عبد الكريم الحر
يذكر راتب الحوراني في كتابه "مفهوم الحرية في التاريخ" قولة للفيلسوف والمؤرخ اليوناني هيرودوت وهي: "أن الدفاع عن جدران المدينة هو واجب مقدس". فقديما لم تكن تشكلة الدولة كما هي الآن بل كانت الدولة تطلق على مدينة كمدينتي إسبرطا وأثينا، واللتان كانتا تعرفان باسم المدينة الدولة. "فالمواطنة في الديمقراطيات تتطلب مشاركة المواطنين، والكياسة المدنية، وحتى الصبر، يعترف المواطنون الديمقراطيون بأنه ليس لهم حقوق وحسب، بل بأن عليهم واجبات أيضا... وأن الحكومات القائمة من الشعب تتطلب اليقظة الدائمة والدعم من الشعب" هكذا كما جاء في ميثاق الأمم المتحدة المتعلق بمبادئ الديمقراطية وعناصرها في فصل مسؤوليات المواطن.
يحيلنا هذا إلى المسؤولية وأهميتها في ترسيخ النظام الديمقراطي، هنا يبرز دور المثقف الذي عليه توعية المواطن، فهانس جوناس Hans Jonas يعتبر أن المسؤولية الحقيقية هي مسؤولية المثقف وليست المسؤولية القانونية مع أهميتها فأصل المسؤولية هو المبدأ الأخلاقي، ولا يسن قانون دون إحساس ضميري بمبدأ المسؤولية كحافز ذاتي وجماعي. وهي نفس الفكرة التي قال بها جان بول سارتر، الذي يعتبر "أن مهمة المثقف هي إزعاج السلطة".
ففي موريتانيا مثلا تتضارب المسؤوليات وتتلاشى المواطنة، بفعل غياب شبه تام للسلطات وهو ما شكل عائقا امام تجسيد قيم الديمقراطية، والذي يعتبر وجود الحكومة ومشاركة المواطنين من أهم عوامل تجسيدها، فلا السلطة التزمت بما جاء في الباب الأول من الدستور المعنون ب: أحكام عامة ومبادئ أساسية، المادة2 أي أن "الشعب مصدر السلطة وأن السيادة الوطنية ملك للشعب". ولا الشعب كان ملتزما بالنص الذي ورد في الدباجة، "يعلن الشعب الموريتاني اتكالا على الله القدير على ضمان حوزة أراضيه واستقلاله ووحدته الوطنية والسهر على حرية تقدمه السياسي والاقتصادي والاجتماعي". فغياب التكامل بين المواطن والحاكم سبب فراغا كبيرا في بلورة وفهم "|الوطن" الذي يعتبر الخطوة الأساسية لتجسيد المواطنة، لأن المواطنة تحتاج للوعي بالوطن كشرط لا غنى عنه لتحقيق المواطنة، إضافة إلى تخلي مثقفينا عن أدوارهم وعدم التزامهم بها، وتناسيهم لمسؤولياتهم التي يلخصها المفكر الإيراني علي شريعتي في كتابه "مسؤولية المثقف" في قوله "إن مسؤولية المثقف تكمن في معرفة ظروف ومشاكل مجتمعه والبحث عن حل لها" وهو الشيء الذي فشل السواد الأعظم من المثقفين الموريتانين في تجسيده وتحقيقه.
وهكذا إذا رأينا ان كونك مواطنا في دولة ما، هي تكليف قبل أن تكون تشريفا، بفعل ما تحمله الكلمة من واجبات، لكن هذه الواجبات لا يستطع المواطن تأديتها دون توفير جو يسمح له بالقيام بواجبه عبر قنوات صيانة حقوقه أي وجود جهاز سلطي فعال مع مراقبة ودعم من مواطنيها.