د. نادية حكيم
كان ملفا ليصبح اتفاقا بعد اثني عشر عاما من المفاوضات المضنية ،و ليتحول مرة أخرى الى ملف بجرة قلم وضعته الادارة الأمريكية الجديدة ،و التي رأت أن الاتفاق النووي بصيغته الحالية يمنح ايران حقوقا شرعية أكثر مما تستحق وتمكنها من ترميم بيتها الداخلي المنهك بعد سنوات الحصار مما سيقودها الى القيام بخطوات تصعيدية مناوئة على الساحة الاقليمية، و خاصة بالعلاقة مع اسرائيل و بقية دول الخليج بما لا يتناسب مع اهداف و مخططات الادارة الأمريكية في المنطقة، و خاصة على ضوء التطورات التي جدت على الساحة السورية ،و نعني بالذات اطلاق صواريخ ايرانية باتجاه اهداف عسكرية اسرائيلية انطلاقا من الأراضي السورية كرد على الاستفزازات الاسرائيلية الموجهة لايران و المتمثلة في قصف مواقع عسكرية ايرانية متواجدة في سورية و التي يشكل تواصل وجودها على الحدود مع الكيان الصهيوني و بالنسبة له و للولايات المتحدة منكرا لا يمكن السماح به على اعتبار أن أمن اسرائيل هو أولى المسلمات في السياسة الأمريكية . وضع التطورات السابقة الى جانب تاريخ العلاقات بين الدولتين يوحي بوجود شيء من العشق الحرام بين أمريكا و ايران .أمريكا تعشق الوجود الايراني بمخاطره و تهديداته “المواربة” سواءا على المستوى الخليجي أو السوري، و لكنها تريده وجودا تملك هي العصمة فيه. أمريكا تضع ايران على رأس قائمة “محور الشر”، و تستميت لقطع الطريق عليها لمنع تطوير سلاحها النووي، و لكنها في نفس الوقت لا تريد لمباحثات الاتفاق النهائي للملف النووي الايراني أن تنتهي قبل أن تنتهي هي من عملية ابتزاز دول الخليج .امريكا عقدت قرانها السري على ايران عندما تعلق الموضوع بعراق صدام حسين و ما يعد صدام حسين ،عندما وضعتها في مواجهته و حربه معها شكل استنزافا للكثير من مقدرات العراق الذي كان يشكل انذاك مع دمشق نواة للقومية العربية سياسيا فكريا، حضاريا و حتى معنويا، و لكنها ترمي عليها طلاقا باتا عندما يتعلق التهديد بالكيان الصهيوني ابنها المدلل، و حينها تضع أمام ايران لافتة (قف) ضخمة!!..أمريكا تعشق ايران كفزاعة تحركها في وجه دول الخليج كلما عنت لها ضرورات ابتزازها عبر التضخيم الممنهج لما يسمى التهديدات الايرانية ،سواءا على المستوى الديني بطموحاتها بمد شيعي، أو على المستوى العسكري بتطويرها للتكنولوجيا العسكرية ،او على المستوى الجغرافي بتهديدها لحدودها البحرية و لمصالحها في منطقة الخليج العربي.
أما بالنسبة لايران التي دأبت على المناورة بمنتهى الصبر و الدهاء الفارسيين اللذين مكناها من اقناع العالم و اوروبا خاصة بسلمية برنامجها النووي ،فانها لم ترضخ يوما للمحاولات الأمريكية لادخالها بيت الطاعة و لكنها كثيرا ما التقطت الرسائل الأمريكية المشفرة بخصوص قضايا اقليمية ذات مصالح ثنائية الأبعاد بينهم. فكان أن طورت قدراتها العسكرية لمرحلة القدرة على الردع و على التهديد حتى لو كان مبطنا، متكئة على أمن غذائي و صناعي و جبهة داخلية متماسكة.و خارجيا نسجت خيوطا لتحالفات استرتيجية خاصة مع روسيا و سوريا و بمستوى أقل تركيا ،و مدت أذرعها العسكرية باتجاه الداخل الفلسطيني بدعمها لحركة حماس، و باتجاه لبنان بدعمها لحزب الله ،مؤسسة بذلك نقاط ضغط يحسب لها الف حساب قبل القيام بأية تحركات معادية لها.عدا عن محاولاتها الأخيرة عزل القرار الأوروبي عن الأمريكي بخصوص برنامجها النووي بالاقناع تارة و بالتهديد طورا بالعودة الى تخصيب اليورانيوم بمستويات عالية ،مما خلق تناقضا بين الموقف الاوروبي و الأمريكي هذا ان اعتمدنا حسن النوايا ،و الا فالتباين بين الموقفين قد لا يعدو ان يكون حلقة في مسلسل (تقاسم الأدوار) الممجوج و المعتمد هنا لعدة أسباب، أولا : لامتصاص ردة فعل ايرانية غير متوقعة خاصة أن ايران عودتنا دائما على أنها تحمل جيوبا سرية في سترتها. و ثانيا: لتبقى الجبهة الايرانية بكل تهديداتها المزعومة مفتوحة و مغلقة في ان واحد ،و لتبقى المنطقة دائما قي حالة اللاحرب-اللاسلم باعتبارها الضامن الرئيسي لسباق التسلح (الذي يكاد أن يتحول لنووي) بكل ما يعنيه هذا من عائدات مالية هائلة لمصنعي و مصدري السلاح .
المنطق يقترح انحياز أمريكا الى الجانب الخليجي ضد ايران كنتيجة حتمية للعداء الذي تكنه ايران للأمريكان والغرب ،و لكن بعض الوقائع تشي بعكس ذلك بدلالة أن الخليج على الخرائط الأمريكية ليس خليجا عربيا و انما…فارسيا .
كاتبة تونسية