كثيرًا ما أفكر في موضوعات بعيدًا عن السياسة.. حيث بتنا نخوض في بحار من الدم في كل الاتجاهات، وبتنا نبحث عن مساحة خضراء بعيدًا عن الدم والكراهية، أحيانًا نوفق وفي أغلب الأحايين نرجع بذات الوجع والألم من رؤية الأشلاء والدماء وبحار الكراهية.
شغلتني خلال الأيام الماضية قضية تفوّق الدراما التركية على الدراما العربية عامة والمصرية خاصة.. وهو تفوّق لا تُنكره عين، فالجميع بات يتابع المسلسلات التركية بشغف واهتمام.
طرحت السؤال على أكثر من زميل في الصحيفة، وكانت الإجابات مبتسرة ولا تروي ظمأ.. وأخيرًا اتجهت إلى الزميل عنتر السيد، ورغم أنه غارق في ديسك الأخبار حيث البراميل المتفجّرة والرؤوس الطائرة.. حرصت على أن أستمع لرأيه بحكم تخصصه في الفن بصورة عامة وعمله بالمجلات الفنية المصرية المُتخصصة.
الزميل عنتر أعدّ لي مقالة رصينة تحت عنوان "لماذا أحبّ العرب الدراما التركية؟" يقول في مقدمتها إن المسلسلات التركية حققت نجاحًا لافتًا على المستوى العربي واستطاعت في السنوات الأخيرة أن تستقطب جماهير غفيرة؛ نظرًا لمستواها الجيّد واعتمادها على مناظر طبيعية لافتة وسيناريوهات ذات حبكة درامية معقدة ومثيرة وأداء متميّز لنجومها، فضلاً عن الدبلجة الرائعة لنجوم الدراما السورية واللبنانية الذين تخصصوا في الأعمال التركية، وأيضًا لقربها الدرامي من طقوس وعادات المجتمعات العربية والإسلامية.. ويضيف: تلك العوامل وغيرها جعلت للدراما التركية موطئ قدم على الشاشات العربية، بل نجحت قنوات بتواجدها.. وحتى وقت الأزمة التركية المصرية مؤخرًا ورغبة القنوات المصرية في مقاطعة المسلسلات التركية إلا أنها لم تفلح.
يقول الزميل عنتر السيد إن نجاح المسلسلات التركية لم يأتِ من فراغ بل هناك عوامل أخرى ساعدت في ذلك، كان أهمها انتشار الدراما السورية وتراجعها بعدما كانت في سباق مع الدراما المصرية وصلت حدّ التفوّق، ولكن نظرًا لما حدث في سوريا في السنوات الأربع الأخيرة، وهروب الفنانين إلى أقطار عربية مختلفة وأيضًا تراجع الدراما المصرية كمًا ونوعًا في سنوات ما بعد الثورة أيضًا.. كل هذه الأسباب أفسحت المجال لتفوّق الدراما التركية التي اعتمدت على مقوّمات كثيرة لنجاحها، إضافة إلى كونها قريبة الشبه بالمسلسلات العربية الاجتماعية مثل مسلسل "فرصة ثانية"، وقد نجحت تلك الدراما بالدبلجة أكثر من نجاحها بالترجمة؛ لأن المشاهد العربي تعوّد على ذلك.
وفي اعتقادي - يقول الزميل عنتر - أن من أبرز مقوّمات نجاح الدراما التركية هو أداء الممثلين السوريين واللبنانيين الذين تخصصوا في الدبلجة لأنهم يقدّمون تلك الأعمال بمعايشة شبه تامّة وكأنهم يُمثلون المشهد أمام الكاميرا وليس خلف الميكروفون.
ولا شك في أن الدراما التركية استطاعت أن تستغلّ الفراغ الدرامي العربي وضعف الدراما العربية وقله المُنتج منها وغياب المنافسة العالميّة.
-