صباح علي الشاهر
يقول البعض إن إيران تستغل القضية الفلسطينية لتعزيز نفوذها في المنطقة ، قد يكون هذا صحيحاً ، وقد لا يكون .
قضية إستغلال غطاء عقائدي أمر معروف ليس قديماً فقط، بل في العصر الذي نعيشه ، فالحكام السعوديون إستثمروا ويستثمرون الوهابية والسلفية ، رغم أنهم في حياتهم العملية أبعد الناس عن إشتراطات السلفية ، وتزمت الوهابية ، وحكام قطر إستقووا بالإخوان وجعلوا من أنفسهم حماة للإخوان أينما كانوا ، وليس ثمة من يدعي أن الأمراء القطريين ، صغيرهم وكبيرهم ، ينفذون في سلوكهم اليومي إشتراطات المرشد الإسلامي بدءاُ بسيد قطب ، مروراً بالهضيبي، وليس إنتهاءاً بتحريمات وتكفيرات القرضاوي .
ما أرادته السعودية من الوهابية والسلفية ، هو عين ما أرادته قطر الصغيرة من الأخوان . الوهابية ، والسلفية بالنسبة للحكام السعوديين ، كالحركة الإخوانية بالنسبة للحكام القطريين ، السعودية من دون الحركة الوهابية والسلفية ليست سوى “كليدار” يخدم الحرمين الشريفين ، وقطر من دون الإخوان المسلمين ليست سوى جزيزة نصفها قاعدة أمريكية .
السؤال المقابل ، إذا كانت القضية الفلسطينية تعزز نفوذ من يتبناها ، فلماذا لا تتبناها السعودية ؟ لماذا تنسج خيوط التفاهم مع الصهاينة سراً وعلانية ؟ ولماذا لا يتبناها النظام المصري الذي كان أول نظام عربي يتخلى عن القضية الفلسطينية عملياً ، ويفتح سفارة لإسرائيل في قاهرة المعز ، ولماذا لا يتخلى الأردن عن إتفاقية وادي عربة ، ويصبح المدافع عن قضية فلسطين ، كل فلسطين لا وصايته المفقودة على القدس ؟.
وعلى إفتراض أن الإيرانيين لا يؤمنون بقضية فلسطين ، وإنما يستغلونها ، وهم لا يفعلوا شيئاً من أجلها ، فقط مجرد إعلام ودعاية ظاهرة ، فما هي مصلحة فلسطين في خسارة مثل هذا الدعم ، حتى ولو كان مجرد “دعم إعلامي” ، خصوصاً وأن الإعلام الصهيوني يغطي العالم كله ، وها هو الإعلام العربي يتحول شيئاً فشيئاً إلى إعلام مهادن ومُبرر لإسرائيل، كيف يكون موقفنا لو أن الأمر ليس كما نتوقع أو نظن ، وأن الدعم الإيراني لفلسطين أكبر مما هو ظاهر ومُعلن، وهذا ما تؤكده الصحافة الإسرائيلية والحكومة الصهيونية التي تشن حرباً لا هوداة فيها على إيران ، وتغازل ما يُسمى بالأنطمة المعتدلة .
ونبقى في سياق نفس الإفتراض ” كون إيران تستغل القضية الفلسطينية لتقوية نفوذها” ، فمن المعروف أن من يستغل قضية لا يؤمن بها فإنه من أجل هدف أو أهداف معينه يمكن أن يتخلى في أية لحظة عن هذه القضية إذا أحس وشعر بأنها تعيقه عن تحقيقق أهدافه، وقد ثبت أن تشبث إيران بالقضية الفلسطينية جعلها في صراع وجود مع إسرائيل، ومع حاميتها أمريكا، التي عملت كل ما بوسعها لإضعاف وحصار إيران ، هذا الحصار الذي بدأت آثاره الآن عبر الإحتجاجات المبررة بسبب البطالة وغلاء الأسعار والفساد الذي لا يخفى ، الكثير من المحتجين في شوارع إيران يدعون إلى أن ترفع إيران يدها عن دعم فلسطين وحماس وحزب الله، وأن تسحب نفسها من سوريا، وأن تنفق ما لديها على شعبها ، لا شك أن إيران تنفق الكثير على حركات ومنظمات وأحزاب ودول من أجل دعمها في صمودها، بحسب مايقول المسؤولون الإيرانيون ، ومن أجل مد نفوذها خارج حدودها كما يقول المعارضون، وهذه القضية جعلت إيران كالإتحاد السوفيتي في آخر أيامه يقف مواطنوه في الطابور من أجل الحصول على البطاطس ، في حين تنعم الدول السائره في ركابه ببحبوحة العيش ، وكيفما تكون الضفة التي يقف فيها وينظر من خلالها الإنسان يكون موقفه من لوم المواطن السوفيتي الموجه لسلطته، أو الدفاع عن الموقف الأممي الكوني للنظام السوفيتي ، وهو يواجه جبروت النظام الر أسمالي المتغوّل .
ثمة شبه بين النظام السوفيتي في أواخر أيامه والنظام الإيراني الحالي ، لكن هذا التشابه ليس لحد التماثل ، فالنظام الإيراني لا يختلف من حيث بنيته مع أي نظام رأسمالي آخر، سواء كان أمريكيا أو أي بلد رأسمالي أوروبي، وبالتالي فصراعهما ليس صفرياً ، ليس أن يكون أو لا يكون ، وإنما يحسم هذا الصراع بتبعية الأضعف للأقوى ، وبإقرار هذه التبعية يتحول الصراع إلى تعاون، وعندها ليس من المستبعد أن تكون إيران شرطي الخليج والمنطقة ، كما كانت في عهد الشاه، وليس من المستبعد أحياء ما يشبه حلف بغداد بعواصمه المعروفه ، ولكن ضد روسيا والصين هذه المرة ، وربما ضد مصالح الهند، وإذا كانت إيران موعودة بأن تكون ممراً لطريق الحرير ، وأنابيب النفط والغاز بين المحيط الهادي والشمال، فأنها ستكون طريق الهند البريطانية ، ولكن الأمريكية هذه المرة .
ليس المطلوب سوى التخلي من العداء لإسرائيل ، إبطال “مرك بر إسرائيل”، بتعابير أخرى أكثر إنسانية ، وأقرب إلى قلوب المجتمع الأوربي ، إذا قامت حكومة إيران الحالية بهذا عن قناعة أو إجبار ، فإن الأمر سيكون مرحباً به ، وإذا لم تفعل ستظل تواجه الحصار والعداء بمختلف الأشكال ، حتى مجيء حكومة أخرى تقوم بما يلزم .
كاتب عراقي