فؤاد البطاينة
بالمنطق السياسي الفاشل أقول أن العالم كله ممثلا بالأمم المتحدة مسئولا عن القضية من واقع رعايته لقيام دولة اسرائيل على الارض الفلسطينية، وتخليه عن إقامة الدولة الفلسطينية وتحقيق الحقوق الفلسطينية، ونفهم كذلك أن الدول العربية كلها أيضا مسئولة عن القضية، ولكن هذا من واقع المسئولية القومية التي نفتقدها المرحله . إلا أن فهمنا المنطقي والتاريخي، أن المسألة بالنسبة لنا فلسطينيين وأردنيين كاصحاب القضية والمتضررين المباشرين هي مسألة وطنية، ومسئوليتنا إزاء القضية مختلفة، ولا تتساوى مع مسئولية الأخرين ولا مرتبطة بها، ومواقفنا أيضا ليس لها أن تتفق أو تتناغم مع مواقف الأخرين من العرب وغيرهم، ولا ان تستجيب لها إن كانت سلبية او لا ترقى لمواجهة التحدي وتداعياته.
القضية في هذه المرحله على الارض وعلى الورق تجاوزت بالنسبة للأردن وفلسطين مسألة تحديد وتحميل الأخرين من عرب وغير عرب المسئولية، ونحن لا نملك قوة التأثير عليهم او على غيرهم، بل نستشف بنفس الوقت تطورا معاكسا لبعض حكام الدول العربية يصطفون فيه مع الموقف الأمريكي و يهادنون اسرائيل ويتعاونون معها بأخذهم دور المساعدة في امتصاص مشاعر الشارع وتمرير الرؤية الاسرائيلية للحل والتبرع بأرضيته وبكلفته.
فالسؤال المطروح والجواب المطلوب، هو ماذا نحن كأردنيين وكفلسطينيين فاعلين من سياسة جديدة حين يتخلى العالم لا سيما الأوروبيين عن مسئولياتهم ولا يفعلون سوى التأييد او الإستنكار بمعزل عن استحقاقات مفهومي التأييد والرفض، وحين يقف العرب ما بين محايد لا يشعر بواجبه القومي، وبين منقلب على قوميته وعقيدته إزاء القضية وعدالتها، يينما نحن وليس هم من تحت سياط الجلادين ومن يساق الى حبل المشنقه، وهي الحالة التي نعيشها اليوم كأردنيين وفلسطينيين، ثم على أية خلفية أو أساس تقوم أحكامنا وعودتنا للاعتماد على أمريكا، ونحن لسنا ضد هذا وغيره على أن يكون ذلك موضحا ومسَبَبا لنا نحن ناس الدوله.
ومما يزيد الوضع غموضا واستهجانا على هذا الصعيد اقول بأن الكثيرين يتساءلون ولا يتفهمون اطلاقا عدم التنسيق بالمستوى المطلوب بين الفلسطينيين والأردنيين باعتبارهم المحكوم عليهم بالإستهداف مباشرة . وحيث لا جواب على ذلك فإن الأمر يثير تفسيرات سوداوية . سيما أننا نشهد بالتوازي عدم توافق فلسطيني فلسطيني أيضا . فهل عدم التنسيق المطلوب مرده الى مواقف ورؤية مختلفة بين الاردن والسلطة الفلسطينية لا نعلمها؟، وبالتالي انعدمت أسسه مثلا؟ أم هناك تهديدات أوحسابات خارجية تمنع أحد الطرفين من هذا التنسيق؟ لا جواب الا علامة الاستفهام. لكن مهما كان الجواب فإن تخلي أي طرف من الطرفين الاردني والفلسطيني عن التزاماته الوطنية يفترض أن يجعل من الطرف الاخر أشد حرصا عليها.
الأن، نتوقع بأن المطلوب منا كأردن (أمريكيا واسرائيليا) هو أن نختار واحدا من خيارين برسم التهديد بضغوطات سياسية واقتصادية وامنية نوعية وكبيرة . الخيار الأول هو أن ننفض أيدينا من القضية ونتركها لشأنها ونجلس متفرجين كبعض الدول العربية، والثاني، أن نستمر بتعاوننا رغم التوجه الامريكي والاسرائيلي الجديد وكأن شيئا لم يطرأ . وطلب الخيارين معا ينطوي على أن يكون سلوكنا السياسي تسهيليا لا تعقيديا لما سيُفرض علينا من خلال المساومة الوهمية على صفقة تطرح على أنقاض مرجعيات التسوية السياسية التفاوضية . وتساؤلنا هنا معطوفا على ما سمعناه من الملك بأن مصلحة الاردن هي فوق كل المصالح، فإن كان هذا في سياق التبرير لعودتنا، فهل هناك مردودات لذلك او لاستجابتنا لأحد الخيارين؟
ما نعرفه أن هذا القول ليس جديدا وكان في الماضي مبنيا على وعود تبخرت وبان زيفها . فهل العودة هذه المره مبنية على وعود، وما هي طبيعتها ومصداقيتها سواء كانت للقيادة او للأردن او للقضية؟ نقول جدلا او افتراضا بأن الملك قد يتفهم أو يذعن لرغبات ترمب على وعد او بدون وعد ويعتبر القضية الفلسطينية ليست قضيتنا وحدنا حين ينفض القوم من حولنا وحين تستفرد السلطة الفلسطينية بالقرار، ولكن هل يتفهم الأردنيون هذا، ويذعنون إذا علموا بأنهم سيباعون في ذلك عبيدا بلا حقوق وطنية ولا حرية في تحقيق ذاتهم . وفوق ذلك عندما يعلمون بأنهم سيكونون الطعم لصيد العصر . وهو صيد الماسونية الصهيونية لفلسطين وللقضية التي تصيب كرامة وعقيدة كل عربي.
الملك الذي نحترمه ونتمسك به، نحترم رأيه أيضا . ولكن ما حدود مصداقية وجدوى ذلك إذا لم يكن هذا الرأي او القرار مقترنا بتفهمنا الذي لا يتحقق إلا بتسبيب شفاف له في هذا الظرف، أو ناتجا عن نقاش مع أصحاب الرأي والرأي الأخر . فالكثيرون منهم إن لم يكن جميعهم منتمون لهذا الوطن ولهذه الدوله وحريصون على سلامتها وسلامة القيادة الهاشمية، ويرون بأن التحديات التي تواجهنا مختلفة جدا ولا تحتمل مواجهتها بنفس المسار الخارجي والداخلي التقليديين، وأصبح من المطلوب ترشيد هذه السياسة وشرعنة القرار شعبيا.
فالأردنيون لهم اولوياتهم الوطنية المتعلقة بحماية مستقبلهم ومستقبل دولتهم المهددة بالوطن البديل جديا ومباشرة، ولا يهمهم سياسيا الوصاية والرعاية الدينية على مقدسات تقع تحت السيادة الصهيونية وتُنتهك على مدار الساعة، بل ما يهمهم قبل ذلك هو تحرير القدس والمقدسات . وهي القضيه الأساسية والتي تعطي للرعاية معناها . ولا يهمهم الشرعية الدينية أو القومية ومدعينها أو اللاهثين وراءها بل ما يهمهم هو تحرير هذا الدين وهذه القومية ليصبح بالامكان تحرير انفسنا وقرارنا وفلسطين.
وسنبقى نقول أن أمام للملك سندا قويا لحماية قراره الحر في مواجهة ما قد يواجهه من اصدقائه وأعدائه في هذه المرحلة بالذات، وبما يجعل الاردن بسياسته الوطنية عصيا على مستهدفيه بالوطن البديل الذي يطيح بالقضية الفلسطينية قبل أن يطيح بالكيان السياسي الأردني، وهذا لا يكون إلا بصنع جبهة داخلية سليمة قويه ومنتمية قوامها الاصلاح السياسي والقانوني الجذري الذي ينهي كل مشاكلنا الداخلية الأخرى وعلى رأسها الاقتصادية، ويجعل منها جبهة مؤهلة لتحمل المسئولية مع الملك وكفيلة بوضع الأردن على خارطة الدول الراسخة سياسيا وغير القابلة للتهديد بكيانها السياسي، والتي يحسب حسابها الأخرون.
كاتب وباحث عربي