان يخطب في الجماهير كرئيس لليمن، ظهر له علي عبد الله صالح. فكان صالح هو الحدث.

 وهي ذاتها الليلة التي وجه فيها عبد الملك الحوثي خطابه الرمضاني الاخير في الليلة اليتيمة، متحدثا الى رجاله للثبات في ارض المعركة في الحديدة ، حيث تسحب الارض من تحت اقدام الحوثيين.

وبرغم ان “هادي” و”الحوثي” وجه كليهما خطابا للشعب اليمني، ان الان “صالح” سرق الحدث، وقدم رسائل مهمة يجدر بهادي والحوثي الاستفادة منها.

 فالرجل قد غادر بخيره وشره، بكل ما فعله، وبكل اخطائه، ومن هنا تأتي اهمية قراءه رسالته بعيدا عن العاطفة او الغيرة.

فهو لا يؤسس لتوريث عائلته في هذه الخطاب، بقدر ما يحاول ابراء ذمته من الخطاء الذي ارتكبه بمساعدة هادي والحوثي بالاستيلاء على السلطة، فقد كان صالح هو من سلم السلطة لعبد ربه هادي طواعية في 2012 ، وهو من وقف مع عبد الملك الحوثي في انقلابه في 2014

المفارقة انها ليلة عودة “هادي” كرئيس مستند على دعم الخارج ، و ليلة ظهور الحوثي منهزما، حيث تسحب من تحته اهم المواقع الاستراتيجيه، لذلك فعليهما، هادي والحوثي كاصحاب قرار فاعلين ، الاستماع لرجل ميت.

رسالة الرجل الميت فيها من العبرة، وفيها من الخبرة، ما يجدر برجلين يقرران مصير اليمن الاستماع اليه ، حيث يثبت الواقع ان المعارك لاتحسم حربا، وان الحرب لاتحسم صراعا.

فحتى وان سيطر تحالف الشرعية على الحديدة، فان هذه جولة في حرب طويلة، لاتضمن ان يسلم فيها الحوثي، ولا ان لايحاول استعادة المنطقة او محاصرتها او قصفها، خاصة ان الحرب تمتد الى الاقليم حيث تطلق الصورايخ الى الرياض وتهدد بها ابو ظبي.

حريق اليمن يزداد اشتعالا، ولغة العقل والحوار وسط اجوء التحريض والكراهية اصبحت محالا، واني استغرب ان تأتي من رجل يواجه الموت على يد خصومه، ففي لحظات كهذه والقصف يدك منزله، كان يدعو للحوار، فلم يتحدث عن اجتثاث الحوثيين او اقصائهم او يحرض ضد الهاشمين

 فقد كان يقدم خطابا مسؤولا وطنيا من الطراز الاول، بعيد عن الحقد والانتقام، برغم انه في وقت ووضع ابعد ما يكون عن اجواء الحوار.

لكن “صالح” الذي قتل في منزله على يد الحوثيين، وهو يتحدث عن فسادهم وطغيانهم ، ويتحدث عن العدوان الخارجي والعمالة، كان ينصح الحوثين بان يلتفتوا لمعاناة الناس، وينصح السياسين بالمحافظة على الدولة الوطنية المعتدلة ، واستقلال القرار الخارجي، وان الجميع عليه ان يكون خادما للشعب، علها خلاصة التجربة بخيرها وشرها.

الشعب هو الذي يدفع ثمن الانتقام ، والصراع على السلطة، والاطماع الخارجية، والموقع الاستراتيجي، يدفع ثمن الشحن الطائفي، ونزعة التسيد والطموح للزعامة، يدفع ثمن الخيانة والعمالة.

ان رسالة رجل ميت كانت فعليا تتحدث عن المصلحة العامة، وان جاءت في الرمق الاخير، وبعد الخسارات الكبرى، والاخطاء الفادحة، لكن هل يجب تكرير اخطاء صالح .

 انها رسالة ومبادرة تستحق النقاش، وقراتها بعمق بعيدا عن التشيع بصالح او التهوين من خطابه. انه خطاب فارق في التاريخ السياسي، يؤكد اهمية الشراكة ، والاتزان السياسي، وتكوين نظام معتدل، انه يقدم نصائح حتى للخصوم ، ووصفة جاهزة لحكم اليمن، لذا وجب على الحوثيين والاحزاب وهادي اخذ الخطاب بجدية,

الليلة اليتمية من خلفها

ان التوقيت في الليلة الاخيرة في رمضان على رصيف تحولات جديدة في مسار الحرب، ليست مجرد صدفة قدرية، انها رسالة موجهة ايضا ممن احتفظوا بهذا الشريط، وانتظروا كل هذا الوقت، ومن ثم اختفوا معه، واخيرا ظهروا، وقد نسقوا مع قوى مختلفة، وكانوا جزء من قيادة المعركة .

 وقرروا اظهار التسجيل في هذه التوقيت، وهنا يبدو الحديث واضحا بما فيه الكفاية، ويوضح كيف اختفى طارق صالح وكيف ظهر حيا ولماذا، ومن الذي يقف خلفه الان ، اي من هو المرسل او المنسق العام.

 ومرة اخرى على “هادي” و”الحوثي ” قراءة رسالة “صالح” جيدا وايضا رسالة المرسل الذي اختار هذا التوقيت. اعتقد وصلت الرسالة .

كاتبة يمنية

الفيديو

تابعونا على الفيس