محمد مصطفى جامع
ثلاث سنوات ويزيد مضت على مشاركة السودان في حرب اليمن التي أطلق عليها في البداية اسم “عاصفة الحزم” ثم رأى التحالف الذي تقوده السعودية تعديل الاسم إلى “إعادة الأمل” رغم أن العملية ما زالت مستمرة دون تحقيق أي من أهدافها بل خلّفت كارثة إنسانية كبرى جراء حصار التحالف لمنافذ اليمن بدعوى منع دخول السلاح، كما وصلت الصواريخ الباليستية إلى عمق العاصمة السعودية الرياض.
اتخاذ قرار المشاركة في حربٍ ما ليس قراراً سهلاً يتم بين ليلة وضحاها، ولكن الرئيس السوداني عمر البشير اتخذه في دقائق معدودة من دون أن يرجع إلى مؤسسات الدولة مثل البرلمان أو الحزب الحاكم أو حتى أن يرفع الأمر إلى المؤسسة العسكرية “وزارة الدفاع” لإبداء الرأي. فقد اتخذ القرار في العاصمة السعودية عندما دعاه الملك سلمان بن عبدالعزيز مطلع العام 2015.
أغلب الظن أن البشير وُعد آنذاك بمساعدات اقتصادية والمساهمة في رفع العقوبات الأميركية التي كانت مفروضة على البلاد منذ 20 عاماً. وجدير بالذكر أن تلك العقوبات فُرضت على البلاد جراء السياسات الرعناء التي اتبعتها حكومة الإنقاذ بعد وصولها إلى الحكم بانقلاب عسكري على حكومة الأحزاب في يونيو/ حزيران 1989.
ولكن بعد تفاقم الخسائر في صفوف القوات السودانية المشاركة في حرب اليمن مع استمرار تدهور الاقتصاد السوداني وإحجام السعودية والإمارات عن تقديم العون للبشير الذي ضحَّى بعلاقاته الوطيدة مع إيران مراهناً على دول الخليج التي يممت شطر مصر وأغدقت الأموال على غريمه عبدالفتاح السيسي رغم إحجام الأخير عن إرسال جندي واحد إلى اليمن مستفيداً من الخطأ الذي وقع فيه الرئيس المصري الأسبق جمال عبدالناصر قبل 56 عاماً.
ومع ارتفاع حجم الضحايا في صفوف القوات السودانية وآخرها مقتل العشرات منهم في كمينٍ نصبه الحوثيون قرب مدينة ميدي في شمال غرب اليمن، كما نقلت وكالات الأنباء فجر الخميس السابع من أبريل/ نيسان الماضي. إذ تقول التفاصيل إن الحوثيين استدرجوا الجنود السودانيين إلى كمين في صحراء “ميدي” أبيدت فيه الفرقة التاسعة من قوات المظلات وقتل جميع جنودها في الاشتباك.
المرة الوحيدة التي أعلن فيها السودان رسميًا خسائر جنوده، كانت في أواخر سبتمبر/ أيلول من العام الماضي، حيث اعترف قائد ما يعرف بقوات “الدعم السريع” محمد حمدان حميدتي، خلال حوارٍ أجرته معه صحيفة “الجريدة” بحجم خسائر القوات السودانية المشاركة في التحالف الذي تقوده الرياض في اليمن وقال إن 412 من القوات بينهم 14 ضابطًا، قتلوا، خلال المعارك في اليمن، فيما لم يحدد حميدتي، عدد الجرحى، إلا أنه من المتوقع أن يكونوا أضعاف أعداد القتلى.
تلك كانت أعداد الضحايا التي اعترف بها حميدتي في سبتمبر لكن من المؤكد أن الأعداد تضاعفت حتى الآن خاصة بعد مجزرة صحراء “ميدي”، والتقارير التي تؤكد أن القوات السعودية والإماراتية تدفع بالقوات السودانية إلى الخطوط الأمامية للقتال ليكونوا “كِباش فداء”.
أخيراً، تصاعدت الدعوات لسحب القوات من اليمن، حيث رفعت كتلة التغيير في البرلمان السوداني التي يقودها النائب المستقل أبوالقاسم برطم مذكرة عاجلة إلى الرئيس البشير تطالبه بسحب القوات فوراً من اليمن وتحمله المسؤولية الأخلاقية عن سقوط القتلى والجرحي في حرب لا ناقة لهم ولا جمل. بحسب ما جاء في بيان الكتلة.
كما ارتفعت الأصوات المنادية بسحب القوات في الأوساط الإعلامية المحسوبة على الحزب الحاكم، إذ دعا ضياء الدين بلال رئيس تحرير صحيفة السوداني وعبدالماجد عبدالحميد رئيس تحرير صحيفة مصادر إلى الإسراع في عودة الجنود السودانيين. مشيرَين إلى أن دولتي التحالف “السعودية والإمارات” وقفتا تتفرجان على السودان وهو يكاد ينهار جراء أزمة الوقود الخانقة المستمرة لثلاثة أسابيع.
ومضى الطيب مصطفى مالك صحيفة الصيحة إلى أبعد من ذلك عندما قال: “كان هذا الحال البائس معلوماً لقادة وزعماء الدول التي ينزف أبناؤنا الدماء الغالية دفاعاً عنها وعنهم، فقد حفيت أقدام كبارنا وأريق ماء وجوههم، وهم يطرقون أبوابهم طلباً لودائع أو قروض سلعية، وكم كان محزناً أن تتراص صفوف الوقود ويُهدد الموسم الزراعي بكل ما يعنيه ذلك من أخطار سياسية واجتماعية، ولا يتكرّم علينا من نحميه بالمهج والأرواح بقرض بترولي سلعي – أقول قرضاً وليس هبةً – بالرغم من أنه أكبر مصدري البترول في العالم، وبالرغم من أنه على مرمى حجر من بلادنا”!
ولفت الطيب وهو بالمناسبة “خال” الرئيس عمر البشير إلى أن دولة قطر التي وصفها ب “الحليف الاستراتيجي” للسودان طالما وقفت معنا دون منٍّ ولا أذى أحجمت عن نجدتنا ـ والحديث للطيب مصطفى ـ رغم علمها بحالنا ربما جراء عدم رضاها عن الموقف الوسطي بين المُعسكرين.. معسكرها ومعسكر دول الحصار.
في ظني لم يبعد مالك جريدة الصيحة كثيراً عن الحقيقة، لأن الوقوف على الحياد أغضب المعسكرين معاً، فالسعودية والإمارات تصنفان البشير ضمن حكام “الإخوان المسلمين” ولا يمكن أن تقبلان بحياد السودان ولا بقرار منح تركيا حق إدارة جزيرة سواكن ذات الموقع الاستراتيجي ولا بتوقيع عقد شراكة مع قطر لتطوير وإدارة ميناء سواكن نفسها. بينما تشعر الدوحة في الوقت ذاته بالريبة والخذلان من تذبذب المواقف السودانية بينها وبين المعسكر الآخر فقد كانت تتوقع موقفاً أقوى من السودان الذي ظلت تدعمه طيلة 20 عاماً، وتضامناً صريحاً على الأقل لوقف الإجراءات التي اتخذت ضدها كما فعل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والعاهل المغربي محمد السادس الذي أرسل إلى قطر طائرة محملة بالمواد الغذائية فور إغلاق المنافذ البرية والجوية في شهر رمضان من العام الماضي.
بطبيعة الحال كان موقف الملك المغربي يحمل دلالات رمزية واضحة لأن قطر ليست بحاجة إلى مواد غذائية بقدر ما كانت رسالة تضامنية وانتقاداً لمقاطعيها الذين أغلقوا الحدود ومنعوا دخول الغذاء والدواء في الشهر الكريم.
ومع دخول حرب اليمن عامها الرابع، وإعلان وزارة الدفاع السودانية عن إجراء تقييم لمشاركتها في العمليات العسكرية يتضح أن التلويح بسحب القوات لم يتعدّ مرحلة الابتزاز حتى الآن، فالنظام السوداني لا يكترث بأرواح الجنود ولا بتصاعد الغضب الشعبي الكاسح جراء المشاركة في الحرب العبثية، بل يهتم فقط ببقائه على سدة الحكم مهما كلفه ذلك. والدعوة لسحب القوات من اليمن التي قادها مقربون من النظام خلال الأيام الماضية بسبب عدم دعم السعودية كشفت زيف الادعاء بأن مشاركة السودان في الحرب جاءت لأجل أهداف دينية (أمن الحرمين الشريفين).
ما يدل على أن المطالبات بسحب القوات من اليمن كانت رسالة لدول التحالف وابتزازاً لها، التصريح الذي نقلته وسائل إعلام سودانية رسمية الاثين 7 مايو بأن وزير النفط والغاز عبدالرحمن عثمان أعلن عن اتفاق طويل الأمد مع الجانب السعودي مدته 5 سنوات لتزويد السودان بالمواد البترولية، بإجراءات سهلة الدفع ـ بواقع مليون و800 ألف طن فى العام.
أتى هذا الإعلان في وقتٍ تقول فيه وزارة الدفاع السودانية إنها تعكف على دراسة وتقييم سلبيات وإيجابيات مشاركة قواتها في “عاصفة الحزم” فهل يا ترى ستقرر الوزارة سحب القوات وعودتها فوراً؟
من المخجل أن السودان بلد ال200 مليون فدان صالحة للزراعة و130 مليون رأس من الماشية ويحتوي باطن أرضه على معادن متعددة “ذهب وكروم ويورانيوم وغيرها”، وبلغت فيه عائدات النفط قبل انفصال الجنوب نحو 80 مليار دولار “أين ذهبت؟”، أصبح يتسول دول المنطقة وينتظر منها أن تجود عليه ببراميل نفط معدودة أو بحفنة من الدولارات كمنحة أو وديعة بأي ثمن ولو كان على حساب دماء أبنائه!
صحفي وباحث في الشأن الأفريقي