الْيَوْمَ آنفو : يقف الجزائر أمام خيارات، بعضها قاسيا، كان قد اقترحتها بعثة صندوق النقد الدولي التي اختتمت زيارة إلى البلاد خلال وقت سابق من الأسبوع الجاري.
ينظر خبراء اقتصاديون، أن توصيات صندوق النقد كانت تحصيلا حاصلا لما أسموه فشل سياسات الحكومة في ضبط المؤشرات الاقتصادية، بعد ارتدادات الصدمة النفطية التي عمرت 4 سنوات، “لكن مقترحاته لا تمثل الحل للأزمة”.
والإثنين الماضي، وجهت بعثة النقد الدولي إلى الجزائر انتقادات للحكومة، بشأن الإجراءات المتخذة لمواجهة تبعات الأزمة النفطية.
** مقترحات وتوصيات
“النقد الدولي” دعا الجزائر إلى تنفيذ خفض تدريجي في سعر الصرف، كأحد أدوات تحقيق التوازن بين الإصلاح الاقتصادي والمالي، وبذل جهود للقضاء على سوق الصرف الموازية (السوق السوداء).
كذلك، دعا حكومة البلاد إلى الاستدانة من الخارج، لتوفير السيولة اللازمة لنفقاته الاستثمارية، بهدف تنويع مصادر الدخل بعيدا عن النفط.
وترفض السلطات الجزائرية اللجوء إلى الاستدانة من الخارج بدعوى “رهنها لسيادة البلاد” كما أكد سابقا رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة.
وبلغ الدين الجزائري الخارجي حتى العام الماضي 3.85 مليارات دولار فقط حسب ما صرح به محافظ بنك الجزائر (البنك المركزي) محمد لوكال.
“النقد الدولي” قال إن خلق النقود (طباعة نقد جديد) لتمويل العجز، يجب أن يقابله وضع ضمانات وقائية قوية”، “وينبغي أن تشمل هذه الضمانات حدودا كمية وزمنية صارمة على التمويل النقدي”.
ومن أبرز توصيات صندوق النقد، تنفيذ خفض تدريجي لسعر صرف العملة المحلية (الدينار)، أي تنفيذ تعويم جزئي للعملة المحلية.
** انتقادات إعلامية
وعلق الموقع الإخباري الجزائري “كل شيء عن الجزائر” (خاص) على مقترحات الصندوق، بالقول: “توصيات صندوق النقد الدولي تكذب تفاؤل الحكومة”.
واعتبر أن هذا “الموقف من النقد الدولي خصوصا ما تعلق بالإصدار النقدي، يزيد من الضغوط على رئيس الوزراء احمد أويحي، الذي لطالما كانت تصريحاته في الاتجاه المعاكس (متفائلة) بخصوص هذا الإجراء (طباعة النقود)”.
من جهتها قالت صحيفة “الوطن” الخاصة والصادرة بالفرنسية، إن النقد الدولي وجه تحذيرا شديدا للجزائر بخصوص إجراءات الإصدار النقدي.
ونفذت الجزائر خلال وقت سابق من العام الماضي، عملية طباعة للنقد المحلي، بهدف تغطية العجز وتمويل المؤسسات الحكومية، بعد تعديلات في قانون النقد.
ومطلع الشهر الجاري، أظهرت بيانات رسمية لبنك الجزائر المركزي أن قيمة الأوراق النقدية التي طبعتها حتى نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، تبلغ ما قيمته 20 مليار دولار، لسد العجز وتسديد الدين الحكومي الداخلي.
** تخبط حكومي
في السياق، يقول الخبير الاقتصادي ورئيس جمعية “الجزائر استشارات للتصدير” إسماعيل لالماس، أن الانتقادات جاءت كدليل على تخبط الحكومة، في مواجهة تبعات الأزمة النفطية التي عصفت باقتصاد البلاد.
“لالماس” قال في حديث لـ الأناضول، إنه حذر وعددا من الخبراء من خطورة إجراءات طباعة النقد لسد العجز، “لكن الحكومة صمت آذانها والآن جاءها التحذير من صندوق النقد الدولي”.
وزاد: “تبعات طباعة النقد، ستبدأ أعراضها في الظهور على المديين القصير والمتوسط أي بعد نحو 8 شهور من الآن”.
أما اقتراح “النقد الدولي” بتعويم جزئي للعملة الجزائرية، شدد الخبير الاقتصادي على “أن هذا الخيار لا يعتبر حلا على الإطلاق، “لأن الدينار الجزائري لا يخضع لمعايير اقتصادية واضحة.. تسيير سعر الصرف يتم بقرارات سياسية وإدارية”.
“لا يمكن الحديث عن تعويم الدينار بهذه الطريقة، وتعويمه سيزيد من فقدان ثقة الجزائريين، ويدفعهم للبحث عن ملاذات آمنة لأموالهم كالعقارات (داخل وخارج البلاد) والعملات الأجنبية”.
** لا جديد
“لا جديد”، هذا ما يراه الخبير المالي “فرحات آيت علي”، بشأن توصيات صندوق النقد الدولي، “التوصيات لم تأت بجديد لحل الأزمة الجزائرية، مقارنة بما اقترح عامي 2017 و2016، وكانت عموما غير مقبولة واقتصرت على شيء إضافي وحيد وهو ما تعلق بتحذيرات طباعة النقد لسد العجز”.
يقول: “أكثر من 20 خبيرا جزائريا، سبق أن حذروا الحكومة من اللجوء لخيار إصدار النقد لسد العجز، لكنها لم تستمع للتحذيرات”.
يتابع: “الحكومة غير قادرة على مرافقة الإصدار النقدي، بإجراءات من شأنها امتصاص الصدمات التضخمية، وتلك المتعلقة بارتفاع الأسعار وانهيار القدرة الشرائية للمواطنين”.
ويصف “آيت علي” مقترح الصندوق بالتعويم الجزئي للعملة المحلية، بـ “الغريب، يمكن أن تصل تداعياته لو طبق إلى احتجاجات للشعب في الشوارع”.
وبرر وصفه من منطلق أن “تعويم الدينار تدريجيا سيصل بقيمته إلى أسعار الصرف المتداولة في السوق السوداء (الموازية)، وهذا إجراء سيكون له تأثير على الأصول الموجودة في البلاد في غياب استراتيجية إعادة توزيع المداخيل”.
يتفق كمال رزيق، المحلل وأستاذ الاقتصاد بجامعة البليدة الحكومية، مع رأي سابقه بشأن التعويم التدريجي للعملة المحلية.
يقول: “تعويم العملة المحلية المنخفضة أصلا حاليا، من شأنه أن يتسبب في تفاقم أكثر لنسب التضخم، ويزيد في تدهور القدرة الشرائية، وقد يدفع بالفئات الضعيفة إلى الشارع للاحتجاج”.