طالب الحسني
هل بالغ رئيس وزراء هادي أحمد عبيد بن دغر عندما حذر من تكرار مذبحة 13 يناير 1986 الدموية المؤسفة جنوب اليمن ، وقارن تمخضات اليوم في هذه المحافظات نفسها بتلك التي حدثت قبيل المجزرة التي لا تزال تداعياتها قائمة ؟! المعطيات الحالية لا تقول أبدا أنه بالغ، وأن هذا التصريح الذي أثار المخاوف والجدل جاء بغرض الترهيب من محاولة المساس بحكومته التي ربما تعيش آخر أيامها ، وهذا ما أشرت إليه في مقال سابق من على هذه الصحيفة (راي اليوم) عندما كانت الأمور أقل خطورة من اليوم ، فأطنان الأسلحة الموجودة بدعم السعودية والإمارات وأطراف أخرى ، وحجم الإحتقان ، وصعوبة الوصول إلى تسوية في القريب العاجل ، وسوء تقدير الجهات الإقليمية ،وأضف إليها الأحداث التي مرت طوال الثلاث الأعوام الماضية من العدوان على اليمن ، تشير إلى أن تجنب الصدام العسكري ليس في متناول أحد ، وأن أكثر ما يمكن تحقيقه هو تاجيل الحرب الداخلية الشرسة
منع إقامة أي فعالية او تظاهرة في عدن والمدن الجنوبية للمطالبة بإسقاط حكومة بن دغر وإعطاء أوامر من جهات في التحالف بالتهدئة وضبط النفس ، لا تخفف أبدا من التوتر ، بل تضاعف من تأجيج الشارع ودفعه للخروج ، وفي الحقيقة الشارع المقصود هنا ـ هو المجاميع المسلحة الواسعة التي تدعم توجه المجلس الإنتقالي المدعوم إماراتيا بطرد “حكومة هادي ” من عدن مثلما دعا هذا المجلس بقيادة عيدروس الزبيدي ، هذا الأخير يحظى بدعم الإمارات بصورة معلنة وليس مجرد تحليل
التوتر القائم هو توتر بين فصائل تحمل السلاح وانخرطت في القتال طوال المرحلة الماضية ، الخليفية التي انطلق منها 70% من المسلحين ، هي المطالبة بالإنفصال عن الشمال وفك الإرتباط وإقامة دولة مستقلة ، أي العودة إلى ما قبل الوحدة بين الشطرين الجنوبي والشمالي 1990 وهو ما يعمل عليه المجلس الإنتقالي الجنوبي ويستفيد منه في الوقت الراهن ،رغم أن ذلك من أسوء الخيارات على المستوى الوطني وتسبب في سقوط محافظات الجنوب اليمني في أيدي تحالف العدوان على اليمن
صحيح هناك انقسام جنوبي جنوبي وتنشأ من هذا الانقسام فصائل ومجموعات مسلحة ، ولكن هناك اتفاق كبير على مواجهة حكومة بن دغر وإجهاض أي تواجد لما يسمى ” الشرعية ” هذا التوجه هو أحد الأسباب الرئيسية في عدم تطبيع الحياة في المحافظات الجنوبية ، والمثير أيضا أنه متوافق تماما مع أداء السعودية والإمارات في هذه المحافظات ، لسبب آخر هو رغبة هذه الدول في تحويل الجنوب اليمني إلى مخزن للمقاتلين ونقلهم إلى جبهات الساحل الغربي لقتال الجيش واللجان الشعبية المناهضة للعدوان السعودي الامارتي على اليمن ، ألوية عديدة من هولاء يقاتلون مع الجيش السعودي في الحدود اليمنية السعودية ، كجزء من تخفيف التكلفة الباهضة التي تدفعها السعودية من جنودها في حرب استنزاف كبيرة ، فضلا عن أن هذا التحالف لم يأتي لليمن وينفق مليارات الدولارات لتحقيق أهداف من هذا القبيل ومن ثم العودة ، فما يحصل اليوم من تسريع لبناء قواعد عسكرية إماراتية وسعودية على مقربة من مضيق باب المندب وبسط السيطرة على أهم الجزر اليمنية كجزيرتي ميون وسقطرى والذهاب بعيدا لتكثيف التواجد العسكري لهاتين الدولتين في محافظة المهرة الحدودية مع سلطنة عمان ، ومنع عودة هادي وإجباره على الإقامة الجبرية في العاصمة السعودية الرياض ، تؤكد بصورة واضحة أن هذا المسار هو الأهم بالنسبة للسعودية والأمارات في الوقت المنظور ، وخصوصا مع الفشل العسكري والسياسي في الوصول إلى صنعاء ، وتجدر الإشارة هنا إلى أن هناك فصائل جنوبية أخرى تم تغييبها وأخرى غابت طواعية عندما لم تجد لها مكانا في هذا الصراع المرير
نعود ونقول أن عسكرة اليمن ودفعه للقتال في ظروف إنسانية مأساوية وصلت لحد المجاعة ورشحت كأسوء أزمة انسانية في العالم وفق تقارير أممية ، هو عدوان جديد تقوم به السعودية والإمارت على اليمن شمال وجنوبا وفي ظل تقاعس أممي وأقليمي ودولي عن الدفع بحل سياسي ممكن وفي متناول اليد اذا ما كانت هناك نوايا جادة ومخلصة .
الصدام العسكري وتكرار أحداث 13 يناير الدموية إن لم تكن خلال الأيام المقبلة ولا نتمناها ، فهي مرشحة للحدوث بأي وقت آخر والمسألة وقت ليس إلا .
كاتب صحفي يمني