عبدالكريم المدي
من المشاكل الجوهرية في الصراع الدائر في اليمن وجود قناعات لدى بعض الأطراف مفادها أن من يتمنطق بالأيديولوجيا ويسيطر ،بهذا القدر أو ذاك، على المؤسستين الدينية والإعلامية سوف يسيطرعلى المشهد السياسي وعلى وعي الناس، وما ضره بعد ذلك إن عارضه من عارض أو سخط عليه من سخط من النخب الثقافية والسياسية والاجتماعية .
ومن المشاكل الجوهرية أيضا،أن هناك أطرافا ممن حققت بعض النفوذ والسيطرة على الأرض هنا وهناك، وذاقت طعم السلطة وبريقها، لاتُريد اليوم أن تخسرها أو حتى تخسر جزءا منها، بل أن هناك ما هو أسوأ من هذا، يتمثل بإعتبارها للحرب تجارة وتكسُّب ، وفي حال توقفت ، توقف معها هذا المصدر، سيما إذا ما كان يُدرُّ عليها أموالا هائلة، تفوق قدرة البسطاء على تصوّر حجمها.
وللعلم أن هوءلاء ( التجّار ) الذين يُوجدون في كل زمان ومكان ،لايترددون في إستخدام كل الوسائل لحماية مصالحهم، ومنها بناء تحالفات ولوبيات فساد قوية وواسعة، اضافة إلى إمبراطوريات إعلامية ضخمة تُسخّرُ لخدمتهم، يواكبها إنشاء مراكز دينية خاصة والتنسيق مع أخرى يُعاني أمامها المصلحون وطُلّاب السلام في إختراق قلاعها التي- إلى جانب كونها تخدمهم- فإنها في المقابل، تخدم الرجعية والفكر اللاعقلاني وديمومة الصراعات، وهذا تقريبا أو معظمه ما يجري في اليمن تحديدا.
وغني عن البيان القول : إن إبتلاءات وإهتزازات يقين كهذه تتغذى على وفرة من التناقضات والمصالح بين أطراف داخلية وخارجية يصبح تخطيها مُتعب سيما في ظل وجود فراغ وفقر في القيادات الوطنية الشعبوية التي يلتف حولها الناس، وإن وجدت كحالة نادرة ومحدودة الامكانيات والأثر، فإنها تعجز عن مجابهة وتجاوز القوى المؤدلجة، القمعية التي تعمل جاهدة على تفكيك العقل ومنظومة القيم وتجهيل المجتمعات حتى عن فهم تراثها وواقعها ومصالحها.
وبالتالي فمن أين للناس في بلد منكوب بالحرب كاليمن مثلا، قادة وفلاسفة عظام كابن رشد يقدم رؤى مقنعة تُفصلُ بين هذه الأشياء وتبدد تعقيداتها بمنطق حكيم ؟
وأن وجد هوءلاء القادة/ الفلاسفة فهل سيسمعهم وينقاد لهم الجميع من أجل الوصول إلى تسوية ما؟
وبغض النظر عن هذا وذاك في تصورنا أن المعنيين بإدارة عجلة الصراع لا يريدون الاستماع لأحد ولا يهمهم أن يموت ويشرد ملايين الناس، بدليل أنهم حينما شعروا بأن الرئيس الشهيد علي عبدالله صالح ، يريد تحكيم العقل وإتاحة الفرصة لحكمة اليمنيين ومنطق ابن رشد كي يفصل بين الفرقاء تم قتله على يد حلفائه في الداخل ، وقُتِل مرتين أيضا ، على يد من حاول مدّ يده لهم من خصوم الأمس الذين يُقاتلونه هو وقاتليه منذُ أربعة أعوام.
وبتعبير آخر .. صالح كان قبل أن يستشهد قد اقتنع بأن الحرب صارت عبثية وشيطانية،مضرّة بالشعب وهناك من يوظفها لتبرير ممارساته ومعها – أيضا- المقدس الديني الانتقائي الذي ينسجم معه ويلائمه لوحده لدرجة أنه لا يتردد في التخلص من أقرب الناس له حتى لو كان شريكه في حفر خنادق القتال والوقوف في طوابير الجوعى .
لذلك حلفاء الداخل قتلوا صالح واخفوا جثته وواصلوا قتله من خلال البطش بحزبه وكوادره والإنكباب على إزالة كل ما يرتبط بتاريخه وتضحياته ومكانته، والحال نفسه لدى خصومه الذين حاول التأسيس معهظ للسلام، شاركوا في حفلة القتل من خلال التشفي واطلاق الالعاب النارية ورفض قبول حزبه أنصاره وأبناىه وأقاربه..كما ضخوا الاشاعات وجيشوا المحرضين ضد كل ما يمت للرجل وحزبه وكوادره بصلة .
إذن نحن أمام حالة رفض واضح ومعقد للعقل يؤدي بدوره إلى رفض للسلام وإسكات كل صوت يدعو له.
وهذا يقودنا إلى نتيجة منطقية تتلخص في: أننا لم نستفد من صراع مرير طوال سنوات من الدماء والخراب لأنه – وكما يُقال- من أعتبر أبصر ومن أبصر أدرك ومن أدرك عَلِم ومن عَلِم عمِل؟
نضيف :
لقد فوت اللاعبون الرئيسيون دعوة الشهيد، وبدلا من أن تُلتقط من حلفاء صنعاء على الأقل ، لكي يحرجوا بها خصوم مأرب ، أو أن الأخيرين وظفوا تداعياتها لتعزيز تحالفهم في مواجهة خصم صنعاء الذي صار يقف على ساق واحدة ويقاتل بساعد واحد لكانت تغيرات على السطح أشياء كثيرة.
لكن قد تكون رب ضارة نافعة،ففي ظل هذا العجز المركب، أتجّه حزب صالح و فريقه – وهو محق – إلى إعادة تموضعه وبناء وترميم تحالفاته وتجميع قواه وتحفيزها ونحسبه قادرا على الامساك بزمام المبادرة وفقا لمعطيات وليس لأماني وتكهنات، ونجزم بأن القادم القريب سيجيب عن الكثير من التساؤلات ويحفل بالعديد من المفاجآت السارة للبعض والمحزنة للبعض.
والذي نحن على ثقة كبيرة بحدوثه هو أن المعادلة وخارطة الصراع حتما ستتغيران تغيرا إيجابيا.