الْيَوْمَ انفو :
د. حسين البناء
يبدو بأن الأمور باتت على وشك بلوغ (مرحلة الصدام المباشر) مابين الحكومة و كافة شرائح و فئات و تنظيمات المجتمع الأردني؛ فلقد تحمَّل الفقراء في غضون آخر سنتين ما جعلهم يقفون على عتبة القول (بلغ السَّيل الزُبى) ، ويبدو بأنَّ (مجلس النواب) وفي حال مرَّر القانون ( ولو بتعديلٍ طفيفٍ) سوف يجعله مُصطفًا إلى جانب الحكومة في نظر الجماهير التي ضاقت بجملة لا تنتهي من الأعباء الضريبية التي لم تذر شيئًا إلا و رفعت من سعره بنسبٍ ملحوظةٍ وباتت تؤثر سلبًا على (القدرة الشرائية) للطبقة الكادحة و حتى متوسطة الدخل.
قانون الضريبة هذا، (والذي ستقدمه الحكومة للبرلمان) يمثل حالة متقدمة من فلسفة (الجباية) التي لم تستطع (أدمغة) البيروقراطية بكامل قدراتها من إيجاد حلول أكثر إقناعًا وعملانية وأقل (آثارًا سلبيةً) على مؤشرات الاقتصاد الوطني في المدى المتوسط؛ ففي حال تم إقرار هذا القانون بصيغته الحالية أو المعدلة (وهذا واردٌ جدًا) فإنَّ جملة (عواقب بالغة السوء) سوف تضرب بالمؤشرات الاقتصادية (الكلية و الجزئية) بشكلٍ يستحيل إصلاحها على المدى القريب والمتوسط، بدءًا (بالميل الحدي للتوفير) والذي سوف ينهار بشكلٍ دراماتيكي نتيجةً لذهاب غالب الدخل للإنفاق الاستهلاكي، كما أن (القوة الشرائية) سوف تهبط مؤشراتها بشكلٍ ملحوظٍ أمام ارتفاع الأسعار وتآكل الدخل نتيجة التضخم و تعدي (العبء الضريبي) على جزء من الدخل القابل للإنفاق مم يُعقِّد الأمر أكثر، كما أن (جاذبية الاستثمار) لن تبق كما هي الآن؛ حيث أن هذا القانون بات يُرتِّب تبعات وأعباءً ماليةً و عقوبات جزائية وتعقيدات إجرائية لا يمكن لمُستثمرٍ القبول بها وخاصةً بعد أن تأكدت حالة (انعدام الاستقرار الضريبي والتشريعي) في السنوات الأخيرة، والأخطر من ذلك هو: (التوغل أكثر) في حالة (الركود التضخمي) والتي ولج فيها الاقتصاد الوطني منذ عامٍ كنتيجةٍ طبيعيةٍ لجملة التضخمات السعرية من الضرائب وبدون تنمية (مؤشر الطلب) كنتيجة لكساد (سوق العقار) و تراجع (تحويلات) المغتربين و تراجع (الهبات والمنح) الأجنبية. وعلاوةً على ذلك فمن المتوقع كساد سوق (السلع الكمالية) أمام عجز المستهلك عن توفير الأساسيات في حياته اليومية وخاصةً للطبقة الفقيرة و متوسطة الدخل.
باختصار، إن المَبالغ التي تتوقع الحكومة جَنيها من (حزمة الجبايات الضريبية) سوف تكون أقل كثيرًا مما تَتصَوَّر؛ لأن ركود السوق و تراجع النشاط الاقتصادي و (إغلاق آلاف) المؤسسات صغيرة و متوسطة الحجم (نتيجةٍ للكساد) سوف تُحرِم الخزينة من ملايين الدنانير كانت تجنيها سابقًا.
بكل أمانة و موضوعية، إن (صاحب القرار الاقتصادي) اليوم بات في موقفٍ لا يُحسد عليه؛ فلقد تعقَّدت الأزمة وتعمَّقت، وتحولت من (مالية) إلى (اقتصادية) ثم إلى (أمنية) و ها هي تتحور إلى مواجهة مجتمعية مُسيَّسة، وقد يكون (إضراب النقابات) بداية الصدام المباشر، حيث أن الجميع يشعر اليوم بأن مصالحه مُهدَّدة وأن (نهج الجباية) لن ينفك أبدًا، ومُن يَسيرُ في شوارع (العاصمة عمُّان) والمدن الرئيسة (كإربد و الزرقاء) يلامس مستوياتٍ ملحوظةٍ من الركود والتذمر من سوء الأحوال الاقتصادية و التي يلمسها التاجر بتراجع المبيعات، و تعثر التحصيل للديون والعجز عن الوفاء بالالتزامات.
تقديم الحكومة (لمشروع القانون المعدل) للبرلمان سوف يشكل اختبارًا حاسمًا للثقة بين الشعب و البرلمان، و هذا بدوره سيشكل تصعيدًا للأزمة بين الحكومة والجماهير. أما النجاح الملحوظ للإضراب الذي دعت له النقابات فهو تطوّر نوعي لبوادر المواجهة بِحُلتها الجديدة.
كمتخصصٍ في الشأن العام السياسي والاقتصادي الأردني، فإنني لم أشعر بمثل هذا التوجس من قبل؛ فمن شبه المؤكد بأن الأمور في طريقها إلى مزيدٍ من التطوُّر.
أكاديمي وكاتب