الحماقات لا تأتي فرادى في اليمن

سبت, 05/26/2018 - 21:49

  صبحي حديدي

 أبت الطبيعة، متمثلة في إعصار ميكونو، إلا أن تشارك في مأساة اليمن المفتوحة، فضربت جزيرة سقطرى التي تعاني أصلاً من أهوال بني البشر، بعد أن أُدخلت في دوائر الصراع الدامية التي تجتاح اليمن للسنة الرابعة على التوالي. «المجتمع الدولي»، هذا المسمّى الذي ليس له من اسمه نصيب صادق، لم يواجه الطبيعة العاتية على أيّ نحو يخالف عجزه عن الحدّ من الكوارث الأخرى التي تُنزلها القوى المتصارعة بهذا البلد الضحية.
وبين مدّ وجزر على الجبهات العسكرية، و«انتصارات» ملعلعة يعلنها الحوثي تارة أو «التحالف» طوراً، وقرارات يتخذها الرئيس عبد ربه منصور هادي لا تتجاوز صيغة الحبر على ورق، ومقترحات كسيحة يسوقها المبعوث الأممي الجديد مارتن غريفيث، واختلاط أوراق سياسية وقبائلية ومناطقية ومذهبية… ينحدر اليمن أكثر فأكثر نحو درجات أشدّ فظاعة في هاوية القتل والدمار والأوبئة والمجاعة.
ويوماً بعد آخر تتكشف مظاهر إضافية لا تثبت فشل المغامرة العسكرية الحمقاء التي هندسها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ولا تبرهن على وصولها إلى طريق مسدود، فحسب؛ بل كذلك على أنها تنقلب ضدها، وتنتج عواقب معاكسة تماماً، على أصعدة عسكرية وسياسية، في اليمن والمملكة ذاتها، وعلى صعيد إقليمي أيضاً. ومؤخراً كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» النقاب عن اضطرار الرياض إلى استخدام عناصر عسكرية أمريكية لمواجهة الحوثي، وكأنّ المليارات التي أنفقتها السعودية على عقود السلاح الفلكية مع أمريكا لا تكفي لسدّ الثغور؛ أو كأنّ الخلاص من ورطة المستنقع اليمني لا يأتي إلا من «القبعات الخضر» الذين أرسلهم البنتاغون، حصرياً!
ولأنّ الحماقات، على شاكلة النكسات العسكرية، لا تأتي فُرادى في مغامرة بن سلمان اليمنية؛ فإنّ المملكة هللت لقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي الغربي مع اليمن، واعتبرته هزيمة نكراء للخصم الإيراني. ولقد تغافل ولي العهد، أو مَن يقوم بنصحه من عباقرة تحليل المشهد الجيو ـ سياسي في المنطقة، أنّ مدن المملكة ومطاراتها ومنشآتها النفطية قد تكون الضحية الإقليمية الأولى لقرار ترامب؛ ليس عن طريق إيران أو قواتها الرسمية الضاربة، مثل «الحرس الثوري» أو «فيلق القدس»، بل عن طريق صواريخ الحوثي المعتمدة على تكنولوجيا فقيرة متدنية، ولكن الكفيلة بإثارة الهلع والاضطراب حيثما سقطت.
طريفة في المقابل، ولكن على نحو قاتم السواد أخلاقياً، تلك المعركة القضائية التي تخوضها الحكومة البريطانية في مواجهة منظمة «الحملة ضد تجارة الأسلحة»؛ التي حصلت مؤخراً على حكم بحقّ الاستئناف ضدّ قرار سابق للمحكمة العليا، أجاز للحكومة منح تراخيص بيع معدات حربية مختلفة بقيمة 4،6 مليار إسترليني. والقانون البريطاني الذي سمح للقاضيين اللورد إروين واللورد فلوكس بقبول الطعن وإحالة القضية إلى الاستئناف، هو ذاته القانون الذي استند إليه قضاة المحكمة العليا حين قدّروا أنّ تصدير أسلحة بالمليارات إلى السعودية لا ينتهك حقوق الإنسان (أحد أهمّ الشروط اللازمة لمنح الترخيص)، حتى إذا تسبب استخدام تلك الأسلحة في مقتل 6،000 طفل يمني!
ويبقى أنّ الخلاصة الكبرى، في أية مقاربة منصفة للملفّ اليمني، هي تلك التي تقول لولي العهد السعودي: يداك أوكتا، وفوك نفخ! لقد توهمت المملكة أنها تستطيع ضرب جماعات الإخوان المسلمين في اليمن بالحوثيين، وتنفيس الانتفاضة الشعبية عن طريق إعادة احتضان علي عبد الله صالح، وتعطيل السيرورة السياسية بوسيلة تطويع هادي وحكومته؛ ثمّ ترميم الانكسارات والنكسات المتعاقبة، التي توجّب أن تنجم عن هذه التقلبات، بمشروع عسكري هائل توهم بن سلمان أنه سيكون مزلزلاً ماحقاً وساحقاً.
.. حتى تكشف الوهم عن انقلاب السحر على الساحر؛ فما عاد ممكناً للنكسات بعدئذ، أسوة بالحماقات، إلا أن تأتي جماعات، لا فُرادى!

الفيديو

تابعونا على الفيس