صلاح السقلدي
زخّات الصواريخ السبعة البالستية التي أطلقتها الحركة الحوثية صباح الأثنين 26مارس أذار الجاري على أراضي المملكة العربية السعودية غداة ذكرى مرور ثلاثة أعوام على الحرب الدائرة باليمن التي يشنها التحالف العربي بقيادة السعودية باسم “عاصفة الحزم” شكّــلت مفاجأة كبيرة للرياض ولحلفائها ومنهم الولايات المتحدة الأمريكية.. وِجـهُ المفاجأة للسعودية هي أن ثلاثة من هذه الصواريخ السبعة قد طاولتْ العاصمة الرياض- لما للعاصمة من رمزية كبيرة-,وهي المرة التي يطاولها هذا العدد من هذه الصواريخ بعكس المرات السابقة,ناهيك عن تمكّـن هذه الصواريخ من قطع مئات الكيلومترات بالمجال الجوي السعودي دون أن تفلح شبكة صواريخ الباتريوت الأمريكية- باهظة الكُــلفة- من التصدي لها قبل وصولها لوجهتها الأخيرة” الرياض”, ما يعني هذا بالضرورة للسعودية انتكاسة عسكرية وحرجاً سياسياً بالغ بعد ثلاثة أعوام من إعلانها أن ضرباتها الجوية وعاصفة حزمها الهائلة قد قضت على 90% من القدرات العسكرية الثقيلة “الحوثية الصالحية” ومنها المنظومة الصاروخية الاستراتيجية, في وقت تتعرض لضغوط شديدة من المجتمع الدولي لوضع نهاية لهذه الحرب التي أوقعت الآلاف من القتلى وأضعافهم من الجرحى وملايين من الجياع والمرضى والمشردين… ووجه المفاجأة بالنسبة لأمريكا أن سمعة منظومة صواريخها الباتريوتية قد أضحت على المحك, خصوصاً إذا ما تذكّــرنا ان هذه ليست المرة الأولى التي تجتاز هذه الصواريخ البالستية القادمة من عمق الاراضي اليمنية كل هذه المسافة على غفلة من قُــبة هذه المنظومة الدفاعية. على افتراض صحة المصادر السعودية التي تحدثت أن جميع هذه الصواريخ بما فيها الثلاثة التي استهدفت الرياض قد تم تدميرها فعلاً بالجو, ومفترضين ذات الوقت عدم صحة الأنباء التي تتحدث عن فشل اسقاط تلك الصواريخ كما زعمت القناة الفضائية الأمريكية الشهيرة” a.b.c ..فمجرد وصول هذه الصواريخ الحوثية الى سماء الرياض يكون الفشل أمريكا سعوديا لا جدال فيه بعد أيام من رفض الكونجرس لمشروع قرار ينهي المشاركة العسكرية اللوجستية للبنتاجون بهذه الحرب ..
يأتي هذا بعد أيام من زيارة ولي العهد السعودي لواشنطن, وهي الزيارة التي يتطلع من بعدها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإبرام مزيدا من الصفقات مع السعودية لشراء الاسلحة الثمينة,ولثني الرياض عن التوجه نحو موسكو لشراء منظومة صواريخ الدفاع الجوي الروسية S400 المرعبة.
على كل حال نحن إزاء تطور خطير بالحرب باليمن قد يطال شررها كل أرجاء المنطقة والخليج مع ازدياد حِـدّة التصعيد الإعلامي بين كثير من دول المنطقة وعلى وجه الخصوص بين إيران والسعودية, وهو التصعيد الذي تزيد إسرائيل وصقور داخل الإدارة الأمريكية من صبِّ مزيداً من الزيت على نيرانه المشتعلة أصلاً, في وقت تستعر فيها الأزمة الخليجية بين كل من: المملكة السعودية ,مصر ,الإمارات والبحرين من جهة ودولة قطر ومن خلفها تركيا من جهة أخرى, فلم تمض إلا ساعات من هجمات البالسيتي على المملكة إلا ونشبتْ حادثة ليست بالهيّنة بين كل من قطر والإمارات العربية المتحدة بعد إعلان الأخيرة ان طائرتين عسكريتين قطريتين اعترضتا طائرة مدنية تابعة لها فوق الأجواء البحرينية بحسب -مصادر إماراتية-. يأتي هذا التصعيد الأخير بعد أسابيع من شكاوى جأرت بها الدوحة بوجه ابوظبي عند الأمم المتحدة بعد تعرض مجالها الجوي لانتهاكات متكررة من طائرات عسكرية اماراتية.وبعد ساعات من تلك الحادثة تكشف قطر عن مناورة عسكرية لقواتها بمشاركة تركية تمت بتاريخ 14 وحتى 22 مارس/ آذار الجاري بحسب وزارة الدفاع.
..
إذن نحن إزاء وضع متفجر بكل الجهات بالمنطقة, وما الحرب باليمن التي ما تزال تضطرم بشدة حتى مع علو نبرة الحديث عن مساعي دولية لعودة المفاوضات بين فرقاء هذه الحرب الى طاولة المفاوضات إلا إحدى صور هذا الوضع المتأزم وإن كانت أشدها خطورة وقتامة وأخطرها مكاناً بعد أن تورطت فيها دول محورية بالمنطقة كالسعودية, التي دخلت بحرب مبنية على قاعدة بيانات وحساباتها أثبتت الثلاثة الأعوام الماضية خطأها وكارثيتها عليها وعلى أمن المنطقة برمتها.. فالرياض التي راهنت على انتفاضة يمنية شاملة بوجهة الحركة الحوثية وشريكها السابق الرئيس الراحل علي عبدالله صالح بمجرد أول ضربة طيران, وراهنت على أن هذه الحرب لن تدوم أكثر من شهرين على أبعد تقدير, ووضعت جُــل ثقتها بحزب الإصلاح ذو القاعدة الجماهيرية العريضة باليمن باعتباره الخصم اللدود للحركة الحوثية, وبعد أن راهنت كذلك كثيرا على العزف على وتر الطائفية الرنّان بوجه الحركة الزيدية الشيعة” الحوثية”, كما اعتمدت الى درجة كبيرة على توظيف القضية الجنوبية بحربها بوجه القوى الشمالية, كل هذه الحسابات كانت بغير محلها,وإن كان الرهانين الأخيرين قد أثبتا صحة الرهان عليهما لأسباب نعرفها ويطول التعرض لها هنا, إلا أن تأثيرهما يظل مقتصرا على الجنوب أكثر من شمالاً حيث الغرض الرئيس من هذه الحرب.
بالمجمل.. السعودية ومعها الى حد كبير الإمارات في مأزق حقيقي باليمن ,حتى مع افتراض سقوط صنعاء بيديهما, فسقوطها لن يكون إلا بداية حرب جديدة وبالوسائل أكثر دموية وأكثر ارهاقا واستنزافا للجميع بشريا وماديا, خصوصا في ظل افتقار هذا التحالف لقوة سياسية وجماهيرية يمنية بالشمال على وجه الخصوص يمكن التعويل عليها والثقة بها خليجيا… فلا الامارات ولا السعودية على استعداد ان يسلما صنعاء أو أي مدينة يمنية لحزب الاصلاح ذو الميول الإخوانية,وقد رأينا هذا الشيء بالجنوب كيف أن تم اقصاء هذا الحزب وحكومة الشرعية من أي دور رئيسي له بعدن وبعموم الجنوب لدواع سياسية ايدلوجية. وهذا يعني أنه في حال سقوط صنعاء وهذا أمر مستبعد -على الأقل بالمدى المنظور- دخول اليمن في أتون التمزق والتشظي, بالتوازي مع ورطة تاريخية خليجية مكّــلفة, فاليمن المتخم بالطاقات البشرية والغارق ببحر من السلاح, والبلد الذي يعصف به الفقر والتطرف سيكون أشبه بانفجار سد ممتلئ جارف بوجه الخليج والمنطقة ككل. وبالتالي لا يوجد حيال الجميع وعلى رأسهم السعودية غير التعاطي مع الحالة اليمنية بشيء من التروي وبعيدا عن المكابرة, والشروع فورا بتسوية سياسية شاملة تكون مبنية على قاعدة المصالح المشتركة العادلة بينها وبين اليمن,((وتكون القضية الجنوبية حاضرة بأية تسوية منتظرة كونها مثلّــت وباعتراف كل القوى اليمنية والخليجية على السواء على انها جذر الأزمة اليمنية المتضخمة اليوم فهي قضية أتت من رحم وحدة بُـنيت على أساس هش عام 90م)),وحفاظاً على ما تبقى من أشلا لجسد هذا البلد المثقّــل بالمآسي والأوجاع, ولكبح لتدحرج كرة الضغينة على رؤوس الجميع,وتوفيرا للدم والمال والسمعة الاخلاقية السعودية التي اُصيبتْ بالصميم لدى المجتمع الدولي ومنظماته الحقوقية والإنسانية خلال ثلاثة أعوام من حرب مدمّــرة.
*صحافي من الــيمن.