د. حماه الله السالم
ليس الهدف من “صفقة القرن” هو بيع القدس ولا تصفية القضية الفلسطينية، فهذه مهمة تكفل بها بعض الحكام منذ القرن الماضي ولم تكتمل بسبب المقاومة والممانعة والتي تزداد شراسة بالرغم من قسوة القريب والبعيد والتشويه، حتى باتت إسرائيل بين كماشة حزب الله في الشمال وحماس والجهاد في الجنوب.
والفرق في حال المقاومتين، هو فقط، في أن حزب الله يجد حاضنة شعبية ودولة تدعمه، بينما لا يجد الفلسطينيون إلا الحصار والتآمر وغلق المعابر من السيسي وحلفائه.
وليست العنتريات التي أطلقها الرئيس منتهي الصلاحية محمود عباس، إلا صرخات الموت الأخير، ليختفي في الزحام وليأتي “فارس” المرحلة ليشارك في الصفقة باسم فلسطينيي الضفة.
صفقة القرن، وحصار قطر، تمويل خزانة ترامب، فتح الأجواء مع إسرائيل، والشراكة معها عبر المياه الدولية (تيران وصنافير)، وشعارات الانفتاح والترفيه، وسجن الدعاة والعلماء، والانقلاب على بني العمومة وهتك حرمات اليمنيين وتدمير بيوتهم… ليس إلا مسلسلا طويلا من ممارسة السحر وتقديم القرابين للشيطان من أجل مهمة واحدة وهي الخلاص من إيران، التي تتقدم رغم التشويه ورغم أخطائها ورغم الحصار عليها، ولأنها الداعم الأخير للمقاومة.
ما يجري هو مقدمة لحرب على إيران تبدأ بهجوم مباغت على منشآتها النووية وربما على قيادتها السياسية ومقارها الرئيسة، بعد أن فشلت محاولات التفكيك الداخلي وإشعال الفتنة في البيت الإيراني نتيجة يقظة النظام الإيراني وقوة استخباراته وقدرته على التنفيس عن المعارضة والتحكم فيها في الآن نفسه، ما يجعله يعيش حالة من التوازن يتفرغ بعدها لمواجهة خصومه الإقليميين والدوليين.
ليست إيران واحة ولا جنة وليست خلية من الأخطاء بل ولا من السياسات الضارة بجيرانها العرب، لكنها في كل الأحوال ليست عدوا بل شقيقا مسلما وجارا تاريخيا، ولن يتم تحويلها إلى النقيض في الذهنية العربية المقاومة التي ما تزال على شيء من العقل والحكمة والرفض للمشروع الصهيوني.
ومن العار أن يدخل العربي في الموازنة بين إيران، مهما كان موقفه منها، وبين إسرائيل مهما كان مغريات السلام الخادع معها.
لا يعلم هؤلاء الحكام أنهم يساقون إلى المحرقة، وهي الحرب على بلد مسلم وجار، وبالتحالف مع عدو متصهين وغادر، ومن أجل غاية تافهة هي البقاء في الكراسي لأجل محدود، كان بالإمكان تحويله إلى مدد أطول بالعقل والحكمة ومد يد المصالح والتنافس الشريف مع الجيران الأشقاء مثل إيران وتركيا ، ومن دون تنازلات مؤلمة ومذلة كتلك التي يتم تقديمها للعدو وحلفائه.
أذكر مقولة لمثقف عربي حكيم حين خاطب زميله في بلد خليجي: إنكم تهتمون اهتماما شديدا بلغات الغرب فلماذا لا تعطون قليلا من اهتمامكم للغات الإسلامية التي يتكلمها جيرانكم في إيران وتركيا، ما يساعد على التفاهم والوحدة الإسلامية؟ أجاب الخليجي: إننا نخشى هؤلاء وتغلغلهم في جامعاتنا؟ جواب بائس وتافه، في ظل الاحتفاء بالزائرين الغربيين الساخرين من كرم بلا معنى وتقدير بلا مقابل.
هذا الحال ينطبق على السياسة كما ينطبق على الجامعات وعلى المراكز البحثية والمؤسسات التجارية، إن العرب في قطيعة مع جيرانهم من القوى الإسلامية الرئيسة في المنطقة، باستثناء سلطنة عمان ودولة قطر والكويت، وهي دول نأت بنفسها عن المسارات القلقة والمهينة التي انخرطت فيها الدول الأخرى، وهو نأي قد يتحول قريبا إلى تأسيسي منظومة خليجية جديدة؟
مثال مؤلم على الولع الغريب لدى الحكام المتصهينين الجدد بالخضوع المبالغ فيه للأجنبي، والتنكر المطلق لأي علاقة أخوية دينية أو جوار جغرافي.
فتّش عن إيران وراء كل ما يجري من صفقات مع أمريكا ومع إسرائيل.
ولكن سيأتي اليوم الذي يتعلم فيه بعض عرب الخليج الدرس حين تبقى إسرائيل سيدة الموقف، حيث ستدوس على رؤوسهم بقدمها الغليظة لتبني مملكة الدجال من قلب أورشليم، لا قدر الله.
موريتانيا