نادية عصام حرحش
بينما أكتب عن رزان، أخشى أن أنضم لقوافل الرياء في ابتذال الشهداء واستخدامهم لمآربهم الخاصة. ولكن رزان كانت حالة تشبه ما يريده الغزيون من العالم رؤيته من غزة.
ايمان بالحرية حتى الموت.
ايمان بحق القضية حتى الموت.
ايمان بأن الانسان يعيش حرا أو يموت ليصير ملاكا محلقا في سماء حرة.
سماء لا تكبلها حواجز، ولا تخترقها رصاصات ولا قصف مدافع.
رزان النجار ….مثال جديد في درب البطولات الباقية.
شابة دخلت العقد الثاني من عمرها بقرار واضح ومدوي :
“” راجع ومش متراجع …وارشقني برصاصك ومش خايف…وإذا كل يوم هكون بأرضي سلمي وبأهلي حاشد ..مستمرون..”.
هذه الكلمات كانت آخر ما كتبته الشهيدة الملاك رزان النجار على صفحتها بالفيسبوك.
منذ بدء مسيرات العودة، حددت رزان وجهتها في اختراق المنطقة صفر من المواجهة لإسعاف المصابين والشهداء….ولم يمنحها القدر وقت أكثر لتنضم الى قافلة الشهداء.
صور رزان بزي التمريض الأبيض ووجهها المشرق الجميل تجتاح مخيلتي. هل نالت هذه الشابة مبتغاها؟ أموتها بالفعل شرف واستحقاق ووسام بطولة سترفع عائلتها به رأسها بشموخ؟
هل كانت رزان في حياة سابقة فلورنس نايتنجيل او نسيبة المازنية ؟ وها هي تلحق بمثيلاتها في ركب الجنان البعيدة عن هذه الأرض البغيضة؟
قبل لحظات فقط من ارتقائها، كانت رزان تقاوم من أجل هدف قررته لنفسها . أن تبقى في خط المواجهة لتسعف الجرحى حتى الرمق الأخير … وكان لها ذلك.
“يا عمر ورد ضاع في مسك وطيب” كلمات رثاها بها أحد الباكين على فراقها لهذه الدنيا. ماذا كانت ستكون هذه المرأة الشابة لو بقيت على قيد الحياة؟ اذا ما كانت وبهذا العمر الصغير بهذه الجرأة والشجاعة والمقدامية. بسالة واضحة،وتقدم نحو انقاذ حياة الاخرين بلا تردد.بهكذا أناس تحرر الاوطان .
وفي رثاء عقيم، قد يكون أبسط ما نقدمه هو متابعة لجنازة من بعيد، متمنين الا تختطف في جسدها الطاهر من أجل علم فصيل،والا يتقاتل على نسب بطولتها حزب قبل نقلها لمثواها الاخير.
“أفتخر باني فلسطينية” كلمات رددتها رزان .
ربما كلمات رزان للعالم على صفحتها أبلغ ما يقال
فعندما نزلت للمسيرات كتبت ” ما كان للحسناء أن تنزل ساحة الجهاد لو كان بين حكام العرب رجال”.
وفي حرب المزاودات كتبت رزان : ” لكل الناس اللي بتزاود ع مسيرة العودة وسلاح المقاومة وع الطواقم الطبيةوالصحافة ..احنا بنروح ع السلك بدون ما حد يجبرنا ولما يصير علينا اشي احنا بنتحمل الوجع مش انتو لهيك كل واحد بحكي ع الشباب اللي بتتصاوب وبتستشهد ع السلك يسكت. “
لا أجد كلمات تعبر عن شعور الحزن مع كل شهيد يرتقي بإذن الله الى عالم به عدل ونعيم في جنانه. رزان ورفاقها يصرون على الحرية . يصرون على ان للحياة معنى فقط اذا ما عشناها من اجل قضية.
وكانت قضية هذه الصبية واضحة . قضية نعيشها نحن الفلسطينيون ولا نزال نحلم رغم انعدام الامل وضياعا لفرص وخسارات تتكرر لابطال ستخلدهم ذاكرتنا ويبقوا …ويبقى مع ذكراهم خيط من فيض أمل لحرية حقيقية. لعدل بلا ظلم . لفك حصار وحياة كريمة لوطن لا يزال ابناؤه الصالحين على عهد بالموت والحياة في سبيله.
وطن يخرج من رحم نسائه ملائكة .
وطن تودع الامهات فيه ابنائها ….ويعودون شهداء…
وعادت رزان….شهيدة
اختم بمنشور للصديق جبرا الشوملي في رجاء أخير:
” لا تقتربوا من رزان
رزان ليست حورية لأحد منكم
رزان ممرضة الله
الله الذي أصابته رصاصة غادرة على الأسلاك في غزة..”.