اليوم انفو :
علي الدربولي
سياسة إنهاك الأعداء وإسقاطهم التي انتهجها الغرب بعد الحرب العالمية الثانية، تبلورت على شكل حروب خارج حدود الخصوم الكبار في الأراضي التي تخضع لنفوذ العدو، من مناطق أو دول، سواء كان ذلك بالتراضي أو بالقوة، وذلك من خلال استخدام المال والسلاح، والدعاية الممهدة لقيام انتفاضات، أو شغب/ أو ما يسمونه ثورات ملونة أو سوداء وبيضاء، حتى استخدموا فصل الحياة ، فصل الربيع ليلبسوه جلباب الدم، وينحروا أمام براعم أشجاره الذين يشبهونه من الناس، تجذرا ووطنية وأخلاقا.
لم تقم بعد الحرب العالمية الثانية معارك مشهودة ومباشرة بين القوى العظمى، فأميركا لم تحارب وتغزو سوى الضعفاء من الدول أو الشعوب، مستغلة الظروف التاريخية التي تمر بها القوى الأخرى المنافسة. كانت أهمها استقالة أوروبا عن عجز من مجلس قيادة العالم بعد أن أنهكتها الحرب العالمية الثانية، فكان من نتيجة ذلك تسليط سيف (مشروع مارشال) الأميركي فوق رقاب حكامها، بموازاة ذلك كان نضال الاتحاد السوفييتي السابق ذلك النضال الفكري المشهود، ولعله من عوامل إخفاقاته كان عامل قيامه بوضع الحصص التاريخية الموالية له على قائمة انتظار التحولات العميقة في المجتمعات، دون أخذ البعدين القومي والديني بعين الاعتبار، حتى تبين وهن ذلك النضال في عملية رفع الظلم عن الفلسطينيين، وتحرير أفغانستان من سطوة الغرب على تخوم خاصرته الجنوبية، دون إغفال النجاح الذي تحقق في فييتنام، في مرحلتيه: الأوروبية، والأميركية، ومع ذلك النجاح كان صمود كوبا. لكن التحولات الاقتصادية ومشاريع حرب النجوم الأميركية في معركة سباق التسلح أنهكت فيما بعد اقتصاد الاتحاد السوفييتي فسقط بوجود عوامل أخرى إضافية، لينتعش بعد حوالي ربع قرن على يد قيادات سياسية تناوب على قمتها مخضرمين ذوي جذور أمنية وسياسية على شاكلة الرئيس المنتخب اليوم لولاية رابعة” فلاديمير بوتين”.
*منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية لم يقف في وجه القطب الأميركي الأعظم خصم مكافئ كما يجب، حتى أتى من يعلن وقوفه في وجه مخططاته ، مثلما يحدث الآن في الشرق الأوسط من تداعيات الحرب الظالمة على سورية، بعد أن أشعل الغرب فتيل(الربيع الأحمر العربي) الناري، وقام بحشد مباشر لكل مرتزقة العالم والتكفيرين والمغامرين في سبيل قلب أنظمة الحكم غير الموالية لأميركا، وغير متصالحة مع (إسرائيل). يعتقد أنه لو كان الأمر يقف عند هذه الحدود لكان تلكؤ الروس في التدخل في الحرب السورية معذورا … لكن قراءة الروس العميقة للأهداف المتوارية بين ثنيات مخططاته الاستراتيجية، دفعت روسيا ما بعد عهد الرئيس “بوريس يلتسين” نحو وضع (يدها على قلبها)، حيث لم يكن التقارب الندّي، هو العنوان الذي أراد الغرب بزعامة أميركا أن يلتقي تحته وروسيا الاتحادية على الساحة الدولية، بل كان الدوران في فلك القطب الأميركي الأوحد هو المطلوب، وقد عبر عن مثل هذا الشعور الرئيس الروسي نفسه “فلاديمير بوتين” من هذه النقطة نستطيع أن نتبين مدى إداراك روسيا لما يخطط له الغرب ضدها، سيما وإن الروس لا زالوا يخزنون في ذاكرتهم التاريخية محاولتين مريرتين للسيطرة على بلادهم، كانتا أوروبيتين، من قبل فرنسا “نابليون بونابرت” وألمانيا”هتلر” فلم تبق إذن، سوى المحاولة (الثالثة) والتي ستكون( الثابتة) كما هو سائد في الأمثال العربية…وصاحب هذه( الثالثة) سوف لن يكون سوى الأميركي الذي يواجه الروسي الآن في سورية.
الدروس المستفادة دفعت الروسي ، ولمصلحة أمنه القومي بامتياز، أن لا يكرر تجاربه في العراق وفي ليبيا في سورية. سقط العراق وسقطت ليبيا كدولتين عربيتين في مهاوي السياسة الغربية، برغم تلك المصالح الحيوية لروسيا فيهما…ولعلهما كانتا النموذجين اللذين شجعا الغرب للتدخل المتمم في سورية، على أمل إسقاطها بين براثته بزمن قصير، كما كان قادته السياسيين يصرحون وحلفاؤهم في المنطقة، بدءا من (إسرائيل) وانتهاء بالمملكة العربية السعودية؟!
الضربة القاضية
ستقاوم روسيا الاتحادية حتى النهاية مخططات أميركا الهادفة إلى إسقاطها بالضربة القاضية، فمثلما كانت الحرب في أفغانستان بمثابة الضربة العسكرية القاضية للإتحاد السوفييتي السابق، تريد أميركا أن تكون الحرب في سورية سببا في توجيه الضربة القاضية لروسيا الاتحادية؟!
تسقط دمشق تسقط موسكو
سقوط “دمشق” بيد أميركا بوجود الثقلين العسكري والسياسي الروسيين غير المسبوقين في سورية على وجه الخصوص، سيعني بلا شك، طال الزمن أم قصر، سقوط “موسكو”. الرئيس الروسي بإعلانه غير المسبوق عن السلاح الاستراتيجي المتطور قبل فترة وجيزة من الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها، ومن خلال استشعاره لهذا الاحتمال بعد التصريحات الأميركية النارية ضد سورية، أراد أن يقول لأميركا بناء على كل ما تقدم:
سوف لن نكرر تعرض روسيا الاتحادية لغزوة ثالثة بعد غزوتي نابليون وهتلر. وسوف لن تسقط دمشق.
كاتب سوري