(الخُلُق) و (الأخلاق) كلمة يتداولها الناس على ألسنتهـــــــم فيقولون : (فلان على خُلُق ) أو (فلان ذو خُلُق ) ، وهم يقصدون بذلك – غالبا- ما يتصف به الإنسان من صفات نبيلة تجعله محل تقدير واحترام ، وقد وصف الله رسوله صلى الله عليه وسلم بقــــــــــــــــــــــــــوله {وإنك لعلى خلـــــــــــق عظـــــــــــــــيم}.
وقد يطلقون لفظ الخُلُق يريدون به الصفات المذمومة ، فيقال (فلان سيئ الخُلُق ) ، ويقال (هذه أخلاق سيئة ) ، وهـكـــــــــــــــــــــــذا .
وقبل تعريف الأخلاق وبيان معنى كلمة الخلق يجدر التفريق بين الخُلُق كصفة مستقرة في النفس لهــــــــــا آثارها المحمودة أو المذمومة ، وبين الغرائز التي يندفع إليها الإنسان بطبعــــــــــــــــــــــه وحـــــــاجته .
فالأخلاق منها ما هو محمود وما هو مذموم ، وآثارها تظهر على سلوك الإنسان وتصرفه ، فإذا كــــــــان الخلق المستقر في النفس حميدا أثمر سلوكا حميدا ، وإذا كان الخلق على خلاف ذلك جاءت نتائجه تبعا له ، كالكــــــــــــــــــرم والبخــــــــــــــــــــــــــــــــــل ، والصفح والانتقام .
وهنا يجب أن نعلم أن بعض الصفات المستقرة في النفس لا تعد من الأخلاق ، بل هي غرائز ودوافع لا صلة لها بالخلق ، وإنما تتميز الأخلاق عنها بأن آثار ها تحمد أو تذم ، وبالمثال يتضح المقـــــــــــــــــال :
فالأكل عند الجوع غريزة ليس مما يحمد أو يذم ، لكنه إذا أصبح شرهاً زائدا عن حاجة الإنسان صار أمرا مذمومـــــــــــــــــــا لأنه يخرج عن حد الطبع السوي إلى الطمع المفــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرط .
والحذرُ من وقوع مكروه ليس خلقا بل هو غريزة لا يحمد عليها ولا يذم ، لكن الحذر الزائد الخارج عن المألوف يصبح خوفا وجبنا يذم الإنسان على الاتصاف به ، ومثله البخل والإسراف والتهور وغيرها من آثار الغرائز التي تخرج عن حدهــــــــــــــــــــــــــا المألــــــــــــــــــــــــــــــوف .
وإذا ظهر لك هذا الفرق الدقيق ، فما معنى الخلق أو الأخــــــــــــــــلاق ومــــــا مصدرهـــــــــــــــــــــا ؟
تعريف الخُلُق :
المعنى اللغوي :
الخُلق بسكــــــــــــون اللام وضمها : السجية ، قــــــــــــــــــــاله الجوهري في مختار الصحــــــــــــــــاح
وعند الفيروزآبادي : الخُــلق بالضــــــــــــــــــم وبضمتين : السجية والطبع والمرؤة والـــــــــــــــــدين .
وحقيقته أنه وصف لصورة الإنسان الباطنة وهي نفسه وأوصافها ومعانيــــها المختصة بها ، بمنزلة الخَلْق لصــــــــــــــورته الظاهرة وأوصـــــــــــــــافها ومعانيها ، ولهــــــــــــــــــما أوصاف حسنة وقبيحــــــة .
وهـــــــــــــــــــــــــذا المعنى الأخير ذكـــــــــــــــره ابن منظور في لســــــــــــــــان العــــــــــــــــــرب .
ويمكننــــــــــــــــا من خلال هذه التعـــــــــــــــــــــــــاريف إدراك أمور هامة ثلاثة ،، مـــــــــــــا هي ؟ .
الأول : الخُلُق يدل على الصفات الطبيعية في خِلقة الإنسان الفطرية ( الصفـــــــــــــــــــات الكامنة في النفــــــــــــــــــــــــــــــــــــس البشــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرية ) .
الثاني : تدل الأخلاق أيضاً على الصفـــــــــات التي اكتسبت وأصبحت كأنها خلقت مـــــــــــع طبيعته.
الثالث : أن للأخـــــــــــــــــلاق جانبين : جـــــــــــــــــــــانباً نفسيا باطنيا ، وجانباً سلوكيــــاً ظاهرياً .
المعنى الاصطلاحي :
هناك عدة أقوال في معنى الأخلاق عند الفلاسفة والمفكرين قديمـــــــــــــــــــا وحديثاً ، فمنـــــــــــــــــها :
أن الخُلُق : حال للنفس داعية لها إلى أفعالها من غير فكر ولا روية ، وهذه الحال تنقســم إلى قسمين : منها ما يكــــــــــــــــــــون طبيعياً من أصل المزاج ...... ، ومنها ما يكون مستفاداً بالعــــــــــــــــادة والتدرب .
وعند أبي حامد الغزالي أن الخُلُقَ عبارة عن هيئة راسخة في النفس راسخة ، تصــــــــــــدر عنها الأفعـال بسهــــــــــــــــــــــــــــــــولة ويســــــر ، من غير حـــــــــــــــــــــاجة إلى فكــــــــــــــــــــــــــر وروية .
ثم بين أن الخُلُق منه ما هو حسن وما هو قبيح ، فإن كان الصادر عن النفس فعـــلا جميلاً محمودا عقـــــلا وشرعا سميت تلك الهيئة وذاك الفعل خُلُقا حسناً ، وإن كان الصادر عنها فعلاً قبيحاً سُمي خلقــــــاً سيئــا .
*مصدر الأخلاق :
تقدم الحديث عن معنى الأخلاق في اللغة والاصطلاح ، وظهر لنا أن الأخلاق الإسلامية لهــــــــــــــا نوع خصوصية ليس لغيرها ، وقبل الحديث عن خصائص الأخلاق في الإسلام لابد من بيان مصـــدر الأخلاق الذي اختلف تبعا لاختلاف نظرة الناس إلى الخير والشر مما يعد سلوكا يتعامل به الناس فيمــــــــــا بينهم .
فهــــــــــــــــــــــــل مصـــــــــــــدر الأخـــــــــــــــــــــــــــــــــلاق :
- المجتمـــــــــــــــــع بعـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاداته وأعــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرفه ؟
- أم العقــــــــــــــــــــــــــــــــل البشري بقدراته وطـــــــــــــــــــــــــــــــــــــاقــــــــــــــــــــــــاته ؟
- أم الضـــــمير الإنســـــــــــــــــــــاني بعــــــــــــــــــــــــــــواطفه وانفعـــــــــــــــــــــــــــــالاته ؟
- أم أنهـــــــــــــــــــــــــــــــــــا قيم اللذة والسعـــــــــــــــــــــــــادة والمنفعــــــــــــــــــــــــــــــــة ؟
- أم أن هناك مصــــــــــــــــــــــــــــــــدرا أعلى وأسمى من هذه المصــــــــــــــــــــــادر البشرية .
هذه أهم الاتجاهات الفلسفية الأخلاقية في تاريخ البشرية التي لم تتفق على مصدر واحد لتقــــــــويم سلوك الإنسان ، ولم تحدد له مرجعا سلوكيا أخلاقيا يحتكم إليه ، وسيظهر لك من خلال هذا العرض أسبـــاب هذا التعـــــــــــــــــــــــــــــدد والاختــــــــــــــــــــــــــــــلاف .
*المذهب الأول( )
يرى أصحاب هذا المذهب أن المجتمع بأعرافه وعاداته هو مصدر الأخلاق ومقيــــــــــــــــــــــــــــــاسها.
والعرف مجموعة من العادات التي درج الناس عليها جيلا بعد جيل في مجتمـــــــــــع ما ، ورأوا ضرورة احترامها وأن تقوم الحيــــــــــــــــــــــــــــاة على أساسها ، ومن خالفها يعـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاقب .
ولكن : هل يصلح أن يكون ( العرف ) مصدراً للأخلاق ،ومقياسا تقاس به الأعمــــــــــــــــــــــــــــــــــال ، وميزانا للسلــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوك البشـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــري ؟
إن نظرة بسيطة تبين لنا أن العرف متغير وغير ثابت ، إذ يختلف باختلاف الزمان فما كان مألوفا متعارفا عليه في القـــــــــــــــــديم قد يتغير ويصبح منكرا ومستهجنا عند النـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاس .
كان شرب الخمر ووأد البنات عرفا في الجاهلية ، فجاء الإسلام فحرمه وقضى عليه ، وكذا السرقة والنهب كـــــــــــــــــــــــــــــــــانت سائغة في بعض الأعراف فلما دخلتها المدنية حرمتــــــــــــــــــــــها .
فالعرف قد يخالف الدين ، وقد يخالف تطور المجتمعـــــــــــــــــــــــــــــــــات ورقيها ، لذا يتبدل ويتغير .
ويختلف العرف باختلاف المكان فعرف الرجل الشرقي وعاداته يختلف عن عرف الغربي ، وكذا عرف أهل البادية يباين عرف أهل الحضر ويخالفه ولو في بعض جــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوانبه .
( إن العرف مثله كمثل الريح ، يمر على مزرعة (ورد) فيحمل رائحة الورد ، ويمــــــــــــر على مزرعة ( فُل ) فيحمل رائحة الفل ، فهو متغير ، تراه في مصر غيره في إنجلترا ، وتراه في جنـــوب إفريقيا غيره في بلاد القطب الشمالي ، وبين رجال الدين غيره بين رجال المال والأعمال وهكذا ، وليس في استطاعـــة ( أخلاقي ) أن يقيس أعمـــــــــــــــــــــــــــــــــال النـــــــــــــــــــاس بمقياس شـــــــــــــــــــــأنه ذلك )(2)
وردت أدلة في القرآن الكريم والسنة تنعي على من يتخذون العرف مصدراً لسلوكهم ومقياسا لأعمالهم ، ومنـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــها :
قوله تعالى {وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا ، أولوا كان أبآؤهم لا يعقلون شيئـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا ولا يهتدون } .(البقرة)
وقوله سبحانه {وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قــــــــــــــــــــــــــــــــالوا حسبنا ما وجدنــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا عليه آباءنا ... }(المائدة )
وقولـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه عز وجل {بل قالوا إنا وجدنا أبآءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون } .
وقال النبي عليه الصــــــــــــــــــــــــــــــلاة والسلام {لا يكن أحدكم أمعة يقول إن أحسن الناس أحسنت }
والخلاصة أن العرف لا يصلح أن يكون مصدرا للأخلاق ولا منبعـــــــــــــــــــــــا لها ، ولا ضابطا يضبط أصــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــولها ، ولا أساسا ينبني عليه سلـــــــــوك الإنسان .
*المذهب الثاني :
وإذا كان العرف لا يصلح ، فهل العقل البشري يصلح مصدراً للأخلاق ومقياسا وضابطا ، فمــا يراه العقل خَيْرا يكون خَيْرا ، وما يراه شرا يكون شرا ، وما يراه فضيلة يكون فضيلة ، وما يراه رذيلة يكون رذيلة ؟
إن هؤلاء يرون أن العقل قادر على وضع القانون الأخلاقي الذي يضبط حياة الناس وينظــــــــــــم تعاملهم أفــــــــــرادا وجمـــــــــــــــــاعات .
ولكن : إذا أردنا أن نحتكم إلى العقل في قياس الأخلاق ، فأي عقل نحتكــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــم إليه ؟
هل نحتكم إلى عقول الفلاسفة قديما وحديثا ؟ أم نحتكم إلى عقول أهل السياسة ؟ أم إلى عقــــــــــــــــــــول أهــــــــــــــــــــل الأموال والتجـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــارة ؟
إلى أي عقـــــــــــــــــــــل نحتكــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــم ؟
إذا قلنا فيما مضى أن الأعراف تختلف باختلاف الزمان والمكان والبيئة والثقـــــافة ، فكذلك العقول تختلف من زمان لآخر ومن مكان لآخر ، ومن ثقافة وبيئة إلى غيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرها .
إننا بهذا التقرير لا نريد أن نحط من قدر العقــــــــــــل ولا أن نقلل من منزلته ، فهو من أعظم نعم الله على الإنسان ، لكن له حدوده وقدراته ، مع ما فُطِر الناس عليه من اختلاف تلك القدرات والحــــدود ، وقد تبين قصور العقل عن إدراك بعض ما يحيط به ويدور في فلكه، فكيف يصح بعد هذا أن يكون العقـــــــــــل هو مقيــــــــــــــــــــاس الأخــــــــــــــلاق ؟
فالخلاصة أن العقل كما هو الحال في العرف لا يصلح وحده ليكون مصــدرا للأخلاق ولا مقياسا لها ، ولا حكمـــــــــــــــــــــا عليــــــــــها .
*المذهب الثالث :
يرى أصحاب هذا المذهب أن الضمير البشري هو مصدر الأخلاق ، والمقصــــود بالضمير : القوة الخفية النابعة من نفس الإنسان ، فتوضح له طريق الخير وتدفعه إلى سلوكه ، وتبين له سبيل الشر وتحـــذره منه ، ويشعر الإنسان براحة في طاعة هذه القوة الخفية ، وبتأنيب عند عصيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــانها .
ولكن هل يصلح الضمير مصــدرا للأخلاق ومقياســــــــــــــــــا لها ؟
إن المتأمل في أحكام الضمائر يجدها غير ثابتة ، بل هي متغيرة مختلفة ، بحسب الزمان والمكان ، فأحكام الضمير لإنسان القرن العشرين تختلف كثيراً عن أحكام ضمير إنسان عاش في العصـــــــــــــــور القديمة أو الــــــوسطــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــى .
وتختلف كذلك بحسب المكان والبيئة والثقافة ، فالضمير في أوروبــــــــــــــــــــا غيره في أواسط إفريقيا ، غيره في البلــــــــــــدان الإســــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلامية .
زد على ذلك أن أحكام الضمير مبهمة لا وضوح فيها ، فكيف نعتمد عليها في أمر عظيم الشأن ، وهذا حالـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــها ؟
وكثيرا ما تتغلب العواطف والانفعالات والعادات والتقاليد والمواقف الخاصة والمصالح الشخصية في ضمــــــــــــــائر الناس وأحكامـــــــــــــها .
ويلاحظ أن كلمة الضمير بهذا المفهوم الأخلاقي لم ترد في القرآن الكــــــــــــريم ، ولا في السنة النبوية ، ولا وجود لها في معاجم لغة العرب ، بل هو مصطلح حادث منقــــــــــــــــــول عن كتب الفلسفة الغربية .
ولقد كان من دواعي استعمال هذا اللفظ في الحضـــــــارة الغربية إحلال مفهوم أخلاقي منفصل عن مفهوم الأديان المنزلة ليكـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــون عوضا عن تعـــــــــــــــــــــــــــــــــاليمها.
*المذهب الرابع :
وذهبت طائفة أخرى إلى أن مقياس الأخلاق وميزانها يرجع إلى اللذة والمنفعـــة ، فما يحقق اللذة والمنفعة المادية يكون خيرا ، وما يحقق ألماً وضرراً مادياً يكون شراً يجب تجنبه والبعـــد عنه ، فالفضيلة تدور مع اللذة والمنفعــــة وجودا وعدمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاً .
ومعنى هذا أن الإنسان لا يستطع أن يجزم بشيء سوى ما يصيب بدنه من اللذة والألـم ، فاللذة هي الخير ، والألم هو الشر ، فالحكمة كل الحكمة - في نظر هؤلاء – أن يغتنم الإنسان الفــــــرصة قبل فواتها وينتهب المسرات قبل انقطاعها ، ولا مرشد إليها سوى ما ركب فيه مــــــــــن الطبائع والغرائز ، فيسعى لإشباعها وإرضائها ، وهكذا تكـــــــــــــــــــــــــــــــــــون الأخلاق تبعا للذة والسعـــــــــــــــــــــــــــــادة والمنفعة .
ومن تأمل هذا المذهب بواقعية ونظر ثاقب رأى أنه أشبع جانب الحس والمــــادة ، وأغفل الجانب الروحي والمعنوي في الإنسان ، وهو جانب له أثره ، وله أهميته في حيـاة الفرد وفي كيان الأسرة ونظام المجتمع .
ألا ترى أيها القارئ الكريم أن هذا الرأي يفسح المجال أمـــــــــــام نزعة الأثرة والأنانية والظلم والتسلط ، ويقضي في المقابل على قيم هامة لا يمكن تجاهلها وغض الطــــــــرف عنها ، كالإيثار والكرم والتعاطف وروح التسامح والبر والإحســــــــــــــــــــــان إلى الغير، فأي منفعة في هذه الأخـــــــــــــــــــــــــــــلاق.
" ومما يضعف القول بهذا المذهب أننا ما زلنا نقرأ في صحف الأبطـال وقادة الأمم كيف سمت بهم هممهم العظيمة إلى اطِّراح لذاتهم وما هم فيه من رفاهية العيش وهناءة البـــال ، لا سعيا وراء اللذة والمسرة ، بل لينقذوا غيرهــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــم من بني جلدتهـــــــــــــــــــــــــــــم غير مكترثين بما يصيبهم في
ذات أنفسهم من أذى وإهانة ، كأنهم يفرحون بما يدهمهم في سبيل ذلك من نوازل الأحداث وخطوب الزمن ، لا تهدهــــــــــــــــــــــــــــــم العظائم ولا تفزعهـــــــــــــــــــــــــــــــم الشدائد " ( الخلق الكامل/ 201).
لكن هل يصــــــــــــــــــــــــــــــلح مقياس اللذة والمنفعة مصدرا للأخـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلاق ؟
يجد بعض الناس لذته في ركوب الصعاب ومقارعة الخطوب ومنازلــــة النوازل ، خلافا لما اعتاده الناس وألفوه من وجود اللذة في الراحة والدعة ، ويجد بعض الناس متعته في مســـاعدة الغير وقضاء حوائجهم .
مــاذا يعني هــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــذا ؟
معناه أن معيــــــــار اللذة والمنفعة يختلف من إنسان لآخر ومن فــــــــــــــــــكر لآخر ومن ثقافة لأخرى .
يقول أحمد أمين " ليس مقيــــــاس السعادة العامة مقياسا ثابتا محددا ، وهذا يجعل الحكم بأن العمل خير أو شر مجـــــــــالا للخلاف الكثير ، ذلك بأن مدار الحكم هو اللذة والألم ، وتقدير ما في العمل من اللذة والألم يختلف باختلاف الأشخاص ، فقد يرى أحـــد في عملٍ لذةً كبيرة ، ويرى آخر فيه لذة أكبر أو أقل ، فيترتب على ذلك اختلافهـــــــــــــــــــــــــــــــــم في الحكم على الشيء بالخيرية أو الشرية " ( الأخلاق / 116) .
" أضف إلى ذلك أن اتخاذ المنفعة في ذاتها معيــــــــارا للأفعال الخلقية مفض – لا محالة – إلى اللبس بين الحق والباطل ، فطالما جر الباطل إلى لذة وحبــــــــــــور ، وجاء في سبيل الحق ما لا يوصف من الهموم والشرور ، ومع ذلك فالحق أحق أن يتبع ، وما خير بخير بعده النار ومـــــــــــــــا شر بشر بعده الجنة " (الخــــــــــــــــــــلق الكــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــامل / 208) .
وهنا يظهر لك جليا أن هذا المقياس مضطرب ، فلا يصلح أن يكون أساسا مطلقا للأخلاق كما ذهب إليه أصحـــــــــــــــــــــــــــــــــــاب هـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــذا القــــــــــــــــــــــــــــــــــول .
*الخاتمة :
وبنظرة فاحصة إلى ما تقدم مــــــــن المذاهب يتبين لنا أن المجتمـع بعاداته وأعرافه وقيمه ، وكذا الضمير الإنساني ، والعقل البشري ، والمنفعة المادية كلها تؤثر في معيــــــــــــــــــــــــــــــــــــار الأخلاق سلبا أو
إيجابا ، لكنَّ واحدا منها لا يصلح ليكون وحده مصدراً للأخـــــــــــــــــــــــلاق ومقياسا لها ،وحكما عليها.
وبعد هذا يمكننا القول : إن المنهج الرباني الأخلاقي الذي جاء به الإسلام هـــو الأصلح مطلقا ليكون أساسا للأخلاق ومعيارا تقاس به السلوكيات وتحتكم إليه ، وذلك لما له من الخصــائص العظيمة التي يأتي ذكرها ، مع مراعاته للعقــــــــــــــــــــــــــــل والعادات والأعراف التي لا تخـــــــــــــــــــــــــــــــــالف الشرع .