اليوم آنفو
سعد ناجي جواد
عتب علي بعض الاخوان مطالبتي بمقاطعة الانتخابات القادمة، وقال لي احدهم كيف تطالب بذلك وانت الانسان الذي يُؤْمِن بالديمقراطية وينادي بها منذ زمن بعيد. وفِي الوقت الذي أكرر فيه إيماني بالديمقراطية فاني مؤمن ايضاً ان مايجري في العراق منذ ٢٠٠٣ لا يمت الى الديمقراطية بصلة، بل هي عملية فرخت الفساد وتسببت في نهب المال العام وافقرت العراق والعراقيين بصورة غير مسبوقة وجعلت اغلب ابناء البلد اما مهجرين او ارامل او يتامى او سكنة المقابر، ناهيك عن إيصال مزوري الشهادات والفاسدين وسراق المال العام الى البرلمان والى المناصب الوزارية. يكفي القول ان طيلة خمس عشرة عاما لم يتم محاسبة فاسد كبير واحد، لا بل في المرات القليلة التي صدرت فيها احكاما ضد وزراء فاسدين تم تهريبهم خارج العراق وبعلم الحكومة. اي بكلمات صريحة وقليلة ان ما يجري في العراق كل أربعة سنوات هو اعادة تدوير للفساد وللفاسدين. وبعد كل انتخابات يتبجح(الفائزون) بها وبأنهم وصلوا الى البرلمان بفضل الأصوات التي حصلوا عليها وأنهم يمتلكون (شرعية) لا يمكن ان تنتزع منهم او ان ينازعهم فيها احد، اما كيف حصلوا على هذه الأصوات فلا احد يسألهم عن ذلك. كما لا يُسَآءل اي من روؤساء القوائم والنواب ورؤساء الوزارات او الوزراء الذين يصرون على اعادة ترشيح أنفسهم عن انجازاتهم او عن ما حققوه في الفترات السابقة.
من ناحية اخرى فان ما يحمي اية ديمقراطية حقيقية عاملان أساسيان: الاول هو عملية المراقبة، والثاني هو القضاء النزيه. وهذين العاملين كما يعلم الجميع غير متوفرين. فبالنسبة للعامل الاول لا يوجد ما يضمن وجود عملية مراقبة محايدة او دولية، ولنا في الانتخابات السابقة وفِي الاستفتاء على الدستور الكارثي خير دليل على ذلك، وخاصة ما جرى في محافظة الموصل. فعندما شعرت الأطراف التي كانت مصرة على تمرير الدستور، وعلى رأسهم وفِي مقدمتهم الولايات المتحدة الامريكية، ان تصويت ابناء الموصل سيكون ضد الدستور مما سيعني عدم تمريره، قاموا بايقاف العد ونقلوا الصناديق الى بغداد ليعلنوا ان نسبة الرافضين لم تصل الى الحد القانوني المطلوب لرفض الدستور، او عدم إيصال صناديق الانتخابات الى مناطق معينة بدعوى انها نائية او غير آمنة، او سرقة إعداد كبيرة من أوراق التصويت و تجييرها لمرشحين معينين. وقسم من هذه الأمور بدأت تحدث منذ الان. واذا ما تذكرنا ان الجهة الأهم المسؤولة عن ذلك ( المفوضية العليا المستقلة للانتخابات) اثبتت انها غير مستقلة و انها أساسا بنيت على المحاصصة الطائفية والعرقية، وان قسم من أعضائها قد اتُهِمٓ علنا بالتلاعب بأوراق التصويت، يمكننا ان نفهم سبب عدم اتخاذ هذه المفوضية اي اجراء رادع ضد المخالفات التي يتم الحديث عنها او تسجيلها. اما القضاء الذي يبت في هذه الأمور فيكفي ان نتذكر انه رغم كل ملفات الفساد التي اثيرت ضد نواب عديدين الا انه لم يتم سحب الحصانة عن اي واحد منهم. لا بل تم تسويف القرار القاضي بمنع من لايحمل الشهادة الجامعية من الترشيح وإعادة نائب سجن في دولة عربية لمخالفات مالية، والسكوت او عدم فضح حملة الشهادات المزورة، او السماح لمن حكم عليهم بتهم سرقة وتزوير و شُمِلوا بقانون عفو اصدره نفس البرلمان للترشيح للانتخابات القادمة، او تبرئة من هو متهم بالارهاب في جلسة قصيرة وإعادته الى البرلمان، الى غير ذلك من الأمور التي لا يمكن تفسيرها الا بعمليات تستر وسكوت عن الفاسدين او تشجيعا لهم.
من ناحية اخرى فان الولايات المتحدة التي طالما صدعت رؤوسنا باعتراضاتها على، او بتشكيكها في نتائج انتخابات جرت في مناطق لا تدور في فلكها، لم تعترض ولو لمرة واحدة على الخروقات الكثيرة والخطيرة التي حصلت في الانتخابات او الاستفتاءات التي حصلت في العراق، وذلك لسبب بسيط هو انها تريد ان توهم العالم بأنها أسست لديمقراطية وان هذه الديمقراطية مستمرة، بدليل ان هذه المرة الخامسة التي يذهب فيها العراقيون للإدلاء باصواتهم، على أساس ان معيار الديمقراطية لديهم هو عدد المرات التي يصوت فيها الناس بانتخابات عامة، اما ماذا حققت هذه الانتخابات للناس، وماهي حالة حقوق الانسان او الحالة الأمنية او الاقتصادية او الفساد، فهذه امور ثانوية وغير مهمة بالنسبة لها. وبالمناسبة فان كل مؤيدي الاحتلال، عراقيين كانوا ام اجانب، يجادلون بذلك.
واخير وليس آخراً عندما تكون الأطراف الخارجية هي من تقرر نتائج انتخابات بلد ما، او تقرر مسبقا من يجب ان يفوز ومن يجب ان يُقاطٓع فلا يمكن ان توصف هذه العملية بالديمقراطية. وهذا ما يحدث بالضبط في عراق اليوم. طبعا ما تقوم به هذه الدول والقوى الخارجية امر مفهوم، بل مطلوب من سياسي كل الدول التي تعمل على حماية مصالحها، واللوم لا يقع عليها ولكن على من يقبل بهذه التدخلات ويمتثل لها مِن مٓن يدّٓعون انهم (ساسة) العراق، والاكثر على الغالبية من ابناء العراق الذين يذهبون الى صناديق الاقتراع ويدلوا باصواتهم، كي يعودوا بعد ايام ليشتكوا من فساد وفشل الذين انتخبوهم. لقد آن الاوان ان يدرك الناخب العراقي ان الأحزاب والقوى التي هيمنت على الساحة العراقية منذ الاحتلال ولحد اليوم، وبغض النظر عن مذهبها او قوميتها او دينها هي من اوصلت العراق لهذه الحالة الماساوية، و انها غير قابلة للإصلاح او ان تُصلِح ما أفسدته، وان اضعف الإيمان هو مقاطعة الانتخابات بصورة واضحة كي تفهم هذه الوجوه بأنها لا تحظ باي تأييد شعبي تتبجح به، والاهم ان تفهم القوى الخارجية وعلى رأسها الولايات المتحدة ان ما جلبته الى العراق لم يكن سوى حكومات طائفية وعنصرية وفاسدة وأنها مرفوضة من الغالبية العظمى من العراقيين، وان افعال الحكومات التي نتجت عن هذه العملية لا تكتسب اية مشروعية، حتى وان صوِِرٓت بأنها صادرة عن حكومة (منتخبة) او برلمان (مختار) من قبل الشعب. وان كل ما يشرعه برلمان مثل هذا او حكومة من هذا النوع، يعتبر باطلا ولاغيا، ولا يتحمل وزره الشعب العراقي وأجياله القادمة، فهل سيقدم العراقيون على مثل هذه الخطوة الجرئية والمطلوبة؟ ام سيكررون نفس الخطأ مرة رابعة، او خامسة اذا ما احتسبنا الاستفتاء على الدستور البائس والكارثي؟