خالد الجيوسي
عِبارةٌ لافِتة تلك هي العِبارة التي اختتمت بها صحيفة “عكاظ” تقريرها عن الحرب المُرتقبة بين إيران وإسرائيل، بل وربّما هي عبارة “عين العقل” كما يُقال، فتقول الصحيفة السعوديّة: “يُعتقد أن الدُّول الغربيّة الكُبرى تُؤيِّد إسرائيل ضِد إيران، لكن خُبراء كُثر يرون أنّ الصِّدام المُرتَقب يُحتِّم تفكيراً مُعمَّقاً بسبب المَخاطِر التي قد تترتَّب عليه في المِنطقة والعالم”.
ليس من عادة الصُّحف المحليّة السعوديّة هذه الأيّام، أن تتحدَّث عن “المخاطر” التي يُمكن أن تقع لو اندلعت الحرب بين إسرائيل، وإيران، وليس هُناك أي من هذا القبيل في هذا الإعلام بشقَّيه المكتوب، والمرئي، إلا تواصل التحذير من الخطر الإيراني، والخطوات التي من المفروض اتباعها لإنهائه، وتنحصر في التَّصعيد والشيطنة الإعلاميّة، اعتبار إسرائيل صديق وَفِيّ، والدَّعوات السعوديّة للانسحاب من الاتِّفاق النووي، الذي ينوي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فيما يبدو الانسحاب منه خلال أيّام، وربّما ختام تقرير “عكاظ” التَّحذيري ما يدعونا للقول أنّه “عين العقل” سُعوديّاً.
الصحيفة ورغم نهاية تقريرها التحذيريّة من مخاطر الصِّدام الإسرائيلي الإيراني، رجّحت “في القريب” أن تشهد المنطقة حرباً ضِد إيران في سورية، لتتحوّل لاحِقاً إلى حربٍ مُباشرة، بين إسرائيل وإيران، وهو التقرير الذي نشرته تحت عُنوان “السِّيناريو الأقرب”، وتبني الصَّحيفة دلائل اقتراب الحرب على تفاقم التصريحات بين الجانبين، حيث أعلن وزير الدِّفاع الإسرائيلي إفيغدور ليبرمان أنّ النظام الإيراني يعيش أيّامه الأخيرة، فيما رد نائب قائد الحرس الثَّوري الإيراني حسين سلامي بأنّ 100 ألف صاروخ جاهِزة للطَّيران باتجاه إسرائيل، كما التزمت الصَّحيفة في تقريرها الحِياد، ولم تأتِ على ذِكر تفوُّق إسرائيلي في تِلك الحرب القادِمة.
على عكس ما يدور من هوس سُعودي بإيران، وحتى تقديمه الخطر الإيراني على القضيّة الفلسطينيّة، وهو أمر واضح لا يحتاج إلى تسريبات صدرت على لِسان القِيادة السعوديّة الشابّة، ربّما عبّرت “عكاظ” ولو بشكل “مُقتَضب” عمّا يجول في خاطِر السعوديين (المخاطر)، فالبعض هُناك يتحدَّثون لكاتب هذا المقال عن شكل المعركة في حال اندلاعها، ودور بلادهم “التَّمويلي” فيها، والرَّد الإيراني الذي يطالهم لمُساهمة بلادهم فيها بغض النظر عن شكل تلك المُساهمة، حتى منصّات التواصل الاجتماعي تَعُج بتِلك التساؤلات.
القلق الشعبي وتلك التساؤلات التي ربّما تكون خجولة بداعي الخوف من المُلاحقة تحت قانون “ممنوع الانتقاد”، مُحِقَّة، وواعِية في ظِل دور ومُساهمة لا تُنكره القِيادة السعوديّة، ولا تنفيه كتصريحات حتى، من باب الطمأنة والحِياد، ونقول طمأنة للجبهة الدَّاخِليّة التي تُؤمن أنّها لن تبق في مَعزلٍ آمن عن حرب إسرائيليّة- إيرانيّة، وحِياد، على الأقل لإيماننا العميق، أنّ العربيّة السعوديّة، لو اختارت السَّلامة وعدم المُساهمة تمويليّاً في هذه الحرب، فستتمنّى قضاء إسرائيل على إيران، فخطر الأخيرة هو ما يشغل بال القِيادة الشابّة.
على صعيدٍ آخر، ولكنّه يَصُب في ذات السِّياق العدائيّة بين البلدين، محكمة أمريكيّة تُلزم إيران دفع تعويضات تزيد عن 6 مليار لأُسر ضحايا هجمات 11 سبتمبر عام 2001، ويأتي الحُكم في إطار قانون العدالة ضِد الدُّول الرَّاعِية للإرهاب، بزعم تقديم إيران مُساعدات إلى مُختطفي الطائرات، وللمُفارقة أن العدوَّة اللًّدودَة السعوديّة يُلاحقها ذات القانون الذي أصدره الكونجرس، كما أن محامي عائلات الضحايا روبرت هايفلي، وبرغم تأكيده على عدم تجاهُل هذا “الجُرم الإيراني”، وعاد وأكّد أنّ هذه النتائج لا يجب أن تحجب جبلاً من الأدلَّة القاطِعة ضد العربيّة السعوديّة التي تبقى “محوريّة في قضيّة أصحاب الدَّعوى، مع الإشارة إلى أن هذا الحُكم ضد إيران يبقى رمزيّاً، والأصول الإيرانيّة التي تم وضع اليد عليها صغيرة، على عكس السعوديّة التي يبتزها ترامب ماليّاً حتى دون قضايا وتعويضات، مُقابل الحِماية والبقاء.
بالتأكيد لا نُعوَّل كثيراً على هذه الخاتمة “التحذيريّة” التي وردت في تقرير “عكاظ”، لكن ربّما تكون جرس إنذار داخِلي أخير، قد يُخفٍّف من حماسة أو تَهوُّر العهد الجديد، ويُحَتِّم كما قال إعلامه “تفكيراً مُعمَّقاً” بالمَخاطِر، ومع تَنقُّلِه في ميادين القِتال العربيّة “الشقيقة” المُتوالِية، فحتّى حرب اليمن “الحازِمة” ضِد الذِّراع الإيراني (الحوثي) لم تسلم منها الجبهة الداخليّة السعوديّة، فكيف باليد نفسها (إيران)، كما مُساندة “العدو” الأزلي للعرب والمُسلمين إسرائيل، ولا يَغُرًّنك كُل دعوات التطبيع تلك، والمشهد الإعلامي المُنحط، خذوها مني العرب عاطِفيّون، وأوّل من سيُطلِق صاروخ على إسرائيل، سترون صُوَره وأعلامه تعتلي منازلهم، وبيوتهم، تماماً كما حرقوا صور من باعهم، وباع قضيّتهم، وتحالف مع عدوهم، وكما يُقال: “بكرة بذوب الثَّلج وببان المرج”!
كاتب وصحافي فلسطيني