اليوم انفو : فوجئت الأوساط الإعلامية في منطقة الخليج والوطن العربي بنبأ استقالة الزميل ياسر ابو هلاله، مدير قناة “الجزيرة” الإخبارية امس الخميس، وقبول الشيخ حمد بن تامر، رئيس مجلس إدارة المحطة فورا، وتعيين الزميل احمد السقطري القطري الجنسية مكانه، في خطوة يرى الكثير من العارفين ببواطن الأمور في القناة، انها ربما تكون قمة جبل الثلج، التي تخفي سلسلة من الإجراءات والتغييرات في هيكلية ليس قناة “الجزيرة”، وانما الإمبراطورية الإعلامية القطرية واذرعها المتعددة.
الزميل “ابو هلالة” قال على حسابه على “التويتر” مبررا استقالته “ان التجديد يأتي من سمات المؤسسات الناجحة، انه قدم استقالته ثلاث مرات، الامر الذي يذكر بالمثل الذي يقول بأن “الثالثة تابتة”.
مصادر داخل “الجزيرة” أكدت لـ”رأي اليوم” ان الزميل ابو هلالة استقال فعلا الصيف الماضي، بإيعاز من الإدارة، ولكن انفجار الازمة الخليجية أدى الى تجميد قرار رحيله، فالعرف الدارج انه “ليس من الحكمة تغيير الخيول في معمعة المعارك والأزمات”.
تعيين ابو هلالة، المعروف بميوله الإسلامية وقربه من حركة “الاخوان المسلمين”، قبل اربع سنوات جاء في ظروف مختلفة، كانت خلالها “الجزيرة” تخوض معارك طاحنة ضد السلطات المصرية بعد “الانقلاب العسكري” في تموز (يوليو) عام 2013، وثورات الربيع العربي، ودعما للإسلاميين وحركة “الاخوان المسلمين” على وجه الخصوص، وبتوجيه من السيد وضاح خنفر، مدير عام المحطة الأسبق، الذي غادرها في ظروف ما زالت غامضة الأسباب، الامر الذي يطرح العديد من علامات الاستفهام حول توقيت هذه الاستقالة، وما يمكن ان يترتب عليها من إجراءات لاحقة.
التكهنات تنتشر في داخل أروقة “الجزيرة” مثل انتشار النار في الهشيم، فهناك من يقول ان دولة قطر، مالكة المحطة، تخطط لتغيير الخط السياسي، والابتعاد عن حركات الإسلام السياسي، بعد هزيمتها في سورية ومصر، واتهام قطر من قبل التحالف المصري الخليجي المقاطع لها بدعم الإرهاب، واتباع سياسة اكثر مهنية واكثر اعتدالا، وهناك من يتنبأ بخطة إعادة هيكلية جديدة تتخلص من “الاغصان الجافة” في المحطة من محررين وفنيين وبرامج قديمة فقدت بريقها ومعظم متابعيها، وثالث يرى ان ضخامة الانفاق المالي القطري على البنى التحتية لكأس العالم (تقدر بحوالي 200 مليار دولار)، والعجز في الميزانية، وتآكل الاحتياط المالي بسبب صفقات الأسلحة والانفاق السياسي والإعلامي الباذخ، كلها دفعت بإتباع سياسة تقشف مالي، ستكون قنوات الجزيرة، والاعلام القطري عامة، اكثر المتضررين من جرائها.
قبل الازمة الخليجية سرحت شبكة “الجزيرة” حوالي 1500 من العاملين فيها في مختلف الأقسام، ولكن الجانب التحريري لم يتأثر كثيرا، وقيل ان التخفيضات في صفوفه جرى تجميدها بسبب الازمة الخليجية، التي حتمت تقليص “الضجيج”، وإعلان نوع من الهدنة، ريثما تمر العاصفة، ولكن العاصفة استمرت اكثر من عام دون وجود أي حلول وشيكة في الأفق لها.
مصادر مقربة من صناع القرار في “الجزيرة” قالت ان هناك توجها بإحالة نسبة لا بأس بها من نجوم ونجمات “الجزيرة” المخضرمة، عاصروا المحطة منذ انطلاقتها قبل 22 عاما، الى “التقاعد”، واكرامهم بتعويضات مغرية، في اطار خطة تجديد ترمي الى ضخ دماء شابة جديدة في شرايين المحطة التي أصيبت بحالة من التصلب، على حد وصف هذه المصادر.
والقاعدة نفسها تنطبق على العديد من المراسلين في مكاتب الشبكة في العالم.
ونفت هذه المصادر بشدة لـ”رأي اليوم” ان تكون هذه الإجراءات لها علاقة بمطالب دول المقاطعة اغلاق محطة “الجزيرة”، ولكنها اعترفت بأن عمليه “التجديد” جاءت كخطوة تطويرية لتعزز مكانة “الجزيرة” ومحاولة اعادتها لعصرها الذهبي، ويؤكد مركز إحصاء المشاهدين ان اعداد مشاهدي “الجزيرة” انخفضت في الأعوام الخمسة الماضية، لأسباب عديدة ابرزها طغيان اللون الأيديولوجي القطري عليها، ونجاح الثورات المضادة في اكثر من دولة عربية اجتاحتها ثورات الربيع العربي، وصمود السلطات السورية، وتعافي العراق، وتحول ليبيا واليمن الى دول فاشلة، وصعود المجتمع المدني في تونس وفوزه في انتخابات الرئاسة والبرلمان، مضافا الى ذلك انصراف المشاهدين الى القنوات المحلية التي تكاثرت بشكل مذهل في دول مثل تونس والجزائر ومصر واليمن ولبنان.
التغيير في شبكة “الجزيرة” لا يمكن النظر اليه بمعزل عن احتمالات التغيير المتوقعة في دولة قطر نفسها التي تتعرض الى ضغوط أمريكية وأخرى إقليمية لإعادة النظر في مواقفها السياسية وتحالفاتها الإقليمية، وحجم التغيير الإعلامي سيعكس التغيير السياسي حتما بصورة او بأخرى ومن الحكمة الانتظار وعدم استباق الاحداث.